22 ديسمبر، 2024 2:44 م

الازمة الانفصالية الكردية..واصلاحات العبادي الوطنية

الازمة الانفصالية الكردية..واصلاحات العبادي الوطنية

العالم المتحضر الحديث يتجه لصناعة دول المجتمعات المتعددة الثقافات والاعراق والاثنيات المختلفة،
سواء كانت وسائل الاتصال الالكترونية هي سفينة العبور نحو القرية الكونية،ام هي نتاج طبيعي لصيرورة الحياة والكون وحركة التاريخ الانساني المتغير المشترك،فهذا العالم الذي بات يفكر في قبول الاسلام على سبيل المثال كدين ثالث في اوربا،اصبحت لديه ثقافته السياسية والاقتصادية الشبه متداخلة والمشتركة العابرة للقارات والحدود،لم يعد فيه مكانا للنفس او النهج او الصراعات والازمات العرقية او الاثنية الداخلية،
فالديمقراطية الحقيقية كفيلة بحماية الحقوق والحريات والانتماءات والافكار المتعددة وحتى المتناقضة، تحت مظلة القانون والنظام والدستور في دولة المواطنة…
المحاولة البرزانية الفاشلة في طرح الاستفتاء الانفصالي الكردي الاحادي الجانب اواخر ايلول الماضي،جاء على خلفية الازمات المتراكمة لاخطاء عديدة تركت دون حل منذ٢٠٠٣،منها مايتعلق بالوضع الشاذ في شمال العراق،الذي اتجه نحو النظام الكونفيدرالي بعلاقته مع حكومة المركز،متجاهلا عدة مطالبات رسمية قدمت من قبل الحكومة الاتحادية، بكشف مصيرعائدات تصدير نفط الشمال (وكذلك اموال الضريبة والحدود، وعلاقة المطارات وحرس الاقليم والامن والمخابرات وسلاح البيشمركة الخ.)
الاستفتاء لم يكن الا محاولة للهروب الى الامام من قبل حكومة البرزاني المنتهية، والمتهمة بالفساد والاثراء العائلي على حساب حياة المواطنين والموظفين الاكراد وبقية سكان المحافظات الشمالية،اريد من خلاله خلق حالة من الفوضى والتأزم ،واعلان الحرب الكردية المقدسة(من وجهة نظره-كركوك قدس كردستان) مع الحكومة والقوات الاتحادية،كي يتم التغاضي عن تنفيذ مطالب التنحي والتخلي عن منصب رئاسة الاقليم،وادخال البلاد في دوامة الصراع والاقتتال والتخريب لعقود قادمة،
كل هذا المخطط التأمري الخبيث (وعملية حرق العلم العراقي ورفع علم اسرائيل)ذهب ادراج الرياح،
بعد ان تم استعادة محافظة كركوك واغلب المناطق المحتلة من قبل المليشيات الوقحة المنفلتة ،والعصابات الكردية الانفصالية المتحالفة مع حزب العمال الكردي التركي،
بحكمة السيد العبادي رئيس الوزراء ومستشاريه المدنيين والقادة العسكريين، وكذلك بدعم واسناد من قادة الحشد والرأي العام الشعبي،لابعاد شبح التقسيم ،ومنع تنفيذ اجندات خارجية مدمرة في العراق،
هذه العوامل والاحداث المتسارعة التي تأتي بالتزامن مع الانتصارات المتحققة ميدانيا من قبل الجيش العراقي والسوري،وقرب اعلان النصر النهائي على داعش في كلتا الدولتين (العراق وسوريا)
،وكذلك عودة الازمة المفتعلة الجديدة من قبل الرئيس الامريكي ترامب مع الملف النووي الايراني،وتكرار الحديث عن احتمالية قيام اسرائيل بحرب كبيرة تندلع على الجبهتين السورية واللبنانية،
وماحصل من تطور كبير في مسار عودة العلاقات التركية الايرانية الروسية، ومالها من تأثيرها مباشر على الوضع الامني والسياسي في العراق،
