23 ديسمبر، 2024 10:04 ص

الازهر يكشف عن وجهه الحقيقي

الازهر يكشف عن وجهه الحقيقي

لم استغرب او اندهش من الموقف السلبي للدول الاقليمية ايران وتركيا ازاء الحق الديمقراطي المشروع الذي مارسه الشعب الكوردي لتقرير مصيره عبر الاستفتاء الذي جرى في الخامس والعشرين من الشهر الماضي ، وذلك لأن العملية تؤثر على اوضاعهم الداخلية بسبب الظلم والاضطهاد للذين يمارسانهما ضد الشعوب والقوميات والاقليات الدينية التي تعيش تحت مظلاتهم فضلا على عقلية الهيمنة والسلطة التي تعشش في عقول رجال السلطة في البلدين.
كما لم استغرب من مواقف الولايات المتحدة والدول الاوربية وغيرها من الاستفتاء لسعيها ضمان مصالحها المتداخلة في المنطقة التي تتبجح بالديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان وحرية التعبير عن الرأي واحيانا توحد مواقفها عبر مجلس الامن والامم المتحدة والمنظمات والمؤسسات الدولية المتعددة لفرض عقوبات على دول ونظم سياسية ، مدعية ان تلك النظم لا تتيح لشعوبها الفرصة لتعبر عن ارادتها بحرية عبر الوسائل الديمقراطية ، ولكن تلك الدول وقفت موقفا سلبيا من الحق الديمقراطي المشروع لشعب كوردستان لمجرد اجرائه استفتاء على تقرير مصيره ، بسبب مالاقاه من عمليات القمع والظلم والاضطهاد والابادة والقتل على يد النظم المهيمنة والمحتلة لأرضه وشعبه منذ ما يقرب من قرن من الزمن.
لكن ما استفزني لكتابة هذه السطور هو موقف جامعة الازهر من الاستفتاء الكوردي بوصفها احدى المؤسسات الدينية المعتبرة والرصينة التي لها مكانة خاصة في العالم الاسلامي، والتي كان ينبغي ان تقف الى جانب الحق والدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين والمستضعفين كما جاء في كتب جميع الاديان السماوية من دون استثناء.
الازهر اصدر بيانا بشأن الاستفتاء الكوردي مثلما املي عليه ، عادا اياه مخططا استعماريا لتقسيم الدول العربية والاسلامية على اسس طائفية وعرقية مؤكدا حرصه على وحدة الاراضي العراقية.
هذا الموقف والكلام البائس يذكرنا بكليشة جاهزة قرأناها وسمعناها منذ عشرينيات القرن الماضي والى اليوم في الادبيات السياسية للنظم الدكتاتورية والعنصرية والشوفينية العربية والاسلامية التي ما تزال تخنق كل صوت مناد للحرية ، لانها ترى من تلك الاصوات خطرا على بقائها متهمة اياها بتنفيذ مخططات استعمارية وتنفيذ اجندة دول داعمة لها ، كان الاجدر بالازهر بوصفه مؤسسة دينية حيادية وبعيدة عن التأثير والضغط السياسي كما يدعي هي ، اما اتخاذ الصمت حيال قضية الاستفتاء او عدم اتهام الشعب الكوردي بتنفيذ مخطط التقسيم ، لان علماء الازهر ادرى من غيرهم بأن الشعب الكوردي وارضه تم تقسيمهما بين دول المنطقة على وفق اتفاقية سايكس بيكو الجائرة لضمان مصالح الدول الاستعمارية والنظم التي كانت وماتزال تدور في فلكها وخاضت عشرات السنوات من الكفاح المسلح والعمل السياسي لنيل حقوقها المشروعة.
كما اكد الازهر حرصه على وحدة العراق وعدم تقسيمه ، في حين هو على بينة كيف تم تأسيس الدولة العراقية الحديثة في بداية القرن الماضي لتقسيم كعكة الشرق الاوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى في 1918.
ينبغي ان يُسأل وعاظ السلاطين في الازهر، ماذا جنى الشعب العراقي بجميع قومياته وطوائفه من العراق الموحد ليدافع عن تلك الوحدة المزيفة ، سوى انقلابات عسكرية وعمليات القتل والتشريد و الحروب والاقتتال المتوالي الداخلي والاقليمي ، فضلا على تبديد مئات المليارات من الدولارات من ثروات البلاد في شراء الاسلحة الفتاكة والمدمرة وبناء الجيش والشرطة واجهزة الامن والمخابرات لقمع ابناء الشعب العراقي الذي تعرض لابشع حملات القتل والتنكيل بسبب الوحدة القسرية و الخلافات القومية والطائفية والتناقضات المصالحية والفكرية بين مكوناته؟
ثم لماذا لا يسعى ويخطط الازهر لتوحيد الدول العربية الثلاث والعشرين لتشكل امبراطورية عربية من شمال افريقيا الى الخليج لتستعيد اراضيها المحتلة وتصبح سيدة على ارضها ومستثمرة لطاقتها البشرية وقدراتها الاقتصادية ويعيش المواطن العربي بطمأنية وراحة بال و رفاه.
كما عد الازهر الاستفتاء الكوردي عاملا لزيادة فرقة الأمة العربية والإسلامية ، هنا سؤال يطرح نفسه هو متى كانت الدول العربية والاسلامية موحدة على الارض كي يفرقها استفتاء الشعب الكوردي على حلم مشروع على وفق جميع القوانين الدولية والشرائع السماوية ومبادئ حقوق الانسان؟
الوحدة العربية والاسلامية التي يزايد بها الازهر بناء على املاءات من النظم التي تهيمن على قراره مجرد كلام فارغ وتافه لم نر ترجمة له على ارض الواقع في الماضي والحاضر ، بل جل تلك الانظمة منهمكة في خلافات سياسية وامنية واقتصادية وحدودية فيما بينها وصل الى حد الاقتتال ، كما رأينا في احتلال صدام لدولة الكويت والحرب اليمنية السعودية والخلافات الحالية بين قطر والسعودية وطهران والرياض وانقرة وطهران وما قبلها بين سوريا والعراق الخ ….
ويبدي الازهر اسفه “لما تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من رفع أعلام اسرائيلية في احتفالات الاستفتاء ، في حين لم يأسف ولم ينبس ببنت شفة بشأن العواصم العربية ومن ضمنها القاهرة التي يرفرف فوقها العلم الاسرائيلي ولها علاقات مباشرة مع تل ابيب.
الازهر الذي كانت له مكانة خاصة وتاريخ مشرف لدى اكثر من اربعين مليون مسلم كوردي ، كشف عن وجهه الحقيقي على انه ليس مؤسسة دينية بل مؤسسة سياسية بغطاء ديني تعمل على وفق الانظمة التي تمولها لدعم مواقفها السياسية ، واليوم لم يعد الازهر ، ازهرا في قلب المواطن الكوردي المسلم الذي يريد العيش مستقلا حرا وكريما على ارضه ، بل شلة من وعاظ السلاطين الذي يعملون بنظام الثمن المدفوع.