22 نوفمبر، 2024 6:25 ص
Search
Close this search box.

الاستحقاقات الانتخابية في مشهد 2018 السياسي

الاستحقاقات الانتخابية في مشهد 2018 السياسي

اذا كان عام 2017 قد شهد في صفحاته الاخيرة اعلان الانتصار النهائي والشامل على تنظيم داعش الارهابي، فأن عام 2018 شهد منذ بداياته الاولى حراكا سياسيا مقلقا ومضطربا نوعا ما، بشأن الاستحقاقات الانتخابية المقررة في منتصف شهر ايار-مايوم المقبل.

وطبيعي ان اجراء الانتخابات في موعدها المقرر، يعني في جانب منه التزاما بالدستور والحؤول دون ادخال البلاد في دوامة الخيارات السياسية السيئة، وفي جانب اخر منه يعني تتويجا سياسيا للانتصارات العسكرية والامنية المتحققة على تنظيم داعش.

ومثلما اقحمت الكثير من القضايا والملفات الخدمية والامنية والاقتصادية في متاهات وغياهب الاجندات السياسية الخاصة، الداخلية والخارجية، فأن الانتخابات البرلمانية المقبلة ليست استثناء من ذلك المنهج والتوجه، ولعل الاصوات التي ترتفع اليوم، مطالبة بالتأجيل، تأتي في هذا السياق، وان كانت بعض الحجج والمبررات المطروحة قابلة للبحث والنقاش.

في الواقع، هناك فريقين يتبنيان اتجاهين متعارضين بالكامل، فريق يذهب بأتجاه اجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وهذا الاتجاه، تمثله في الاطار العام، مكونات التحالف الوطني العراقي(الكتلة البرلمانية الاكبر)، وقوى سياسية اخرى خارجه، وتدعمه المرجعية الدينية في النجف الاشرف، فضلا عن ذلك، فأن الحكومة الاتحادية، تؤكد ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها، والمفوضية العليا المستقلة تؤكد استعدادها لذلك.

ويطرح هذا الفريق بمكوناته المختلفة، حججا ومسوغات تبدو منطقية ومعقولة الى حد كبير، من قبيل:

-عدم وجود نص دستوري يجوز تعطيل الانتخابات ولو ليوم واحد، بأعتبار ان اي تأخير يمكن ان يدخل البلاد في فراغ دستوري، ويسلب الشرعية من السلطتين التشريعية والتنفيذية على السواء.

-ان تحقيق الانتصار الشامل على تنظيم داعش الارهابي، دفع الكثير من المخاطر عن البلاد، وخفف الضغوط عن الحكومة، ورفع مستوى الامن بالنسبة للجمهور، وهو ما يتيح الانطلاق للعمل بفعالية وديناميكية كبيرة على الملفات السياسية والاقتصادية والخدمية المختلفة، ولعل الانتخابات البرلمانية المقبلة، تعد واحدة من ابرز واهم تلك الملفات.

-هناك مؤشرات مشجعة على عودة اعداد لايستهان بها من النازحين الى مناطقهم ومدنهم التي تركوها جراء سيطرة تنظيم داعش عليها، اذ اكدت وزارة الهجرة والمهجرين قبل عدة ايام، ان احصائياتها تشير الى عودة حوالي 50% من النازحين الى مناطقهم، وان وتيرة العودة ستتزايد خلال الشهور القلائل المقبلة، ارتباطا بتحسن الاوضاع الامنية، وتوفير المزيد من الخدمات، وانطلاق مشاريع اعادة اعمار المناطق المحررة.

-اذا كانت هناك احتقانات وتشنجات وتقاطعات سياسية بين مختلف الفرقاء، فأن تعطيل وتأخير الانتخابات لن يفضي الى احتوائها ومعالجتها، بل على العكس من ذلك، ربما يتسبب في تفاقهما واتساع مدياتها ومستوياتها.

وفي الجانب الاخر فأن الفريق المطالب بأرجاء الانتخابات، يتمثل بطيف واسع من القوى والاحزاب الممثلة للمكون السني، الذي يتمركز ثقله الجماهيري الكبير في المحافظات والمدن التي استبيحت من قبل تنظيم داعش قبل ثلاثة اعوام ونصف، وقبلها كانت جماعات تنظيم القاعدة تتحرك وتنشط فيها بحرية.

