23 ديسمبر، 2024 12:00 م

الاستثمار في البشر مشروع ابي الاول

الاستثمار في البشر مشروع ابي الاول

أبي كان عظيما، لم يكن بطل عسكريا، قاد الجيوش وحقق الانتصارات، ولم يكن زعيم قاد الشعوب وفجر الثورات، بل كان إنسان بسيط بكل ما تحمله البساطة من معنى، ورجل طيبا بكل ما تحمله الطيبة من قيم وأخلاق، أراد أن يكون مربيا للأجيال فحقق ما يريد وأصبح معلم.
رغم كل الظروف الصعبة، ورغم السنوات العجاف التي عاشها، لم يكن يوم يعير اهتماما كبيرا للمال والتجارة والبيع والشراء، فلم يكن يخطط لامتلاك القصور أو الأراضي أو جمع الذهب والملايين.
عاش فقيرا، وبقى فقيرا، وبالفقر قد تفقد أشياء كثيرة، لكن بالتأكيد من المهم أن لا يفقدك الفقر عزتك وكرامتك، وهو كان من هذا الصنف، كان فقير لكنه عزيزا وكريما.
وضع لحياته هدف، وسعى جاهدا لتحقيقه، كان هدف ستراتيجيا وبعيد المدى، لكنه كان متعب ويحتاج الكثير من العمل والجهد والصبر والتفاني، هدفه باختصار انه أراد أن يستثمر، لكن استثماره كان من نوع خاص، فهو أراد الاستثمار في البشر.
نعم، فقد كرس كل حياته لأبنائه، أنا وإخوتي الثلاثة، لم يفكر إلا في كيفية أن يكونوا أبناء ناجحين، ناجحون في دراستهم، ناجحون وسط مجتمعهم، ناجحون في إدارة حياتهم وبناء أسرتهم، فكان حريص على نجاح مشروعه كل الحرص، ولم يكن قادر على مجرد التفكير بأنه قد يفشل في تحقيق أهدافه.
فكان كثيرا ما يخبرنا بأنه يتمنى أن نكون أفضل منه، وان نحقق ما لم يحققه هو.
لكنني اليوم ونحن نعيش ذكرى مرور أربعين يوم على فقدانه ورحيله عنا، امسك بتراب قبره، واهمس في ذراته، لأقول له يا أبتي كم أتمنى أن أكون مثلك، وان أصل لما وصلت إليه، وان أحقق ما حققته.