ومحاولة انجاح ملف عودة العلاقات والانفتاح التجاري السعودي مع بغداد،كل هذه الامور واحداث دولية واقليمية متأزمة اخرى لاتعطي اية مبررات لقيام البرزاني بهذه المحاولة الخطيرة ،وفي خضم تلك الازمات والتوترات المتشابكة داخليا وخارجيا كما ذكرنا،
بل نعتقد انه تم توريطه بفتح هذا الملف لانهاء حياته السياسية ودوره في ادارة ملف حكومة الاقليم،فلاتوجد اية عوامل او مؤشرات او اليات دستورية تتيح له القيام بتلك الخطوة الكارثية الكبيرة،
فالدولة الكردية لن تأتي بطريق وحدود الدم، انما بالطرق الحضارية الدستورية،وبالتوافق الشعبي والوطني ،
الدولة الكردية لايمكن ان تعيش ان لم تكن لها منافذ حدودية متاحة مع الدول الاربع ذات التواجد الكردي(تركيا ايران سوريا والعراق)،ثم مافائدة الدولة العرقية ان كانت فيها عدة اعراق واثنيات وطوائف،اين عوامل ومقومات الدولة
، مسألة معقدة، وافكار وثقافات عقيمة عفى عليها الزمن وغادرتها الانسانية المتحضرة الواعية…
اثبت رئيس الوزراء العراقي العبادي بعدة خطوات دستورية جريئة (بضمنها استعادة الامن والنظام لمحافظة كركوك والمناطق الاخرى) انه بالفعل كان جادا بمحاولته ورؤيته لاصلاح العملية السياسية ،ومحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين،نأمل ان تكون كذلك وليست مجرد اجراءات ومحاولات واتفاقات جانبية ادت الى ماوصلت اليه الامور،كذلك نتمنى عليه ان يستمع للراي العام الشعبي ،ويدرس قدر الامكان مقترحات وتوصيات النخب السياسية المثقفة ويستمع لاطروحات الكفاءات الوطنية
،التي تعمل بكل قوة عبر الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الثقافية الالكترونية، والمؤسسات ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية،من اجل اعادة اعمار البلاد وبنيته التحتية بالطرق السليمة البعيدة عن ايدي الفاسدين،عبر تحسين الاقتصاد وخلق فرص العمل، وتعزيز دور القطاعين العام والخاص والمختلط،
العراق بحاجة الى حملة حكومية شعبية لاعادة اعماره وطرد العناصر الفاسدة المخربة للامن والاقتصاد القومي…
واحدة من اهم الخطوات التي نعتقد انها ستحل مسألة الفقر والعوز في بلادنا، هي من خلال الغاء البطاقة التموينية (او ابقاء فقط مادة الطحين)وتحويل اموالها لشبكة الضمان الاجتماعي ،لتوسيع دائرة المشمولين بها ،وزيادة ايضا دفعاتها الشهرية،اضافة الى فتح ابواب الاستيراد للمواد الغذاىية واللحوم الحية المعفاة من الجمارك،وتشكيل الشركات الحكومية التابعة للوزارات لبناء بعض المنشأءات والمواقع والمراكز والمدارس الحكومية،بدلا من ذهاب اموال اعادة الاعمار لجيوب الشركات والمقاولين الفاشلين والفاسدين الخ…..
الحكومة بحاجة الى تشكيل لجان موسعة للنظر بأليات تطوير وتحسين العمل والاداء الوزاري والحكومي ،ودراسة الملف الاقتصادي بشكل جذري…
الاصلاح لن يتحقق عبر الشعارات والنصائح والمؤتمرات الصحفية الاسبوعية،انما بالبرامج والخطوات والقرارات المطبقة والمنفذة على ارض الواقع بقوة الدولة واجهزتها الرقابية والادارية
،الشعب الذي وقف له العالم احتراما واعجابا لشجاعته بمحاربة داعش وطردهم من ارضه بوقت قياسي، يستحق ان يرى خيرات بلده على ابناءه واجياله القادمة