استباحت الساحة العراقية بعد السقوط ، كيانات تطلق على نفسها سياسية، وذلك بسبب قيام النظام السابق باخلاء الساحة تقريبا من الاحزاب العراقية التقليدية والفاعلة في المجتمع انذاك ، وان هذه الكيانات الجديدة لا تمتلك مدرسة فكرية او منهجية واضحة ،ولا فكر اقتصادي ، او حتى برنامج معلن ، ولو اخضعت بعض هذه الكيانات لمعايير علم السياسة، لما حصلت على عنوان حزب ، ذلك ان الاحزاب الحقيقية ،هي تنظيمات جماهيرية يحتويها تنظيم يوحد اهدافها ويحقق امالها ولها برنامج محدد وواضح وفكر اقتصادي له هوية يعمل على تحقيقه عند استلامه السلطة، وقد اتسمت بعض هذه العناوين بالسطحية والا سياسية ، لان السياسة هى علم ادارة الدولة وفن حل المشكلات، فهل كانت هذه العناوين ، بمستوى هذا التعريف . الجواب كلا والا لما كانت هذه الازمات، وبعض هذه الكيانات كانت ولا زالت عناوين بلا محتوى ولا تمتلك قواعد توصلها بالاصوات الى السلطة،
ان هذه العناوين ومنذ استلامها السلطة ، بمباركة المحتل، اصبحت عناوين ومصادر منتجة للازمات في هذا البلد وتراوحت هذه الازمات بين الاقتصادية والسياسية والادارية بل وحتى الامنية، وتراوحت حلولها بين السفسطة واتهام الشريك وايجاد المبررات .واسباب كل ذلك الجهل بالسياسة والعبث بالقوانين وقلة الخبرة . وتغليب الذات على الموضوع . ان قاعدة الاحزاب في كل انحاء العالم هي البحث عن الزعامة السياسية في مجتمعاتها، ولكن كما يقول الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين ص58 ، ان الزعيم يخلق الامة هي تخلقه في الوقت ذاته ، فالامة لاتستطيع ان تخلق من شخص تافه زعيما،وكذلك لايستطيع الشخص الموهوب ان يكو ن ز عيما في امة لا تقدره . لذا فالزعامة اذا كانت على مستوى الفر د او الحزب تتطلب ان يكون الشخص او الحزب صاحب نظرة ثاقبة لكي يقود وان يكون واضحا لكي تقدره الامة ، يقول العراقييون وهم يراقبون اوضاعهم وما وصلت اليه ، هل تاتيك امريكا بمن يخدم العراق ، رغم اني لا اسلم بهذه المقولة ، ولكن ارى ان ما هو حاصل على الساحة يوجد التبرير لهذه المقولة ، ولما كانت اغلب هذه الاحزاب هي عناوين فقط، فانها بالنتيجة احزاب اشخاص في الغالب ، لذا فانها تحولت بسهولة الى احزاب تجارية ، ذات طابع نفعي ، وتحولت ايضا وبمرور الزمن، الى تنظيمات مستهلكة للمال العام غير منتجة ، محولة الوزارات والدواءر الحكومية من وزارات منتجة الى ضياع تحول المال العام وبواسطة اللجان الاقتصادية المشكلة في كل تنظيم الى مال خاص، لذا افرغ العراق من كل شي الى لا شي، ان الازمة الحالية هي نتاج اغلب هذه العناوين اذ عبرت هذه العناوين عن مصالح فؤية ،وبفعل من حكم العراق منذ السقوط ، واللذين يمكن تقسيمهم الى جماعات ثلاث ، الاولى تتمثل في الاشخاص اللذين جاءوا مع المحتل، وهم جماعة ينتسب اغلبهم في تبعيتهم للدوائر الاجنبية ،لذا تجد ان هؤلاء يقدمون مصلحة تلك الدوائر على مصلحة البلد ، وهم حاملوا جنسيات تلك الدول. اما الجماعة الثانية ،فهم رجال الدين وشيوخ العشائر ، ان هذه الشريحة جاءت في حاشية الاولى، وظل دورها يتراوح بين فلسفة وتبرير الحكم القائم وبين تشريع العمل الحكومي باعتباره ممثلا للعدل الديني المطلوب ، اما الجماعة الثالثة ، فهم الاميون من غير حملة الشهادات اللذين تسللوا الى الجهاز الاداري الفاعل في الدولة العراقية ، وقلبوا موازينها ، وحولوا دواوينها الى ضياع عائلية او طائفية او عنصرية ، مما افقد هذه الوزارة او تلك المؤسسة عنوانها الاداري او هدفها الوطني
ان ما حدث في العراق بعد السقوط وبفعل العوامل انفة الذكر حول المجتمع العراقي من مجتمع متجانس الى مجتمع يشك بوحدته ورغم مقاومته لكل هذه الجهود المظللة، فانه يحاول اليوم اعادة انتاج ذاته من خلال النقذ البناء لمسيرته السابقة وقد كشفت الاحداث ان الازمة العراقية ،هي ليست فقط ازمة تسببت بها العناوين او الاحزاب انفة الذكر، انما هي ازمة مجتمع او شعب كان بمثابة حاضنة للاخطاء الحزبية ، سواء اكان ذلك على مستوى اخطاء حزب البعث ام اخطاء احزاب ما بعد السقوط .
ان تاريخ بلادنا سادتي يشير الى توارث وتوالد الازمات ،والسبب في ذلك لا يعود الى الحكام وحدهم ، بل الى المحكومين ايضا، ويذكرني قول العلامة الوردي في محاضرة القاها علينا . ان الشعب العراقي مريض ومرضه هذا لايمكنه من الاتيان بحكومة لا تحمل امراضه ، واستطرد يقول ان الشعب العراقي شعب جدلي يحب واحدهم ابداء الراي وان الفرد الجدلي كما يقول في كتابه طبيعة المجتمع العراقي ص318 يطالب بالحقوق اكثر مما يقوم بالواجبات. والحال كانت حكومات ما بعد السقوط عراقية بامتياز تطالب بالحقوق ولم تقم ولحد هذه اللحظة بالواجبات ، وتنتقل العدوى ايضا الى العناصر والقوى المحركة لهذا المجتمع ، اي ان المجتمع العراقي يحوي بين ثناياه ، نقيضه ، وان هذه الحركات لدى استلامها السلطة تنقل الامراض الاجتماعية الى الدولة، فامراض المجتمع بالتالي تصبح امراض دولة
،ان فشل المجتمع في عملية بناء الذات ،على اساس المواطنة ، وحرية الراي ، وحرية المعتقد ، يعني فشل المجتع في التخلص من الامراض التي تعمق جذ رها الحكومات ، والتي هي امراض ممكن تجاوز ها بالوعظ الصحيح او بالمعلم المثقف او مدرس العلوم الوطني ، او الحزب المؤمن بالدولة المدنية ، او الاعلامي الذي يوجه الناس نحو التمسك بالانا العام ومغادرة قاعدة ما تصير للعراق جارة اي لايوجد علاج لامراض هذا البلد.