18 ديسمبر، 2024 3:13 م

الاستبداد الثقافي وأخواته

الاستبداد الثقافي وأخواته

انتشار ظواهر الفساد والتخريب داخل المؤسسات الثقافية، لإفراغها من محتواها وتعطيل دورها الريادي في نشر ثقافة الحداثة والدفاع عن قيم الحرية والتنوير.
لم تكتف أنظمة الاستبداد العربي بتكريس سلطتها، بل عملت على تعميم هذه الظاهرة على مؤسساتها الثقافية، بهدف جعل المجتمع يعتاد هذه الظاهرة، ولا يجد في استبدادها ما هو نافر.

رافق هذا النهج انتشار ظواهر الفساد والتخريب داخل المؤسسات الثقافية، لإفراغها من محتواها وتعطيل دورها الريادي في نشر ثقافة الحداثة والدفاع عن قيم الحرية والتنوير من خلال تحويلها إلى مؤسسات للارتزاق والدعاية والعلاقات العامة.

وهكذا نشأت طبقة طفيلية تتحكم في مؤسسات الثقافة وأنشطتها وتعمل على تكريس سلطتها من خلال توزيع المكاسب والامتيازات على شركائها وحاشيتها والقابلين للعب دور الكومبارس، لذلك لم يكن مستغربا أن ينفرد كاتب بإدارة هذه المؤسسة أو تلك مدة عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن، وأن يطبع كل شيء فيها بطابعه الخاص، وكأنه الأب الشرعي لها، بينما يقبل المثقفون والكتاب الآخرون لعب دور الأبناء الأوفياء له.

والحقيقة أن حاجة هذه الرموز التي هيمنت على هذه المؤسسات زمنا طويلا لم تقتصر على إدخال أنصاف المثقفين والكتاب إلى هذه المؤسسات بل تعدتها إلى ابتداع ظواهر وتسميات وظيفية جديدة، تسمح لها ولهم بتوزيع الامتيازات والمكاسب المادية، من هذه المسميات وظيفة الإشراف أو المراجعة أو المدير المسؤول، التي يتقاضى بموجبها أصحاب هذه الوظائف مبالغ مجزية تتجاوز كثيرا ما يتقاضونه من رواتب على وظيفتهم الأصلية في هذه المؤسسات.

المشكلة في هذه الوظائف لا تقتصر على المكاسب المادية التي يحصلون عليها، بل تكمن أيضا في كونها وظائف وهمية ليس هناك من يتابع عملها إن كان لها عمل أصلا، ولذلك لم يكن مستغربا أن تجد منشورات هذه الجهات أو تلك تحفل بالأخطاء اللغوية أو أخطاء الترجمة، في حين أن المكلفين بمراجعتها لم يكلفوا أنفسهم عناء القيام بأدوارهم احتراما لأسمائهم أولا، وثانيا احتراما للقيمة الثقافية والعلمية التي يتضمنها الكتاب، وأخيرا احتراما للقارئ.

قد يرى البعض أن هذه الظواهر انتهت مع انتهاء عمل من كرس هذه الظواهر، لكن الحقيقة أن الدولة العميقة -دولة الاستبداد- رغم ما تعرضت له من هزات عنيفة بعد الانتفاضات العربية لم تستطع أن تغير أساليبها ووسائل عملها القائمة على تحويل إدارة العمل الثقافي من مسؤولية إلى امتياز وأداة إفساد لأن ذلك يتهدد وجودها وسياساتها، لذلك ما زالت هذه الممارسات والظواهر قائمة، في محاولة لإعادة إنتاج الواقع السابق تحت مسميات وعمليات تغيير شكلية، دون أن تمس جوهر العمل الثقافي، ليظل المثقف الفلهوي والأجهزة الفلهوية يمارسان ألعابهما على حساب ثقافة التغيير والتجديد والحرية.
نقلا عن العرب