29 ديسمبر، 2024 2:10 ص

الاستخدامات العسكرية لليورانيوم المنضب وتأثيراتها على تردي الاوضاع الصحية والبيئية في العراق

الاستخدامات العسكرية لليورانيوم المنضب وتأثيراتها على تردي الاوضاع الصحية والبيئية في العراق

ترجمة ـــــ وليد خالد احمد
كتابة ــــــ  سكوت بيترسون
خلال العمليات العسكرية عام 1991، غطت ساحات المعارك العديد من قطع الاسلحة الاشعاعية والسامة وجزيئات اشعاعية اخرى ناجمة عن استخدام اطلاقات اليورانيوم المنضب وعوامل الاعصاب والاسلحة الكيمياوية، بالاضافة الى الدخان المتصاعد من حقول النفط المحترقة في الكويت.
وقد صرح العديد من الاطباء العراقيين، انهم لاحظوا في المدة الاخيرة ارتفاعاً حاداً في انواع التشخيصات المرضية الخطيرة وبخاصة الامراض السرطانية نتيجة استخدام اليورانيوم المنضب والمواد الاخرى في الحرب.
كتب العديد من الاطباء الذين اجروا دراسات مكثفة في المناطق التي جرت فيها المعارك، والمسوحات الميدانية التي تمت في بقية المناطق الاخرى من العراق، تقارير وبحوث تؤكد الزيادة الحادة في نسبة الاصابة بالامراض الخبيثة لدى السكان في جنوب العراق حصراً.
كما أكد احد الاطباء العراقيون- د. حمدان الحاصل على شهادة طبية من اسكتلندا والولايات المتحدة الامريكية- على الزيادة في التشوهات الجسدية نتيجة الاصابة ببعض الامراض السرطانية المنتشرة بين العديد من المدنيين في المنطقة حيث ظهرت زيادات واضحة في مرض اللوكيميا.
كذلك كشفت الدكتورة منى- وهي احدى الاختصاصيات المتدربات في بريطانيا والمشرفة على عمليات تسجيل امراض السرطانات في العراق – ان الوقت مازال مبكر جداً في الكشف عن العلاقة بين اليورانيوم المنضب والامراض التي تحدث بسببه.
ان الابحاث التي تجري الآن للحصول على اجابات مقنعة حول هذا الموضوع ما زالت مستمرة تقريباً في كل دول الخليج بسبب ان نسبة كبيرة من هذه الاسلحة قد اطلقت من اراضيها.
اليوم، روسيا تبيع هذه الاسلحة في الاسواق الحرة، وهناك اكثر من عشرين دولة في العالم تمتلك اسلحة عسكرية مصنوعة من اليورانيوم المنضب حصلت عليها  من الولايات المتحدة الامريكية.
ان هذا الانتشار قد اثار تساؤلات عدة حول التأثيرات الصحية الحاصلة من جراء الاصابة الشديدة بهذه الاسلحة.
–    هل هناك مخاطر صحية مستمرة ناجمة عن هذا السلاح تعرض لها المدنيين في العراق والكويت؟
–    اذا لم نتمكن من حد درجة خطورة الوضع الصحي الناجم عن استخدامها، كيف ينبغي ان يكون الاستخدام المستقبلي لليورانيوم المنضب والتعامل معه؟
ينبغي ان يتعامل العاملون في معالجة اليورانيوم المنضب على انه يشكل خطورة اشعاعية واطئة المستوى حيث يستوجب وضع هذه المادة في علب صغيرة زنة 30 غالون، ثم توضع داخل حاويات زنة 55 طن، تم تدفن تحت الارض بعد الحصول على الموافقات القانونية.
رون كاثرين، البروفيسور الفيزياوي، مدير الابحاث في رجلاند والمحاضر في جامعة واشنطن، علق: ان مكتب التسجيل الفدرالي قد درس اليورانيوم المنضب وتأثيراته على العمال لمدة 30 سنة. وأكد ان العديد منهم قد فروا بشكل جماعي من هذه المصانع بسبب الاشعاعية التي يتميز بها هذا السلاح، لكن لم تصل به الخطورة بأي شكل من الاشكال الى مستوى خطورة المواد الكيميائية.
