لا يتوانى بعض المثقفين والسياسيين العرب واشباههم بتشويه حقيقة الشعب الكوردي في سوريا, وانكار حقوقهم القومية, واتهام الاحزاب والقوى السياسية الكوردية بالاستثمار في ساحة الأزمة السورية من اجل تطبيق اجندتها الخاصة, وتسمية الكورد بالانفصاليين, ووصفهم احيانا بالمهاجرين, فنلاحظ بين فترة وأخرى ظهور احدهم ليطرح ما هو منافي للحقائق والوقائع والتاريخ, مستشهدا بالتحريف الذي طال الوجود الكوردي عبر التاريخ, من خلال ما تم تدوينه في سجلات الانظمة الديكتاتورية التي حكمت ارض كوردستان عبر السنوات الماضية, علما ان معظم المؤرخين اثبتوا ملكية الكورد لمناطقهم وتواجدهم في تلك المناطق منذ اكثر من ثلاثة آلاف عام, وكل ذلك بغرض تشتيت الشارع الكوردي وشغلهم بامور ثانوية لا تخدم القضية القومية الكوردية, وبالتالي خلق الفتن وادامة الصراع المحتدم بين الكورد والمغتصبين لارضهم وحقوقهم.
إن المطالبة الكوردية بالفيدرالية في سوريا ما هو الا جزأ من حقوقهم المغتصبة على مدى عقود من الزمن, ولكن حتى هذا المطلب قابله البعض في المعارضة السورية والنظام معا بالتهجم والانتقاد عبر تشويه المصطلح السياسي للفيدرالية وتفسيرهم له بانه تجزأة لسوريا, وبالتالي اثارة الشعور العربي الشعبوي للاطاحة بالمشروع الكوردي, حتى انه ولاول مرة تلتقي فيها مصالح الطرفين المتناقضين والمتصارعين على السلطة في سوريا.
وإذا اعتبرنا بان النظام ليس في عرفه وحساباته مسائل الحقوق والأخلاق والقيم والهوية, إلا بما يتوافق ومصلحته في البقاء على سدة الحكم, فماذا اذا عن المعارضة السياسية التي هي بامس الحاجة الى كسب ثقة الحركة السياسية الكوردية في الاستحقاقات السورية المحتملة في الفترة المقبلة.
ولأن هؤلاء المعارضون اصطدموا بضعف موقفهم و ضحالة انتقاداتهم وتهجمهم على الطرح الكوردي, ولكسب الكورد الى جانبهم في اي استحقاق مستقبلي محتمل, اعلنوا عن قبولهم بالنظام الفيدرالي وترحيبهم به, ولكنهم ابتدعوا بافكارهم الشوفينية, واقترحوا مفاهيم سياسية وادارية جديدة للفيدرالية تناسب مقاساتهم الشوفينية وولائاتهم الدولية, فمنهم من طرح مفهوم الفيدرالية الثقافية ومنهم من دعا الى اجراء الانتخابات بموجب الواقع الديموغرافي الراهن, وكلنا نعلم كيف اصبح الواقع الديموغرافي للمنطقة الكردستانية في سوريا بعد عملية توطين سكان واهالي الغوطة فيها وبعد الهجمة التركية البربرية واحتلال عفرين وسري كانية وكري سبي وتهجير السكان الاصليين لتلك المناطق وتوطين عوائل عربية فيها, وكل ذلك لم يكن الا مناورة سياسية للتشويش على الطرح الكوردي الاكثر واقعية ومنطقية للواقع السوري بالوانه المختلفة.
لقد خذلت المعارضة السياسية السورية الشعب السوري بشكل عام, والكوردي بشكل خاص, من خلال تبعية قرارها لاطراف اقليمية ودولية متعددة, وبالتالي باتت الساحة السورية مسرحا لعروض مسرحية هزلية لقوى دولية متعددة, لم تكن غايتها سوى استعراض قوتها العسكرية وتصفية بعض الحسابات العالقة, وتهديد حياة السوريين وبيعهم في اسواق النخاسة.
لما سبق كله, إذا أرادت القوى والاحزاب السياسية الكوردية المتحاورة, ان لا يكونوا جزء” من اللعبة والعرض المسرحي الهزيل, ومجرد مطية لغيرهم اورقم صغير في سجل الاحداث, ولاحقاق شرعية مطلبهم القومي, وحتى يكون حضورهم محترم وصوتهم مسموع وشخصيتهم قوية على طاولة الحوار في قادم الأيام, والمناسبات, والاستحقاقات, فانه يترتب عليهم تجاوز خلافاتهم الجانبية الحزبية واعتراف كل طرف بوجود الآخر, وان يشكلوا على الارض كتلة سياسية موحدة غير مجزأة وغير تابعة لاي جهة محلية او اقليمية او دولية, حيث بات ذلك من ضرورات المرحلة الراهنة.
كما انه على الاحزاب السياسية الكوردية المتحاورة ان تعي بانه اي اطاحة بمشروع وحدة الخطاب والقرار السياسي الكوردي, سوف يعني انهاء الوجود السياسي الكوردي على الخارطة السياسية السورية, وان المتحاوريين انفسهم سيتحملون وزر ذلك وتبعاته, وستلعنهم الاجيال الحاضرة والقادمة على خيانتهم لطموحات الشعب الكوردي, وهدر الفرصة التاريخية المواتية في ظل الظروف الدولية الراهنة.
هولندا/آيندهوفن 06-06-2020م