استباحت الساحة العراقية بعد السقوط كيانات تطلق على نفسها سياسية ، وذلك بسبب قيام النظام السابق بمعادات الاحزاب التقليدية العراقية ، ومحاولته تصفيتها وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، وان اغلب هذه الكيانات الجديدة لا تمتلك مدرسة فكرية او منهجية واضحة ولا فكر اقتصادي ، او حتى برنامج معلن ، ولو اخضعت بعضها لمعايير علم السياسة لما حصلت على عنوان حزب ذلك ان الاحزاب الحقيقية ، هي تنظيمات جماهيرية يحتويها تنظيم يوحد اهدافها ويحقق امالها ولها برنامج محدد وواضح وفكر اقتصادي محدد الهوية يعمل على تحقيقه عند استلامه السلطة ، قد اتسمت بعض هذه العناوين بالسطحية والا سياسية ، لان اسياسة هي علم ادارة الدولة ، وفن حل المشكلات ، فهل كانت هذه العناوين طيلة الفترة السابقة بمستوى هذا التعريف ؟ الجواب كلا ، والا لما استمرت هذه الازمات . وبعض هذه الكيانات كانت ولا زالت عناوين بلا محتوى ولا تملك قواعد حقيقية توصل بها الى السلطة ، وبسبب استلامها لهذه السلطة بمساعدة المحتل ، وللاسباب السابقة اصبحت هذه العناوين منتجة لازمات هذا البلد وتراوحت هذه الازمات بين الطاءفية والقبلية والعنصرية ، زد على ذلك الازمات الاقتصادية المستحكمة ، واسباب كل ذلك الجهل بمفهوم السياسة والعبث بالقوانين وتغليب الذات على الموضوع ، يقول العراقيون في مساجلاتهم على الدوام وفي تعليقاتهم ، هل تصدق ان تاتيك امريكا بمن يبني العراق، والحق يقال ان هذه المسلمة اتضحت انها صحيحة وفاعلة جدا. ولما كانت بعض هذه الاحزاب هي عناوين فقط او احزاب اشخاص ، لذا نراها تحولت بمرور الزمن وبسهولة الى احزاب تجارية ونفعية ، فبدلا من جعل الوزارة ديوان خدمة وانتاج واعمار ،
نراها حولت الى ضيعة تعود لهذا الحزب او ذاك الكيان بالمردود المالي الحرام ، ان الازمة المالية هي نتاج عمل هذه العناوين ، ولقد عبرت هذه العناوين عن مصالح فؤية ضييقة ، حيث تولى السلطة في العراق بعد السقوط ثلاث مجموعات ولكن بدرجات مختلفة ،وتضم المجموعة الاولى اللذين جاءوا مع الحتل ، وهم المجموعة التي تنتسب رسميا الى دواءر اجنبية لها مفهوم تقديم مصلحة تلك الدواءر على مصلحة بلدها واغلبهم يحمل الجنسيات الاجنبية ، اما المجموعة الثانية فاخذت تحكم بفعل التبعية الطاءفية والعشاءرية ،وهم بعض رجال الدين وبعض شيوخ العشاءر ، وهذه المجوعة جاءت في حاشية المجموعة الاولى ، وظلت هذه المجموعة يتراوح جهدها بين فلسفة وتبرير شكل الحكم القاءم وبين تشريع العمل الحكومي باعتباره ممثلا للعدل الديني المطلوب ، ولكن بالمقابل شهد العراق جهودا سلبية لشيوخ العشاءر وخاصة في الموصل والانبار ، حيث تم توجيه الناس نحو منزلقات خطيرة ومميتة ،كان نتيجتها استفحال الارهاب ، ونمو سرطاني للفكر الطاءفي وهذا عاملا مساعدا وبالمجان للازمات في هذا البلد الجريح اما المجموعة الثالثة فتمثلت بالاميين اللذين تسللوا الى الجهاز الاداري ومن غير حملة الشهادات العلمية ، واللذين ازاحوا في طريقهم الكفاءات العلمية او من الاداريين اصحاب الخبرة في ادارة المرافق الحكومية ، فقلبوا موازين الدولة وحولوا دواوينها الى ضياع عاءلية او طاءفية او عنصرية مما افقد هذه الداءرة او تلك عناوينها الادارية والوطنية . ناهيكم عن الفساد الذي استفحل في دواوين الدولة ومنشاتها ، والذي ادى هو الاخر بدوره في تعميق الازمة واخذها ابعاد طبقية جديدة ، اذ نتج عن ذلك بروز واستفحال دوامة الفقر والبون الاقتصادي بين الحكام والمحكوين ،مما تسبب في ولادة انقسامات جديدة هي الاخرى في المجتمع لتترك اثارها الجانبية المؤلمة والتي بدات مؤخرا تعبر عن نفسها على شكل تظاهرات مادتها الاساسية الطبقة الوسطى المزاحة والعاطلين عن العمل من شباب المدن والارياف . وقد كشفت الاحداث بعد السقوط ان الازمة العراقية هي ليست ازمة سببتها هذه العناوين لوحدها ، انما هي ازمة مجتمع كان بمثابة الحاضنة لمثل هذه الاحزاب ، بل جاءت من رحمه وهي تحمل كل تناقضاته ولكن وفق المنطق السليم لولادة الاحزاب ان تاتي هذه الاحزاب بصحة جييدة تحمل معها اسباب وملامح تغيير هذا المجتمع لا ان تظل راكضة وراء اخطاءه الموروثة وتعمل على تجسيدها انما تنقلب عليها بفعل عوامل التطور الطبيعي للعلم والتكنولوجيا وان تحوله الى مجتمع جديد ، والذي حصل هو ان هذه الاحزاب لم تك احزاب دولة بل على العكس حولت الدولة الى سلطة الحزب ومن هنا بدا التناقض في المنطق السياسي فبدلا من ان تفصل السلطة وفق مقياس الدولة تم العمل بعد السقوط الى تفصيل الدولة وفق مقياس السلطة ، اي تم شخصنة الدولة ، اي اصبحت دولة اشخاص او كيانات ،سادتي، الدولة وفق علم السياسة ، هي التمييز بين الحكام والمحكومين ، وهي الكيان المعنوي المستقل والمتمثل في الدستور والقوانين والقرارات والتعليمات والابنية وكل الممتلكات العامة المملوكة للجميع ، اما السلطة فهي ليست الدولة ، هي مجموعة الافراد التي تحرك الدولة وتعمل بموجب دستورها على تنفيذ القوانين والقرارات والتعليمات ،لغرض تحقيق النفع العام ، فالدولة لها شخصيتها القانونية المستقلة ، اما السلطة فهي شخصية سياسية ، الدولة باقية والسلطة متغييرة . الدولة هي الاصل اما السلطة فهي الفرع . الدولة تحكم باسم الشعب اما السلطة فهي تنفذ احكام الدولة ،السلطة اما ان تكون تشريعية او ان تكون تنفيذية اوسلطة قضاء ، والجميع هم اجزاء الدولة ،عليه فان السلطة هم مجموعة الاشخاص المنتدبين لخدمة الشعب من خلال وجود الدولة ، عليه فالعراق بعد كل هذه المقدمة يمر بعد بكل هذه الازمات نتيجة اخضاع الدولة الى السلطة بتعبير اخر ارادت جميع السلطات بعد السقوط تذويب الدولة او بالاحرى ابتلاعها ، والمجتمع العراقي اذا اراد ان يبني حياة جديدة عليه ان يدفع بالسياسيين للفصل بين السلطة والدولة ، لان السلطة قد تكون سلطة طاءفة او سلطة قومية او سلطة مذهب في حين ان الدولة هي دولة الكل، ما دامت تمسك بالدستور والقوانين النافذة ، فالشعور الجمعي تعبر عنه قوانين الدولة ، اما الشعور الفردي او الشخصي فتجده شاخصا في السلطة الغاشمة ، ومنذ تاسيس الدولة العاقية عام 1921 ،وصدور اول دستور عام 1925 والمدارس العراقية تحاول اخضاع الدولة ولم تك على الدوام تفصل بين سلطتها وبين الدولة لذا فقد كانت بشتى الوساءل تتمترس داخل اروقة الدولة للدفاع عن مصالحها وقد تحالفت مع العقليات العسكرية غير المهنية للتمسك بالسلطة رغما عن انف قوانين الدولة ، وظلت على هذا المنوال كل تلك المدارس تولد الازمات الواحدة تلو الاخرى ،