لقد اجريت دراسة شاملة عام 1991، من قبل الجيش الامريكي للكشف عن مدى العلاقة بين اليورانيوم المنضب والامراض السرطانية. بينت بأن – احتمالية الاصابة هي صفر – هذا ما كشفه لنا الدكتور دراكوفيتش مدير الطب الذري في المركز الطبي في وليمنكتون.
وفي عام 1992، وجد احد العلماء الالمان اطلاقات عدة مشبعة باليورانيوم المنضب في الصحراء العراقية التي كانت مسرحاً خصباً لاستخدامات هذا السلاح. وبعد القاء القبض عليه من قبل سلطات بلاده ومحاكمته بتهمة امتلاكه هذه المادة الملوثة اشعاعياً، واحدث وقتها فضيحة اخلاقية كبرى دفعت بالعديد من ذوي العلاقة الاهتمام بالموضوع.
وكالة الطاقة الذرية البريطانية حاولت من جهتها عام 1991، على وفق امر من وزارة الدفاع بتحديد مقدار خطورة هذا السلاح اعتماداً على ما مقداره 40 طن من اليورانيوم المنضب الذي استخدم من قبل قواتها خلال حرب الخليج، حيث اعلنت بان الكمية المستخدمة سببت في مقتل حوالي نصف مليون شخص.
برنارد رويكر، احد المساعدين المختصين في حرب الخليج صرح – ان حرب الخليج لا تعتبر حدثاً نووياً غير عادي، اذ ان هذه المنطقة هي منطقة خالية من الاستخدامات الزراعية والصناعية، وأي استخدام بشري آخر.
لكن الدكتور دراكوفيتش قال – ان هذه المنطقة ما تزال خطيرة نتيجة الاستخدام الواسع لهذه الاسلحة. اي، ان مساحات واسعة من ساحات المعركة لن تكون طبيعية مستقبلاً.
وقد نبه الى ان تفسخ جثث الموتى المتروكة في الصحراء ستكون مصدراً للاحياء الذين نجوا من المعركة للسنوات القليلة القادمة. كما أكد ان المنطقة ستكون منطقة قتل حتى بعد وقت طويل من وقف المعارك. فبواسطة الريح يمكن ان تجد ذرات مشبعة باليورانيوم طريقها الى داخل جسم الانسان، اذ تؤثر هذه على خلاياه مسببة له العديد من الاورام السرطانية واللمفاوية.
يحدث الاشعاع في الطبيعة وبمستوى واطئ، بينما اليورانيوم يعتبر اكثر الاشعاعات تركيزاً. هذا ما صرح به العديد من العلماء حيث توفرت معلومات جيدة حول وجود مواد مشعة في هذه المنطقة من القتال بسبب اختلاط اليورانيوم المنضب لدى اصابة الاطلاقة هدفها مع التراب وتفاعله مع شظايا الحديد التي تأكسدت في الرمال بمرور الوقت. ومن بين المعلومات التي تم الحصول عليها هي تلك الاطلاقة التي هي بحجم قلم التأشير والتي اطلقت من الجو بزاوية 45 ْ حيث تم كشطها من الحائط وتم معالجتها بجهاز كشف الاشعاع الذي كان يحمله حسين محمد احد اعضاء لجنة الطاقة الذرية العراقية لدى زيارة ميدانية لأحد المواقع الملوثة.
ان الرجال الذين يقومون بحراسة محطات ضخ النفط قرب الحدود العراقية مع السعودية، لا يتمكنون من التجوال بعيداً عن هذه المنطقة، وبسبب التدمير الذي سببته الطائرات الامريكية اثناء الحرب عام 1991، فان اجزاء من هذه المحطة لا تزال ملوثة اشعاعياً. لذا حصر حرس هذه المنطقة انفسهم في بناية لتجنب الحطام الملوث باليورانيوم المنضب الذي اصاب هذه المحطة.
