18 ديسمبر، 2024 6:27 م

الازمات المفتعلة السياسية وكتابة الدستور بتصورات ورؤية كردية اعطت للاقليم قوة اكثر من الحكومة المركزية

الازمات المفتعلة السياسية وكتابة الدستور بتصورات ورؤية كردية اعطت للاقليم قوة اكثر من الحكومة المركزية

الازمات المفتعلة السياسية وكتابة الدستور بتصورات ورؤية كردية اعطت للاقليم قوة أكثر من الحكومة المركزية وقرض فرض وأنتقاء الفرص والمواقف والتحالفات والاتفاقات تحت الطاولة وفي الغرف المغلقة وبمساعدة ؟؟ وضعف الجانب الحكومي والمخاتلة ورايات الجهاد والمعارضة والنفع والاستثمار ؟

أصدرت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق) اليوم الخميس تنويها بشأن قرارها حول عدم دستورية قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان.

وقالت المحكمة في بيان اليوم إنها أصدرت قرارها بالعـدد (59 /اتحادية/2012 ووحدتها 110/اتحادية /2019) بتاريخ 15 /2 /2022 معتمدة على احكام المواد (110 و 111 و110 و115 و121 و130 ) من دستور جمهورية العراق لعام ( 2005) لا سيما أن القرار الصادر من احدى محاكم الولايات المتحدة الامريكية ، بناءً على دعوى من المدعي وزارة النفط العراقية والمدعى عليه وزارة الثروات الطبيعية لحكومة اقليم كوردستان، كان لمصلحة المدعي”.

وأوضح البيان أنه تم استئناف القرار من قبل المستأنف حكومة اقليم كوردستان العراق وأصدرت محكمة الاستئناف الامريكية في 21/ ديسمبر/2015 الدائرة الخامسة قرارها المتضمن قدمت حكومة اقليم كوردستان هذا الاستئناف ومن خلال إقرارها الطوعي بتفريغ الشحنة في اسرائيل وبذا اضعفت حكومة اقليم كوردستان شدة حجتها في موضوع الاستئناف وانتهى القرار بــــ (للأسباب المذكورة سابقاً نوافق على طلب الوزارة (وزارة النفط العراقية) برفض هذا الاستئناف)”.

وأشار ت المحكمة في تنويهها إلى أنه “بذلك فإن المصلحة العليا للعراق وشعبه تقتضي حسم الدعوى المرقمة ( 59/اتحادية/2012 وموحدتها 110/اتحادية /2019 ) واصدار القرار وفقاً لما جاء فيه”.

 

رفضت سلطات إقليم كردستان في شمال العراق أمرًا أصدرته المحكمة الاتحادية العليا، يُلزم حكومة الإقليم ذي الحكم الذاتي، بتسليم كامل النفط المنتج على أراضيه للحكومة المركزية.

واعتبرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أعلى سلطة قضائية في البلاد، أن قانونًا تمّ تبنيه في كردستان عام 2007 لتنظيم قطاع النفط والغاز، مخالف للدستور.

وجاء في قرار المحكمة “إلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل انتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان (…) الى الحكومة الاتحادية المتمثلة بوزارة النفط الاتحادية”.

كذلك، تضمن الحكم الذي نشر على موقع المحكمة “إلزام حكومة إقليم كردستان بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادية بمراجعة كافة العقود النفطية المبرمة مع حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه”.

واعتبرت حكومة كردستان في بيان نُشر ليل الثلاثاء الأربعاء، أن قرار المحكمة العليا “غير عادل وغير دستوري” مؤكدةً أنها ستتخذ “جميع الإجراءات الدستورية والقانونية والقضائية لضمان وحماية جميع العقود المبرمة في مجال النفط والغاز”.

