الاوضاع العراقية, فى جميع تجلياتها, تثير الغضب والاسى. ويتسائل المواطن كيف حصلت كل هذه الكوارث!! الخزينة خاوية, وميلياردات النقط قد سرقت وهربت الى خارج البلد, دون ان تبنى مدرسة, مستشفى, او مركز لقوى الامن لداخلى(الشرطه), ناهيك عن الكهرباء فى عصر الكهرياء والنفط والبنزين الذى مازال يستورد فى بلد عائم على بحر من النفط الخام…الخ
ان الكوارث المادية والمعنوية التى افرزها حكم المالكى لا زالت على عنفوانها واصبحت من الصعب جدا السيطرة عليها, خاصة انه قد وضع الدعامات والاسس لاحلال وفساد الادارات الحكومية وفتحها على مصراعيها للجهلة والانتهازيين والمجرمين فى السيطرة على مراكز القرار السياسى, تاركا الحبل على الغارب, كل يعمل بما يمكنه من السرقة والاحتيال والكسل والافساد, وما زالت تؤكد فاعليتها وخبثها فى العمل على استمرار مراكز امتيازاتها على حساب مستقبل العراق ومواطنيه, اما عن سياسته الطائفيه (ثارات الحسين) فقد افرزت حرب اهلية لا يعلم الا الله نهايتها. ان المالكى رئيس حزب الدعوة بدون منافس, ومع انه قد اقيل من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية ما زال يحمل هذا اللقب و يحتفظ بالقصر الرئاسى ويمتنع اخلائه وفقا للقانون, بالاضافة الى جيش الحمايات التى تحرس ظله الوارف, ومازال على قوته ويدلى بالتصريحات عبر وسائل الاتصال الجماهيرية وكأن شيئا لم يكن.؟؟!! ترى مذا تعنى هذه الحالة الشاذة الغريبة؟ اليست حالة فقدان مركزية القرار تعنى فى حقيقة الامر حالة الفوضى الدائمة والصراعات بين الكتل والميليشيات فى مصالحها ومرجعياتها, واعادة الحياة الى شريعة الغاب وان الدولة ليس دولة بمفهومها القانونى الدستورى,انها فقدت خصوصيتها ودورها الحاسم, واصبحت هى الاخرى تشكيلة ميليشيات.
ان الازمة, فى الواقع قديمة جديدة, هى ذاتها لم تتغير وانما اخذت تتبلور وانطلقت منذ بضعة اشهر بقوة عالية بحيث طغت على ازمات البنى التحتية دون ان تجد لها حلولا, وتتمركز حول خواء الخزينة وما يرتبط بها, والوضع الامنى الذى اخذ يهدد بشكل مرعب حياة المواطنين. ان خواء الخزينة ليس سرا على العراقيين علما بان تدهور اسعار النفط الخام قد بدا من فترة قصيرة ومن المستغرب حقا ان تكون الخزينة خاوية والحكام فى تخبط :احد الاسباب هو نشاط البنوك الاهلية التى تاسيست بعقلية مضطربة دون وضع قواعد واصول لممارسة العمل المصرفى, فى تصور حول قدسية وارجحية الاقتصاد الحر وميكانيكية السوق, دون وضع هيئات رقابية لسلامة اداء هذه البنوك وتنشيط الاستثمار
فى العراق بمختلف حقوله. انها الحدود المفتوحة التى لم تتم السيطرة عليها المتمثلة بعجائب البنوك الاهلية المرتبطة سياسيا بمؤسسات مالية اقليمية ومحلية وتحضى بدعم ورعاية ومساهمة القيادات السياسية العراقية. هذه البنوك تقوم باشكال مختلفة, سواء عن طريق الاستيراد والتجارة الخارجية بغسل الاموال بشكل مباشر ولها اليد الطويلة فى تهريب وغسل الاموال بطرقها الخاصة. ان غالبية هذه البنوك استطاعت ان تجنى ارباحا هائلة عن طريق شراء وبيع الدولار, بالاضافة الى مكاتب الصيرفة التى زرعتها فى المدن دون ان تساهم فى تنشيط الاقتصاد الوطنى من خلال الاستثمار و تقديم القروض.
تشير مفردات ميزانية 2016 الى عجزا قدره 30 مليار دولار, ويمكن ان يتصاعد هذه العجز خاصة وان حوالى 95% من تامين الميزانية يقوم على ايرادات تصدير النفط الخام الذى اخذت اسعارة فى التراجع حتى وصلت دون الـ 30 دولار, وكما تشير التوقعات , خاصة بعد اعادة ايران الى السوق النفط العالمية سيعمل على زيادة العرض بما يؤدى الى وفرة كبيرة تؤثر فى الاسعار, ان البعض يرجع ذلك الى مؤأمرة عالمية! اى كان, ان الذى يدعونا الى القلق هو تراجع اسعار النفط فى الاسواق العالمية وبالتالى ان مواردنا الرئيسية فى تدهور مستمر. ان خطة الحكومة لسد العجز فى الميزانية الاتجاه نحو القروض الخارجية, ان البنك الدولى وصندوق النقد الدولى مستعدون للقروض ولكن وفق شروطهم الخاصة, وكما يبدو فان حكومتنا الرشيدة لم تتعلم القراءة والكتابة للتعرف على الواقع العملى على الدول التى تم منحها قروضا, فقد زادت فقرا على ما كانت فيه قبل القروض, حتى ان عددا من الدراسات تشير الى انها قد قوضت المؤسسات الاقتصاية ذات الهيكلية السليمة فى تحويل نشاطاتها باسم عقلنة الانتاج والمنافسة العالمية. ان موضوع القروض قد بدأت به النخبة فى السنين التى كانت فيها اسعار النفط قد وصلت ذروتها. ان العراق الان مثقل بالديون والنفط مرهون لسنين طويلة قادمه.