خلال توجهنا الى ميدان المعركة وبموافقة السلطات العراقية، عبرنا نحن ومجموعة من المراسلين المنطقة الجنوبية خلال حقول نفط الرميلة العراقية، وعلى طول الحدود مع الكويت، حيث تجد العديد من هياكل الدبابات والعجلات العسكرية التي يغطيها الصدأ، اذ كانت هذه المعدات اهدافاً للاسلحة المضادة للدروع التي يدخل في تركيبها اليورانيوم المنضب استخدمت من قبل الطائرات الامريكية في حرب الخليج حيث كشفت ارقام البنتاغون بأن حوالي 860.000 اطلاقة من هذا النوع تم رميها في هذه المنطقة.
ان المعركة التي دارت رحاها في هذه المنطقة، كانت معركة قاسية شهدت استخدام العديد من الاسلحة المزودة بالاشعاعات والمواد الكيمياوية والتي اصبحت ملوثة بفعل اليورانيوم المنضب الذي استخدم ايضاً في هذه المعركة.
وفي وسط حقول نفط الرميلة، بدأ المسؤولون العراقيون يتفحصون الدبابات المحطمة المغطاة بالرمال حيث ابراج هذه الدبابات انفصلت عن بدنها على بعد خمسين يارد بفعل اصابات القصف الجوي. كانت هذه الابراج والهياكل ملوثة اشعاعياً، حيث أكد احد الضباط العراقيين بعد ان قام بالقفز الى الهياكل المحطمة حاملاً معه جهاز قيام الاشعاع.
لقد تكلم رماة مقاومة الدبابات الامريكان حول هذا النوع من الاسلحة بشكل لا يوصف لما تتميز به من قدرة تدميرية هائلة، حيث جعلت من الدبابات العراقية الروسية الصنع كما لو كانت قنينة صودا. فقد قامت الطائرات الامريكية نوع A.10 باستخدام هذا النوع من السلاح من المدفع الرشاش المنصوب فيها عيار 30 مم حيث تمكنت من ضرب الدروع العراقية وتحجيم دورها في المعركة.
لهذا السلاح قدرات عالية كونه مصنوعاً من اليورانيوم المنضب، وبسبب ما حققه من نجاحات ميدانية اصبح احد الاسلحة الرئيسية المستخدمة من قبل بعض وحدات الجيش الامريكي.
واينما يتم اطلاق هذه الاسلحة، فانها تترك اثاراً اشعاعية وكيميائية. فمن خلال البحث الذي جرى في جنوب العراق منطقة عمليات الحرب، حيث شهدت هذه الاسلحة اول استخدام فعلي لها عام 1991، كشفت المسوحات الميدانية مدى التلوث الناجم عن الغبار السُمّي الكيميائي والاشعاعي الذي غطى الصحراء.
لقد طالبت لجنة التنظيم والسيطرة على الاسلحة النووية من الجيش الامريكي، ان يحصل على رخصة عندما يريد القيام باجراء اختيار للرمي والتدريب على الاسلحة الداخلة في تركيبتها مواد سامة. وجاء هذا كأجراء وقائي أمني لحماية البيئة بسبب استخدام البحرية الامريكية عناصر فلزية في هذه الاسلحة لخرق الاجسام المدرعة.  فقد كشفت سلسلة من التقارير والتوجيهات في البنتاغون عن المخاطر الصحية الخطيرة الناجمة عن استخدام اليورانيوم المنضب لدى اصابة هذه الاسلحة اهدافها المرسومة لها.
وقد دعمت مصادر رسمية في البنتاغون رفعت بخصوص هذا السلاح وجهة النظر هذه المتمثلة بخطورة استخدام هذه الاسلحة، وأكدت بان آلاف الجنود الامريكان ليس بالضرورة قد تعرضوا الى الاصابة بآثار هذه الاسلحة في حرب الخليج بالاضافة الى وجهة النظر القائلة، ان هؤلاء المتعرضين لم يحصلوا على عناية صحية كافية. اما في العراق، فقد اكد العديد من الاطباء بعد اجراء التشخيصات الصحية السريرية التي قاموا باجرائها، تعرض العديد من الاشخاص الى حالات مرضية – سرطانية اغلبها- رافقت التعرض الى هذه الاشعاعات الناجمة عن هذه الاسلحة.
