22 ديسمبر، 2024 5:09 م

الاستبداد الحميدي

الاستبداد الحميدي

كل مطّلع على التاريخ يعرف ماذا يعني مصطلح “المسألة الشرقية”، أو “الرجل المريض”، وبالرغم من الجهد العظيم الذي بذله العثمانيون الأوائل في تشييد إمبراطوريتهم الممتدة على ثلاث قارات، لم يمنح القدر “الدولة العليّة العثمانية” الشباب لتستمر، فقد هرمت قبل أوانها، وأضحت منذ القرن السابع عشر مفككة واهنة، تنام على أمجاد محمد الفاتح وسليمان القانوني. وأكثر ما يثير الدهشة أنها استمرت دولة قائمة بحماية الأوربيين، أعداؤها الأبديين، وكان ميزان الصراع بين فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا هو الباعث على بقاء أكبر دولة إسلامية، على قيد الحياة.
للتاريخ عبرة لابد من احترامها، ولابد من قراءته بكل انتباه، لأن مايحصل بالامس قد يحصل اليوم وغداً.
المهم، آخر السلاطين العثمانيين الفعليين كان عبد الحميد الثاني، هذا الذي وصل الى عرش السلطنة بدعاوى الاصلاح واصدار دستور جديد يساوي بين رعايا الدولة ويواكب التطور، نُصّب عبد الحميد بعد خلع عمه عبد العزيز وجنون أخيه مراد، وكان للإصلاحيين ما أرادوا، ولم تمض إلا سنة واحدة حتى ملأ السجون والمنافي بالمصلحين، ورمى خلف ظهره كل أفكار الإصلاح، وكان أول ضحاياه هو مدحت، ذلك السياسي المصلح الذي يتذكره تاريخ بغداد باحترام، والذي كان له الدور البارز في تنصيب عبد الحميد سلطاناً وخليفة.
حكم عبد الحميد أكثر من 30 عاماً كان فيها دائب الحركة والعمل بديناميكية على تنفيذ رؤيته في الإصلاح، وكان يقرأ تقارير الجواسيس يومياً، ويتدخل بكل صغيرة وكبيرة في عمل الحكومة، وأصدر قرارات مثيرة للجدل حدّد فيها حرية الإعلام ونشر المطبوعات، ورفض السماح بتمثيل المسرحيات التي تدور حبكتها حول الخيانة وقتل الملوك مثل “يوليوس قيصر، مكبث، الملك لير”. وحظر استعمال كلمات مثل “الفوضى، الحرية، الاضراب، الدستور”. لم ينجُ من بطش عبد الحميد مفكر أو عالم، وكان من أبرز ضحاياه عبد الرحمن الكواكبي، ذلك المفكر الذي وقف حياته على مقارعة الاستبداد الحميدي.
نحن بحاجة الى أن نقرأ التاريخ لا بوصفه كتاباً، ولكن بوصفه قصة الأمم، بعيداً عن التحيز والملل، فالتاريخ يعيد نفسه بأشكال مختلفة، متنوعة.. وتبقى الحاجة إلى ذهن ثاقب يسبر ما وراء الأحداث.