23 ديسمبر، 2024 1:34 ص

“الاستخارة” تحدد مصير الفتيات

“الاستخارة” تحدد مصير الفتيات

سادت في الآونة الأخيرة شروط تعجيزيّة في انعقاد عقد الزواج، وأصبحت هناك الكثير من العوائق التي تجعل الرجال عازفين عن إنشاء هذه العلاقة، حيث كُثرت حالات العنوسة بين أوساط النساء، أن ذلك يحدث لتفشّي العوز والبطالة وذهاب الشباب إلى جبهات الموت في العراق وخارجه، بينما نحن بذلك الوضع يخرج إلينا (بعبعٌ) جديد الا وهو: الاستخارة.. حيث يأتي الشاب ويبعث بأهله إلى من يرغب الارتباط بها، ليدلون الأهل بدلوهم على عائلة الفتاة المراد خطوبتها، كما يسري في العرف المعتاد عليه.. فسوف يكون ردّ عائلة الفتاة على وجه التقدير والاحترام بأننا سوف نعطيكم الجواب خلال فترة وجيزة، بعدها يقوم أهل الفتاة بالسؤال والاستفسار عن حالة الرجل الاجتماعية والماديّة والنفسيّة ويبحثون عن علاقته بأقرانه، ويتوصّلون لهم من خلال البحث.
لنعتبر أن هناك نتائج إيجابية لهذا التقصي والتحري الذي قام به أهل الفتاة، ثم ينتظرون قليلاً لصدور القرار بالموافقة على هذه الزيجة من قبل الأم أو الأخت الكبرى أو العمّة أو الخالة بعد أخذ الاستخارة من الله… حسب ما يدّعون بذلك.
تتم هذه العملية من خلال طريقين:
-الطريق الأول: هو الاستعانه بالقرآن الكريم.. كتاب الله المنزّل من السماء.
-الطريق الثاني: من خلال ( الكشّاف ) أو ( الكشّافة ) أو ببعض خرز من مسبحة ما.
بواسطة ذلك يتضح لنا ان القرآن الكريم جاء بأحكام معروفة وغير قابلة للتأويل والتحريف.. حيث قال الله في محكم كتابه العزيز (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً )) ذلك يُبيّن أن الله أسمى وأزكى من أن يُستخار في موضوع قد اعطي الحل له مسبقاً بموجب كلام منزّل، مصدّق، ومثبّت، يعرفه كلّ مسلم ومسلمة. هذا من جانب.. ومن جانب آخر جاء المشرّع العراقيّ في موضوع الخطبة والزواج الذي تبناه قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ النافذ بالمادة (١) (( أن الزواج هو عقدٌ بين رجل وإمرأة تحل له شرعاً، غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل )) كما جاءت المادة (٤) من القانون ذاته (( ينعقد الزواج بأيجاب من أحد العاقدين وقبول من الآخر )) يتضح من خلال ذلك أن الله تعالى قد شرّع وأسس لقيام العلاقات الزوجية التي تجعل من المرأة والرجل شخصاً مستقلا واحداً في كثير من جوانب حياتهما حيث يتحملان الأعباء والضغوط ويحزنان معاً ويفرحان معاً ويكوّنا لنا أسرة باتحادهما الخارج عن إرادتنا.
تعتبر العادات التي وجِدت مؤخراً في مجتمعاتنا ومنها الاستخارة والكشف عن نصيب المرأة أو الرجل لا يوجد لها سندٌ شرعيّ أو قانونيّ يبيح لنا العمل بها والسير بنتائجها، حيث إننا نعتبر أن هذه العادات والأفعال دخيلة علينا من خلال زرع الأفكار الشاذة في صفوف ابنائنا من الشباب والفتيات من قبل ‘تجّار الدين’ الذين يصدّروا لنا هذه السموم من أجل تذويب عقولنا، وكذلك من قبل البعض الذين يتصيّدون في الماء العكر، المتبلورون في السلبيات؛ ليصبحوا سلباً علينا، ويشيّدوا فكراً جديداً يعيق تقدمنا إلى الأمام، فحذارِ من كل هذه الأفكار والمعطيات التي ذُكرت.
حاشى لله أن يقيّد مصير فتاة ويعلّقه ببدعة قد صنعها البشر الغير واعي واتّخذها شمّاعةً له، إن الله تعالى لا يرضى بهذه الأفعال التي تشبه في العصور السابقة حالات قتل البنت لمّا تنجبها أمها، حيث استذكرها الله في كتابه العزيز بقوله ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)).
من خلال النص القرآني يتضح لنا ما هو مدى الشبه بين الأمس واليوم، فأن قتل الموؤودة (الطفلة) بعد أن تنجبها أمها لهو أشبه بقتل فتاةٍ وهي على قيد الحياة، في تقرير مصيرها بموجب بدعة (استخارة) ومنعها من زيجة تليق بها وباسمها وبعائلتها، من قبل أناس لا يفقهون من حياتهم شيء ولا يعرفوا معنى الألم الذي يحيط بالبنت والشاب.
أنّ المشرّع العراقيّ قد وضّح في النصوص التي سبق ذكرها آنفاً، أن القانون هو الذي ينظم مسيرة انعقاد عقد الزواج حتى بدون تدخل الأهل إذا أكملت البنت سنّ الثامنة عشر من عمرها وأصبحت كاملة الأهلّية، لكن رجوعاً إلى ان العرف هو مصدر من مصادر القانون العراقيّ فيتوجب على الرجل أن يحضر أهله وذويه إلى أهل المرأة المراد الزواج منها، وهذا يعتبر جانب إيجابي من أجل مدَّ جسور العلاقات بين العوائل في بلدنا وفتح آفاق التواصل بين أهل الخطيبين. هنا قد ضمن قانون الأحوال الشخصيّة النافذ حقوق الزوجة على زوجها وحقوق الزوج على زوجته بموجب النصوص المذكورة فيه… لكلَّ ما تقدّم نشدُّ على يد الأم والأب في الحفاظ على بنتهما أو ابنهما والحرص عليهما من المكروه في هذا الزمن المبهم الذي خلط لنا الصالح والطالح معاً، وندعوهما إلى الاتفاق مع الشريكين بأختيار حياة أفضل، مبنيّة على أسس ومعطيات واضحة، صحيحة، تؤمّن لهما سبل العيش الكريم والحريّة والاستقرار.