في الحقيقة، ان اية زيادة في المشاكل الصحية في العراق قد تكون لها اسبابها العديدة، لكن الذي حصل في حرب الخليج والذي كانت ساحات معاركها مسرحاً في استخدام الاسلحة الكيميائية السامة، قد ادت الى زيادة وتعقيد هذه المشاكل بعد تعرض هذه المنطقة الى استخدام اليورانيوم المنضب والذي قال العديد من الاطباء الامريكان والعراقيين، انه احد اخطر الاسلحة تلويثاً.
وقد أكد بعض العلماء الغربيين الذين قاموا باجراء فحوصات على هذا السلاح، بأنه احد العوامل التي كانت خلف ظهور اعراض مرض حرب الخليج، حيث كشفت الدراسات التي اجريت بهذا الخصوص، ان نسبة 1- 7 جندي امريكي معرضون للاصابة بالاشعاع الذي تخلفه هذه الاسلحة.
ان تصميم الجيش الامريكي على استخدام هذا النوع من السلاح جاء في بداية عقد السبعينات لمواجهة الدبابات الروسية نوع T. 72 اذ تقوم هذه الاطلاقة باصابة هدفها ثم خرقه وحرقه.
لقد قامت القوات الامريكية وحلفائها البريطانيين بالقاء ما يقارب 320 طن من اليورانيوم المنضب فوق الصحراء الكويتية وجنوب العراق، حيث ما يزال العديد من آثارها موجوداً في هذه المناطق، ويتضح ان وجودها غير آمن. وقد سجلت اجهزة الكشف الاشعاعي التي مرت عبر هذه المناطق وفوق مساحات من ميدان المعارك، ارتفاعاً في نسبة الاشعاع وصلت الى 35 مرة من الاشعاع الاعتيادي.
ومتى ما تمت السيطرة ومعالجة اليورانيوم المنضب، فان  مخاطره ستكون محدودة جداً. اما اذا ما احترق واختلط مع غبار التراب وارتفع في الجو بفعل احتراق الدبابة او الدرع وانتقال الدخان الى مسافات بعيدة جدا في الصحراء، وبفعل الرياح، فأن استنشاقه يصبح اكثر خطورة لكونه مادة اشعاعية وسمية. هذا ما أكد عليه بعض الخبراء.
ووفقاً الى التقارير الواردة من العراق والكويت والولايات المتحدة، فأن سلسلة من البحوث كشفت عن التأثيرات بعيدة المدى لهذا السلاح الخطير. واذا كانت هناك علاقة بين المعاناة الانسانية وهذا السلاح، فان استخداماته المستقبلية بان ساحات المعارك ستبقى ملوثة لمدة ربع مليون سنة، وهو الرقم المقرون بعمر النظام الشمسي حيث يبقى هذا السلاح، السلاح الاخطر في العالم.
في وسط الصحراء الكويتية، لا احد يبالي بأية مخاطر اشعاعية، حيث يبدو الجنود الامريكان بانهم متفقون على شيء واحد، وهو انهم يشعرون بأمان في المعركة، لأن غرف الرمي في دباباتهم ومدرعاتهم مزودة باطلاقات اليورانيوم المنضب. انها الاطلاقة المفضلة لدينا، هذا ما قاله احدهم التي واجهت الدبابات العراقية خلال احدى المعارك.
ان القدرة التي تتمتع بها هذه الاطلاقة في خرق الاجسام المدرعة والمصنوعة من مواد مشعة، اصبحت واضحة عندما استخدمت لاول مرة في احدى معارك حرب الخليج عام 1991، حيث تم تدمير ما مجموعة اربعة الاف دبابة وعجلة مدرعة.
ويقول احد الجنود الامريكان الذي ينتسب الى احدى الفرق المدرعة بان – هذا السلاح هو الافضل على الاطلاق، وله امكانية عالية في دحر اي منظومة مدرعة على الارض – انه فعلاً سلاح دقيق للغاية، انه سلاح ذو فعالية كبيرة للسيطرة على منطقة القتال.