وأضاف البيان أن “حكومة إقليم كوردستان لن تتخلى عن حقوق إقليم كوردستان المنصوص عليها في الدستور العراقي، وفي هذا الإطار ستواصل حكومة إقليم كوردستان بذل جهودها مع الحكومة الاتحادية للتوصل إلى حل دستوري جذري بهذا الشأن”.

وأشار إلى أن قرار المحكمة العليا صدر “على الرغم من أن حكومة إقليم كردستان كانت قد طالبت بتأجيل هذه الدعوى ومنح فرصة للاتفاق مع الحكومة الاتحادية القادمة”.

بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة، لا تزال الانقسامات السياسية تعرقل عملية تشكيل الحكومة، التي تحتاج إلى مفاوضات طويلة جدا، غالبا ما تنتهي بحل توافقي بين الأحزاب الكبيرة التي تهيمن على المجتمع الشيعي، بغض النظر عن توزع الكتل في البرلمان.

ويأتي قرار المحكمة الاتحادية العليا بعد شكويين قُدّمتا عامي 2012 و2019، قدم إحداها وزير نفط سابق في الحكومة المركزية.

خلال السنوات الأخيرة، يعود هذا الملف الشائك بشكل متكرر إلى الواجهة. وتطلب بغداد أن تمر كل صادرات النفط الذي يُستخرج على الأراضي العراقية عبر الحكومة الاتحادية.

في عامي 2012 و2014، انتقدت بغداد الدور الذي تلعبه تركيا المجاورة. إذ كان إقليم كردستان يصدّر نفطه الخام إليها لتكريره. وبعد ذلك، أعلنت أنقرة أنها تسلّم للأسواق العالمية نفطًا مصدره كردستان العراق.

وتبلغ صادرات العراق الذي يعد ثاني أكبر بلد مصدر للنفط في منظمة “أوبك”، حوالي 3,5 ملايين برميل يوميا تمثل وارداتها المالية 90% من موازنة البلاد.

وكان إقليم كردستان تعهد تسليم 250 ألف برميل من إنتاجه اليومي الذي يتجاوز 400 ألف برميل للحكومة المركزية عبر وزارة النفط، في مقابل حصوله على رواتب المسؤولين الأكراد ومقاتلي البشمركة، القوات المسلحة التابعة للإقليم.

 

وعندما تم احتلال العراق في عام 2003 من قِبل الولايات المتحدة الأميركية وألغت دستوره المؤقت المعدل لعام 1970، والذي أقرَّ لأول مرة في تاريخ العراق مبدأ الحكم الذاتي كأساس لشكل الدولة العراقية، أعلن بول بريمر في عام 2004 قانون إدارة الدولة المؤقت كبديل للدستور، وبريمر هو الحاكم المدني الأميركي للعراق، كان يرأس ما عُرِف بسلطة التحالف المؤقتة التي تولّت حكم العراق منذ الاحتلال وعينت ما عُرِف بمجلس الحكم الانتقالي، المكون من 25 شخصية عراقية، تم اختيارهم حسب محاصصات عرقية ومذهبية طائفية, وإن كانت كفاءتهم أقل أو منعدمة، ثم أحيل قانون إدارة الدولة المؤقت لهذا المجلس لكي يعلنه كدستور مؤقت للبلاد. وبموجب هذا القانون، أُعلنت المحافظات الكردية الثلاثة في شمال العراق ككتلة سياسية وإدارية واحدة لا يجوز المساس بها، (طبعًا هي بالأساس كانت كذلك بموجب قانون الحكم الذاتي الذي أُعلن في عام 1974). ثم أقر القانون نفسه مبدأ الفيدرالية كأساس لشكل الدولة العراقية الجديدة من دون الرجوع إلى الشعب العراقي واستفتائه في ذلك، كما ألزم مشرعي الدستور الدائم القادم بتثبيت هذا المبدأ. بالإضافة إلى مواد أخرى تمنح سلطات الإقليم صلاحيات واسعة تتجاوز سلطات السلطة المركزية، مع حق الإقليم بالمطالبة بما أسماه القانون بالمناطق المتنازع عليها من غير أن يسميها ليجعل منها أساسًا لخلافات دائمة لا تنتهي.