حتى بات العراق بلد الازمات ، وعملت هذه الازمات بدورها هي الاخرىالى عدم الانتباه الى الهوية الوطنية ، نتيجةتخندق هذه المدارس وراء المفهوم النقابي للعنصر اوالطاءفة ، مما نتج عنه احزاب قومية او احزاب دينية او احزاب اشخاص ذوي مصالح اقتصادية معروفة وظلت كل هذه الاحزاب باستثناء الحزب الشيوعي العراقي ، غير عابرة للفؤية الى الوطنية . احزاب جماعات لا احزاب وطن ، والقاعدة تقول ان اي مجتمع يتخطى العنصرية والطاءفية والمذهبية الى الهوية الواحدة ، هو المجتمع الوحيد القادر على بناء دولة ، وللخروج من الازمة الحالية قبل ان تتوطن وتولد ازمات اخرى يتعين الاخذ بالمقترحات التاليةاولا ، الانتقال من الهوية الضييقة الى الهوية الوطنية ، وذلك بان تقوم جميع الاحزاب والكتل القاءمة الى تبديل مناهجها وخطابتها ، وذلك بان تعقد مؤتمرات علنية تراجع بها سياساتها السابقة وتعلن البراءة من السلوكيات السابقةثانيا، تبني مناهج سياسية واضحة توضح فيه متبنياتها السياسية تجاه شكل النظام السياسي الذي تؤمن به للدولة العراقية الجديدةثالثا . تبني نهج اقتصادي وفكر عملي ،وبيان راي كل حزب او تكتل بمستقبل العراق الاقتصادي اهو بلد ياخذ بنظام اقتصاد السوق ، ام النظام القاءم على ملكية الدولة ، خاصة وان العراق لا يمتلك راسمالية وطنية فاعلة وان التوجه الراسمالي العراقي الى الخارج وان القوى العاملة العراقية بشكل عام مشاكسة وغير محبة للانتاج ، وان القطاع العام معطل ولاسباب مجهولة،رابعا ، مغادرة عقلية التمسك بالاخطاء وخاصة في السياسة المالية والعمل على مغادرة طريقة بيع العملة العشواءية، والعمل بطريقة فتح الاعتماد وتدقيق وصول السلع ،خامسا تفعيل دور وهيمة وزارة التخطيط ، والتوجيه بوضع وتنفيذ الخطط الخمسية وذلك للبناء في كافة مرافق الحياةسادسا . التوقف عن سياسة الاقتراض لان الاقتراض مقييد ومرتب فواءد ، وليكن الاقتراض للاغراص الانتاجية فقط ولان الانتاج وحده القادر على تسديد القروض.سابعا . الاسراع وبجدية لانتاج الكهرباء وبالشكل الذي يؤمن الطاقة للمعامل والمرافق الانتاجية الكبرى .ثامنا. البحث بجدية عن الاموال لدى الغير والاموال المسروقة واموال النظام السابق.تاسعا . التوقف عن البذخ في المصروفات العامة والعمل على اعادة توزيع القوى العاملة في قطاعات الدولة ، وتنشيط منشات وزارة الصناعة والتصنيع العسكري السابق. دعما للقوات المسلحة والحشد الشعبي في حربهما على الارهاب الداعشي البغيض.لكل ماتقدم وباختصار شديد ولمغادرة كل هذه الازمات ، نسلم مع الاخرين الداعين الى تشكيل حكومة من الفنيين المستقلين ،ومن اصحاب الكفاءات والخبرات ،ومن درجة وزير وصولا الى مدير قسم باستثاء المخلصين والمشهود لهم بالكفاءة وحسن الادارة العلمية الحديثة .