اما البحرية الامريكية، فلديها رأي مختلف تماماً، حيث سلطت الضوء على مادة اخرى ثقيلة تدعى تانكستن Tungsten، وهي عنصر فلزي يستخدم لتقوية الفولاذ. وهذا يعني انه سلاح سُمي اكثر منه اشعاعي، وبعد تجربة البحرية باستخدام اليورانيوم المنضب في مدافعها، ونتيجة للتقييم غير الجيد، قررت الانتقال الى استخدام الـ تانكستن، حيث ثبت بالدليل ان هذا السلاح له امكانية خرق وذا فعالية تأثيرية كبيرة جداً، علاوة على التخلص من المعضلات البيئية التي ترافق اليورانيوم المنضب.
وقد صرح الناطق باسم البحرية – ان الاسباب الاولية للانتقال الى هذا السلاح وترك اليورانيوم المنضب، هو مميزات الاداء المسيطرة لهذا السلاح، فقد كشفت الاختبارات التي جرت عام 1990، ان سلاح الـ تانكستن مناسب جداً لمتطلبات البحرية الخاصة.
ومن الاختلافات الرئيسية بينه وبين اليورانيوم المنضب، فان اطلاقات اليورانيوم تتميز بحفر ذاتي للاجسام المدرعة، بينما اطلاقات التانكستن لا تحتاج الى تنظيف، اما بالنسبة الى اليورانيوم المنضب فعلى النقيض بالكامل.
لقد بينت الوثائق العسكرية للجيش الامريكي بان ستة دبابات امريكية نوع برادلي قد دفنت في الاراضي السعودية خلال حرب الخليج بعد ان ثبت تلوثها باليورانيوم المنضب، بينما حوالي 16 دبابة اخرى قد وضعت في حاويات حديدية للحد من انتشار تلوثها.
الادهى من ذلك، احد الجنود الامريكان المتطوعين للقتال في حرب الخليج كان حذاؤه العسكري يحمل جزيئات من ذرات التراب الملوثة باليورانيوم المنضب. هذا المتطوع كان يعمل في سرية التموين والخدمات 144 في منطقة نيوجرسي والتي تقوم بتهيئة الدبابات والعجلات القتالية حيث اصيبت هذه السرية بنيران صديقة عن طريق الخطأ، اذ قامت احدى وحدات الجيش الامريكي باطلاق اطلاقات مزودة باليورانيوم المنضب على هذه السرية ظناً منها انها دبابات عراقية متتالية.
وبعد اسابيع من هذا الخطأ الميداني بدأت المفارز الخاصة بتصليح هذه الدبابات بالعمل في مواقع خلفية داخل عمق الاراضي السعودية، حيث قامت عناصر هذه المفارز بالدخول الى هذه الدبابات باعادة تصليحها حيث كانوا يتناولون غذائهم فوقها وينامون بجانبها. وعند الكشف عليها من قبل الفرق المختصة ممن يرتدون بدل تشبه بدل رواد الفضاء حاملين اجهزة كشف اشعاعية، وحال بدأ احدهم تقدمه من الدبابات بوضع اجهزته فوقها، اصيب بالذهول بسبب ما تحمله من نسبة عالية من التلوث، وكانت الدهشة على اشدها حيث جعلت احذية المشرفين على تصليحها هي الاخرى ترسل اشارات التلوث، وجعلت اجهزة الكشف تحدث اصواتاً، وبعد ايام تسلم العاملون في ورشة التصليح كتاباً رسمياً يؤكد فيه تعرضهم الى الاصابة باشعة اليورانيوم المنضب، وفوراً سعوا جاهدين للحصول على تعويض حكومي بسبب الاصابة بهذا الاشعاع.
لقد فرضت قوانين عسكرية صارمة تسيطرعلى كل مجال من مجالات استخدام اليورانيوم المنضب وتوثيقه، فالبنتاغون من جهته، وبعد ان كشفت تقارير معتمدة الخط الرئيسي لهذه الاسلحة وتأثيرها على الانسان والبيئة، وجه تعليمات صارمة الى لجنة تنظيم الاسلحة النووية، يطلب فيها لبس اقنعة وبدلات واقية عندما يتم التعامل مع التلوث باليورانيوم المنضب.
وطبقاً للمعلومات التي حصلت عليها جريدة الكريستيان ساينس مونتير، فان التهديد الخطير يتمثل بالتدريبات العسكرية على هذا السلاح والرمي الحي المفتوح، لذا يمكن ان نطلق على ساحات المعركة الواسعة بانها ساحات اختبار حية، وان أية منطقة تصاب بهذا السلاح تصبح ملوثة ولا يمكن ازالة التلوث منها.