وبالفعل فإن الدستور الدائم الذي صيغ في غضون ثلاثة أشهر أقر كل هذه الأمور. بالإضافة إلى ذلك فإنه نص في متنه على عدم جواز إلغاء أو المساس بالمواد التي وردت في قانون إدارة الدولة الملغى والتي تمنح أقاليم كردستان صلاحيات وامتدادات واسعة، واعتبارها سارية المفعول في ظل الدستور الدائم (المادة 143). كل هذه المواد ومواد أخرى إضافية، مكّنت إدارة إقليم كردستان من التمتع بصلاحيات أكبر من الصلاحيات الفيدرالية لدولة مركزية ضعيفة لا تتمكن بحكم كوابح الدستور من تقليص صلاحيات الإقليم التابع لها. فمثلاً أُقرّ لإقليم كردستان نسبة 17% من موازنة الدولة المركزية، كما تُركت مسألة استثمار الثروات المعدنية (النفط) في الإقليم مبهمة وتخضع للقوانين والتشريعات الصادرة عنه، وتكون له، حسب نص الدستور، الأولوية في حال التنازع مع السلطة الاتحادية (المركزية). كما أن السلطة المركزية ملزمة بدفع تكاليف قوات الإقليم (البشمركة) من الخزينة المركزية، إضافة إلى منح الإقليم الحق في امتلاك ممثليات له في الخارج وضمن السفارات العراقية.

المهم في هذا الأمر أن هذه الصيغة لم تحصل على موافقة أو إجماع اللجنة التي أعدت الدستور، والتي كانت مهمتها بالأساس مناقشة وإقرار ما تضمنه قانون الإدارة المؤقت مع بعض الإضافات البسيطة. وعندما عُرض الدستور على الاستفتاء الشعبي، (والذي اشتُرِط لإقراره موافقة المحافظات العراقية جميعًا عليه، ويُعد لاغيًا في حالة رفضه من ثلاث محافظات)، رفضته رسميًّا، حسب النتائج التي أعلنتها الهيئة العليا للانتخابات، محافظتان (الأنبار وصلاح الدين)، علاوة على أن المعارضة ادعت بأن هناك محافظات أخرى مثل نينوى وديالى والمثنى وذي قار والقادسية قد صوتت ضده. وفي الحقيقة، فقد أُعلِن رسميًّا أن نسبة الأصوات الرافضة للمسودة في نينوى (الموصل) بلغت 55% من الأصوات إلا أن السلطة المركزية اعتبرت أن هذه النسبة لا تشكّل ثلثي الأصوات المطلوبة لرفض الدستور. علمًا بأن البيانات الأولية عن الرافضين للدستور في نينوى، أكدت أن النسبة الرافضة هي أكثر من ذلك بكثير، إضافة إلى أنه جرى تأخير إعلان النتائج مما حدا بالمعترضين إلى التشكيك بالفرز والنتائج. وهكذا أُعلن الدستور وأُقرّ مبدأ الفيدرالية لكردستان العراق، مع إعطاء المحافظات الأخرى، باستثناء بغداد وكركوك، الحق في أن تشكِّل فيدرالية خاصة بها سواء لوحدها أو بالاتفاق فيما بين مجموعة منها. وهكذا زرع الدستور الدائم بذور مشكلة تهدد بالانقسام إن لم نقل بأنه أصبح أداة للانقسام وللاختلاف بدلاً من أن يكون أداة لتوحيد العراق والعراقيين.