ان الحكومة تنوى تشجيع القطاع الصناعى والزراعى وتفعيل المؤسسات الحكومية, الا ان هذه الافكار الى ان تتحول الى خطة عمل تحتاج , كما عهدنا , الى فترة طويلة لكى تعطى نتاجها, وفى حالة جدية العمل والتنفيذ,.اما عن مؤسسات الدولة الصناعية فسوف تباع الى الرفاق والاقارب من كلا الطائفتين بسعر التراب , كما حصل ذلك فى العديد من الحكومات الثورية وكذلك الحكومات التى رفعت الاسلام والشريعة راية لها. ان الحكومه سوف تقوم ايضا بالاقتراض المحلى, واصدار سندات مالية, بالاضافة الى استقطاعات من رواتب الموظفين والمتقاعدين. والغريب ان الدولة قد قامت فى هذا الشهر بالاستقطاع فعلا علما بان قانون الميزانية لسنة 2016 لم يصدر بعد, ويحمل الصيغة القانونية عندما يصدر بالجريدة الرسمية, انة نموذج لسلوك الحكومات الميليشياوية ان تسلط ارهابها على المواطن ذوى الدخل المحدود. كان الاجدر بالحكومة ان تتجة نحو نخب 2003 التي خلال بضعة سنين سرقوا الدولة والخزينة واصبحوا فى فترة قياسية, مقارنة بالحلم
الامريكى, من اصحاب الملياردات. فى حقيقة الامر ان المالكى الذى اسس للفساد المالى والادارى سوف لا يؤثر على ثروته الضخمة ان يمنح الدولة فى هذه الاوقات الحرجة والمستقبل المجهول 5- 10 مليارات دولار, بالاضافة الى السيد الحكيم والنجيفى وصالح المطلق, وكذلك الاخرين مثل الاعرجى وصفية السهيل ورئيس الوقف السنى والشيعى والاسدى وكيل وزارة الداخلية صاحب الشركة المتعددة الجنسيات للخضروات ومقرها كوبنهاغن- الدينمارك….و بضعة مئات اخرون كل حسب ثروته وسرقاته.
ان الازمة المستعصية الاخرى تمثل الوضع الامنى واستفحال الارهاب الذى اصبح بالرغم من بعض العمليات النوعية التى تنفذها العصابات المجرمة, اصبحت من يوميات العراقيين, الا ان ظهور ميليشيات الجريمة المنظمة بهذه الكثافة وفى كل المدن العراقية, يدعو الى القلق والحيطة. هذه الميليشيات تعمل وفق تخطيط ومنهج, فهى ترصد الضحية وتراقبة وتصطاده. لقد اصبحت مداهمةالبنوك وسرقة مكاتب الصيرفة والبيوت وخطف الرجال واللاولاد والافراج عنهم لقاء دفع مبالغ كبيرة ظاهرة خطيرة يجب معالجتها.
ان الازمة العراقية هى الحالة العراقية منذ 2003 ,متعددة الاشكال والحقول وهى جميعا مهمة ولها تاثير كبير على الوطن والمواطن وبحاجة ماسة الى التصدى لها, ولكن كيف يمكن التصدى والنجاح فى تحرير بقية الرمادى والحويجة ناهيك عن الموصل اذا كانت ومازالت تشكيلة النخبة كما كانت عليه فى عام 2003 مع تغيير بعض الوجوه التى قد اثبت على فشلها فى اطار عملها بوزارات سابقة, ولكن باستمرار الفشل والفساد والسرقات. كان تكليف السيد العبادى برئاسة الوزارة قد فتح باب امل نحو الاصلاح ورافق ذلك حشد اعلامى كبير جدا, اعلن العبادى نيته الصادقة فى الاصلاح, ولكن فى سنته الثانية لم يحصل شىء مؤثر واستمرت الامور على ماهى كالمعتاد. ترى هل يمكن ان يتم الاصلاح بوجود اصحاب امتيازات ونفوذ من حوالى 760 وكيل وزارة و4800 مدير عام, وبضعة مئات من الخبراء والمستشارين واصحاب الدرجات الخاصة, ناهيك عن ضباط الدمج …الخ
ان الوضع لايبشر بالخير ولاتوجد فسحة الامل. ان حكومة واجهزة المحاصصة الطائفية التى قادت البلد الى هذا الوضع الكارثى سوف تستمر على سيرتها المعتادة, وحتى لو سلمنا جديلا بحسن نواياها, فهى غير قادرة على تغير هيكليلية المحاصصه الطائفية, وذلك لانها بالذات مكونات المحاصصة الطائفية ونفوسها الضعيفة المريضة وجهلها المطبق بادارة الدولة. اننا يجب ان نعيد التفكير ثانية وثالثة فى سبل واساليب جديدة نوعيا فى تغير هذه التشكيلة الحاكمة. انها سوف لا تقوم باى اصلاح يفيد البلد والمواطن لانها لاتستطيع الى ذلك سبيلا.