ان كلفة ازالة بقايا اليورانيوم المنضب في الخليج ستكون عالية جداً، حيث بلغت قائمة الاسعار المقترحة لازالة حوالي 152.000 باوند من اليورانيوم المنضب وبفترة قصيرة بـ 5 بليون دولار.
وقد صرح أحد محللي الاستخبارات العسكرية الامريكان- ليس بمقدوزر الحكومة ان تقول الحقيقة بخصوص موضوع اليورانيوم المنضب. كما قال ايضاً – ان هذا السلاح يشكل معضلة للجيش الامريكي عندما يحفظ مع معدات عسكرية اخرى.
وفي عام 1998، ذكر Rostker – بان الفشل في تحذير القطاعات العسكرية من مخاطر هذا السلاح نجم عنه اصابات عديدة، وان هؤلاء الذين تعرضوا له قد لا تظهر عليهم تأثيرات طبية قابلة للكشف.
ويقدر عدد هؤلاء الذين تعرضوا لليورانيوم المنضب بالآلاف من الجنود حيث كان صعود هؤلاء الجنود على الدبابات العراقية المدمرة لأخذ الصور التذكارية عاملاً رئيسياً من عوامل الاصابة بالامراض السرطانية.
ان حماية الجنود من اليورانيوم المنضب يمكن ان تضعهم في مخاطر خلال الحرب، حيث ان لبس اقنعة الوقاية من الغازات السامة والبدلات الخاصة قد تؤدي الى تلف الرؤيا عند اغلبهم، ويسعى المسؤولون الامريكان بأن تكون الغاية الحالية، هي ان يبقى الجنود بعيداً عن الاصابة قدر الامكان.
قد يترتب على نشر اليورانيوم المنضب على نحو اعتباطي في ميادين المعارك آثار صحية بالغة الخطورة للصديق والعدو على السواء، وقد كانت القوات الامريكية حلال حرب الخليج لا تعرف مخاطر استخدام اليورانيوم في ساحات القتال، وكانت النتيجة ان آلاف الجنود قد تماسوا مع معدات عسكرية اصيبت باطلاقات اليورانيوم، وما زال البنتاغون يرفض بحث مخاطر أسلحة اليورانيوم المنضب، وان فعل فعلينا ان لا نتوقع من ابحاثه الا التقليل من اهمية الاثار الصحية والبيئية الناشئة من اسلحة اليورانيوم المنضب.
•    ان سلاح الجو الامريكي استخدم زهاء مليون قذيفة وطلقة من اليورانيوم المنضب في عاصفة الصحراء، لادركنا مدى التلوث الاشعاعي في جنوب العراق وشمال الكويت وشمال شرق السعودية.
•    استناداً الى وثائق الجيش الامريكي فان 14.000 قذيفة من العيار الكبير قد اطلقت في الحرب ضد العراق، وطبقاً لتقديرات هيئة الطاقة الذرية البريطانية، فان حوالي 40 طناً من تلك القذائف بعيارات مختلفة قد تناثرت في منطقة الحدود بين العراق والكويت والسعودية، غير ان خبراء آخرين يفترضون ان هناك ما يقدر بحوالي 300 طن من تلك القذائف متروكة في اراضي هذه البلدان، حيث ذكر البدو المتواجدون قرب ساحات المعارك في الكويت والتي استخدمتها القوات الامريكية لاغراض التدريب، ان مئات الابل والاغنام والطيور قد ماتت في الصحراء، وبينت نتائج الفحوصات التي قام بها احد الاطباء البيطريين الامريكان والمتخصص بالامراض المعدية، ان موت تلك الحيوانات لم يكن بسبب رصاص البنادق او امراض الحيوانات المعروفة لحد الآن، كانت بعض الجثث مغطاة بحشرات ماتت بدورها.

* المصدر-
Scott Peterson- The Trail of a Bullet, The CHRISTIAn SCIENCE MONITOR, 29, 30, April/ 1999.

[email protected]