الفيدرالية: تبدل الرهانات السياسية

بعد فترة وجيزة من إقرار الدستور، بدأت التناقضات والاختلافات تظهر بين السلطة المركزية وسلطة إقليم كردستان العراق؛ حيث قامت سلطة الإقليم بكتابة وإقرار دستور للإقليم تجاوز في صلاحياته سلطات المركز. وبما أن أي تناقض بين الدستور الدائم وأي دستور أو قوانين محلية يُحسَم لصالح الإقليم وقوانينه (المادة 115 والمادة 121 ثانيًا)، فإن السلطة المركزية بقيت عاجزة أمام انفراد الإقليم في اتخاذ ما يناسبه من قرارات دون الرجوع للسلطة المركزية. وهكذا فلقد ثارت مشاكل كبيرة خاصة بشأن امتدادات سلطات ونفوذ الإقليم وتمتعه باستثمار موارده الطبيعية ليس في الإقليم فقط وإنما في مناطق أخرى خارجه أسماها الدستور (مناطق متنازع عليها)، وبالتالي اعتبرتها حكومة الإقليم مناطق يحق لها التصرف فيها بحرية. وهكذا ظل إقليم كردستان العراق يتمتع بامتيازات وواردات حُرِمت منها المحافظات الأخرى، ناهيك عن معاناة هذه المحافظات من هيمنة السلطة المركزية وأحزابها المتنفذة ومن انعدام الأمن الذي كان واضحًا أنه يسود إقليم كردستان. يُضاف إلى ذلك أن السياسة المركزية قد صاحبها فساد كبير وهائل وسوء إدارة جعل أغلب البلاد تعيش حالة من عدم الاستقرار وعدم توفر الخدمات.

إزاء تزايد هذه المشاكل وعجز الحكومة عن تطوير المحافظات، وفي ظل التشرذم الطائفي الذي يشهده العراق والمصحوب بتشرذم سياسي وإخفاق في تشكيل الحكومة استمر لمدة سنة تقريبًا بعد انتخابات 2010، علاوة على العديد من الانشقاقات والخلافات الحادة بين الأطراف التي اتفقت على تشكيلها، والطريقة المجحفة والاستفزازية التي تعاملت بها السلطة المركزية مع المحافظات والكوادر العلمية التي تنتمي إلى طائفة غير التي تنتمي لها الأحزاب السياسية الحاكمة، إضافة إلى المقارنة بين فقر هذه المحافظات المادي مع البحبوحة التي يتمتع بها إقليم كردستان، بدأت المطالبة بتشكيل أقاليم أخرى على غرار إقليم كردستان تتصاعد في أغلب المحافظات. كما دعمت هذه الرغبة الخلافاتُ السياسية الكبيرة بين السياسيين العراقيين المشاركين في العملية السياسية، وخاصة أولئك الذين شعروا بأنهم مهمشون من قبل رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي. واللافت للنظر أن أولى هذه المحافظات المطالبة بالفيدرالية كانت هي نفسها التي صوتت ضد الدستور ورفضت الفيدرالية، وكذلك الأمر مع الشخصيات السياسية التي دعمت مطالب هذه المحافظات، والتي كانت قد رفضت مبدأ الفيدرالية على أساس أنه سيؤدي إلى تمزيق العراق. وأصبح كل من يطالب بالفيدرالية يدعي أنه يفعل ذلك -وهو محق- وفق الدستور الدائم، الذي أقر ذلك بل وسهّله في المادة 119. في حين أن السلطة المركزية الممثلة للأحزاب السياسية الدينية التي رحبت بالفيدرالية وروجت للتصويت لصالح الدستور الدائم الذي يقرها ويحصنها، وتغافلت عن المشاكل المستقبلية التي قد تثيرها مواده التي لم تُدرَس بعناية، انطلقت تعارض هذه الفكرة وتحاربها بشراسة. وربما من المفيد التذكير هنا بأن الإدارة الأميركية التي روجت للفكرة وتحدثت في فترة ما عن ضرورة تقسيم العراق إلى أقاليم ثلاثة: كردي وسني وشيعي، كحل أمثل للمشاكل العراقية (التي خلقها التدخل الأميركي طبعًا)، بدأت تبدي تحفظها على مثل هذه المشاريع، لا بل وصل الأمر بها إلى تحذير قادة إقليم كردستان من مغبة الانفصال عن السلطة المركزية ونصحتهم بضرورة حل مشاكلهم مع السلطة الاتحادية عبر الحوار والنقاش.