وتتذرع تلك القوى، وهي تصر على تأجيل الانتخابات، بالعدد الهائل للنازحين، الذي لم يعودوا الى مناطقهم، والدمار الكبير الذي تعرضت له تلك المناطق جراء الحرب على داعش، بعبارة اخرى، ان تلك القوى، تقول، بأنه من غير المنطقي دعوة الناس المشردين والمحرومين من ابسط سبل العيش الكريم الى الانتخابات.

تبدو مثل تلك الذرائع والحجج مقبولة ومعقولة في ظاهرها، بيد ان الوجه الاخر لها، يكشف حقيقة ان الذين يطالبون بالتأجيل، هم من فقدوا كل قواعدهم الجماهيرية، لانهم خذلوها في اوقات الشدة، واختاروا الراحة والدعة والامان في بغداد وعمّان واسطنبول ودبي وبيروت والقاهرة واربيل وغيرها، وحتى الذين رفعوا مظلومية مدنهم وجماهيرهم، بدا انهم يبحثون عن مكاسب وامتيازات، من خلال مزايدات سياسية مفضوحة مع خصومهم ومنافسيهم.

ويشبه البعض اجواء رفض اجراء الانتخابات في موعدها المقرر من قبل جملة من القوى والكيانات السياسية، بأجواء رفض مشروع الدستور الدائم في عام 2005، حيث كانت الضغوط الخارجية، الاقليمية والدولية، هي التي توجه بوصلة المواقف والاتجاهات الرافضة.

وثمة تحركات اميركية مدعومة بتحركات دولية واقليمية لتأجيل الانتخابات، وهناك وسائل اعلام-قنوات فضائية وصحف ومواقع الكترونية-تروج لهذا الاتجاه.

فالضخ-والتضخيم-الاعلامي المتواصل لمعاناة النازحين، وبث المخاوف والهواجس من استفحال نفوذ الحشد الشعبي-او ما تطلق عليه الدوائر الخارجية الميليشيات المدعومة من ايران-يؤكد بما لايقبل الشك حقيقة الاجندات السياسية الخارجية الساعية الى تعويق العملية السياسية، من خلال ادخال الانتخابات في نفق مظلم، ليصار فيما بعد الى القفز على الدستور وتجاوزه بطريقة او بأخرى.

ومن المهم ادراك حقيقة ان تعطيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، يعني فتح الابواب على مصاريعها لعودة الارهاب والاضطرابات بمسميات وعناوين اخرى، وبالتالي تبديد كل المكاسب والانجازات التي تحققت بفضل كم كبير من التضحيات.

وبقدر ما توجد اطراف تحرص على وضع العراق على السكة الصحيحة، وتجنيبه المنزلقات الخطيرة، هناك اطراف تسعى بكل ما اوتيت من قدرات وامكانيات لدفعه الى دوامة الفوضى، وفي خضم هذه الاتجاهات المتضاربة، فأن الاستحقاقات الانتخابية ستلقى بظلالها على عموم مشهد عام 2018 السياسي في العراق، فمن الان بدأت تفاعلات تشكيل التحالفات والائتلافات الانتخابية، وفيما بعد ستنطلق الحملات الانتخابية بوتيرة اسرع واوضح، وان كان بصورة غير رسمية، وبعد ذلك يبدأ حراك من نوع اخر يستتبع الانتخابات، من اجل تشكيل الحكومة الجديدة.

وفي كل الاحوال، فأن مجمل القراءات تذهب الى ان الانتخابات ستجرى في العام الحالي، وربما تتأخر لشهور قلائل، لتفويت الفرصة على دعاة التأجيل والتسويف، وهذا يعني ان الاستحقاقات الانتخابية ستلقي بظلالها على عموم المشهد السياسي لعام 2018، وتجعله عاما انتخابيا بأمتياز، مثلما كان عام 2017 عام مواجهة داعش والانتصار عليه.

أحدث المقالات