22 ديسمبر، 2024 2:30 م

الاستراتيجية الامريكية في العراق تتحقق وتؤتي اكلها بعد حين!

الاستراتيجية الامريكية في العراق تتحقق وتؤتي اكلها بعد حين!

قبل اكثر من 15 عام افصحت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة (كوندليزا رايس) في معرض جوابها على تسأل عرضه رئيس مجلس الشيوخ الأمريكي في حينه، حيث سألها عن جدوى نشر الديمقراطية في العراق ، والتي أدت الى صعود الإسلاميين – الشيعة والسنة-، وقد اجابته بكلمات أرى من المناسب في معرض الصراعات الحالية والتكالب على السلطة انها –أي هذه الكلمات- هي جوهر الاحتلال الأمريكي، حيث قالت رايس:

“تلك الديمقراطية سيأتي اكلها بعد عشر سنوات من اليوم، وهو (أي اكلها) كشف مخابئ جديدة لأعدائنا وادخالهم في دوامة الصراع الداخلي والنزاع على كسب ما لن يستطيعوا الحصول عليه مستقبلا، وبعد طردهم من عقلية الناخب ولجوء المواطن لخيار التعيين الأمريكي بدلا من الاختيار العراقي”.

اذن من كلام سيدة الدبلوماسية الامريكية نرى عدة حقائق ترسم بمجموعها الاستراتيجية الامريكية في العراق (ولو بشيء من العموم وبالخطوط العريضة)، الامر الأول هو ان العم سام لا ينتظر النتائج الانية او الحالية، بل انه ينتظر الى نتائج مخططه وفي اقرب وقت بعد عشر سنوات، اذن الهدف القريب هو يحتاج الى عقد من الزمن (a decade)، حيث ان نتائج او (اكلها) الديمقراطية هو ليس من اجل (عيون) الشعب العراقي، بل من اجل الهدف الأعلى والاسمى للعم سام.

الامر الثاني هو الكشف عن (أعداء) الولايات المتحدة، وهذا تشخيص غاية في الدقة والموضوعية من قبل رايس، حيث اعتبرت وحددت كل من يقف امام المشروع الأمريكي في العراق هو عدو لأمريكا ولمصالحها، ومن خلال نشر (الديمقراطية) سيتم الكشف عن هؤلاء الأعداء، وليس هذا فحسب بل الكشف عن المخابئ الجديدة او بمعنى ادق الكشف عن الأعداء الجدد لامريكا، لانه وكما هو معروف في السياسية الامريكية التي خطها كسينجر في القرن العشرين ( لايوجد عدو دائمي ولا صديق دائمي) فمن الممكن ان يكون صديق اليوم هو عدو الغد ، وعدو الامس هو صديق اليوم.

الامر الثالث، ان الوسيلة التي تتبعها إدارة البيت الأبيض في السيطرة على مقدرات العراق (شعبا وحاضرا ومستقبلا) والقضاء على هؤلاء الأعداء من خلال ادخالهم في صراع داخلي، واضع خطين تحت صراع داخلي ، حيث تفتح إدارة الاحتلال الأمريكي الباب مشرعا ومشروعا امام الفساد والافساد في بداية الإدارة المباشرة للعراق مما يجعل الأحزاب الحاكمة باجمعها تشارك في عمليات السرقات الممنهجة وتتقاسم الكعكة فيما بينها، ويصبح الامر عبارة عن منهج متبع في الحكومات المتعاقبة، وبالطبيعي ان يختلف السراق فيما بينهم يوما على اقتسام الكعكة والحصص ، ومن الطبيعي ان يدخل لاعبين جدد ويزيحوا اللاعبين السابقين وهذا الامر يخلق صراع داخلي بين مكونات العملية السياسية والذي ينعكس على الواقع الشعبي، وكل هذا بالنتيجة يكشف عن أعداء العم سام الاخرين كما شخصت ذلك كونداليزا رايس.

الامر الرابع، وبحسب الديمقراطية الامريكية فان الناخبين هم صناع القرار وهم من يحكمون بلادهم ، ولكن هذه الديمقراطية تشترط ان يكون توجه الناخبين وفق المخطط الأمريكي ، فلا يمكن ان يفرض المحتل قرار الاختيار في صندوق الاقتراع ولكنه يمتلك مفتاح هذا القرار من خلال التلاعب بالعقول واستغلال الجهل وغياب الوعي الجماهيري واشغال الجماهير بامور بعيدة وثانوية وابعاده قدر المستطاع عن التفكير بالمستقبل والتفكير بجدية وبوعي ، وهذا الامر يأتي من خلال الصراع المستمر بين الطبقة السياسية ، وعندما يراقب ويشاهد الناخب هذه الصراعات (وبالأخص بين الأحزاب والتيارات الإسلامية) التي كان يكن لها الاحترام والتقدير والقدسية فيما مضى ، فالانقلاب المنتظر في اختيار المواطن ولجوءه الى الخيار الأمريكي هو احد نتائج صراع القوى السياسية، والمؤسف ان هذا الصراع وكما تقدم الحديث به ليس من اجل المواطن بل من اجل مغانم حزبية وحصص في المناصب والكعكة (حتى وان كانت الشعارات تتحدث عن غير ذلك)، والمواطن يراقب كل هذا ، وبحسب علم النفس تتولد لديه مشاعر النفور من الإسلام والمسلمين بشكل عام ويلجأ أخيرا الى الخيار المادي الأمريكي …

وهذا الامر يدل على عدة أمور ، منها ان العم سام يتحكم بعقول الشعب العراقي من حيث يعلم هذا الشعب او لا يعلم، تتم السيطرة بعدة أمور ووسائل، اوضحهها مواقع التواصل الاجتماعي وتاثيرها على عقول الشعب عام والشباب بشكل خاص، وخير دليل مظاهرات تشرين 2019-2020وما لها من اثر في تغيير بوصلة الاقتصاد العراقي وارجاعه الى الهيمنة الامريكية بعد ان حاول الخروج والدخول في استراتيجية طريق الحرير (الحديث عن هذا الامر يحتاج الى عدة مقالات، نتركها لاحقا).

ومن المهم الإشارة الى ان المحتل الأمريكي ليس ببعيد عن صراع القوى السياسية الحالي على مقاليد الحكم ومن وكيف يتولى رئاسة الحكومة ، وبشكل مختصر وبدون الدخول في التحليل المنطقي والفلسفي لما جرى ويجري وسيجرى لاحقا، فان كل النتائج التي ستتمخض عن هذا الصراع ومهما يكن الفائز او الخاسر بكرسي الحكم، فانه يحقق الاستراتيجية الامريكية من حيث يعلم او لا يعلم ويسير وفق المخطط الأمريكي الذي اوضحته كوندليزا رايس واشرنا اليها انفاً.

وللحديث تتمة …اذا بقيت للحياة