ويظهر من متابعة المطالبات المتصاعدة للفيدراليات المتعددة أن أسبابها اختلفت من محافظة لأخرى؛ ففي المحافظات الجنوبية (البصرة وميسان وذي قار وغيرها)، والتي تسكنها أغلبية ينتمي أبناؤها إلى نفس الطائفة التي ينتمي اليها الائتلاف الحاكم، كانت الأسباب هي الشكوى من الإهمال وعدم منح هذه المحافظات التخصيصات المالية المطلوبة لتطويرها. أما في المحافظات الغربية (الأنبار وصلاح الدين) والتي تسكنها غالبية تختلف طائفيًّا مع الائتلاف الحاكم فإن الأسباب تمثلت في إصرار الحكومة على معاملتهم إما كتابعين للنظام السابق أو المبالغة في تطبيق قوانين مكافحة “الإرهاب واجتثاث البعث” (قانون المساءلة والعدالة) على أبنائها. في حين أن أسباب مطالبة المحافظات القريبة من إقليم كردستان (ديالى وكركوك ونينوى)، كانت بسبب الشكوى من هيمنة الأحزاب والقوات الكردية عليها بدعوى أنها مناطق متنازع عليها.

ومع كل ما قيل أعلاه، تبقى هناك ثلاثة أسباب ودوافع لهذه المطالبات:

الأول: هو السياسة غير المتوازنة التي تنتهجها السلطة المركزية والتي غالبًا ما تأخذ أشكالاً طائفية، مع تهميش الكتل الأخرى التي فازت في الانتخابات وحرمانها مما تتصوره حقوقًا انتخابية مشروعة، يضاف إلى ذلك ضعف السلطة المركزية وعجزها عن إجراء أي تحسين يُذكَر لحياة الأفراد اليومية.

الثاني: هو المصلحة الذاتية للشخصيات التي تطالب بها والمصلحة المادية التي ستعود عليهم وعلى الإقليم المزمع إنشاؤه، مثلما احتج أحد المطالبين بالفيدرالية لمحافظته بأن إقليم كردستان يتسلم كل سنة أكثر من عشرة مليارات دولار من الخزينة المركزية، في حين أن محافظته لا تتسلم سوى مائتي مليون دولار سنويًّا لتغطية احتياجاتها.

أما السبب الثالث، فهو نفوذ بعض دول الجوار التي تدفع باتجاه تشكيل أقاليم تسكنها أغلبية تتماثل معهم طائفيًّا. أما نسبة من يطالب بهذه الصيغة من أجل مصلحة سكان المحافظات فهي قليلة إن لم تكن معدومة، بدليل أن من يطالب بها هم السياسيون الذين يشعرون بأن السلطة المركزية لا تعيرهم أي اهتمام أو أعضاء مجالس المحافظات الذين يرغبون في زيادة صلاحياتهم، ولم تُسجَّل أية حركة جماهيرية حقيقية تُذكَر تطالب بذلك. وربما من المفيد التذكير بأن المطالبة بإنشاء إقليم في محافظة البصرة والتي دعا لها بعض أعضاء مجلس المحافظة لم تحصل على التصويت الشعبي المؤيد لها، وكذلك المطالبة بتشكيل إقليم ذي صبغة طائفية في الجنوب والتي قادها أحد الرموز الدينية الطائفية المتنفذة لم تحصل هي الأخرى على الدعم الشعبي المطلوب. ولحد هذه اللحظة استطاع رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي أن يُفشِل هذه المطالبات، إما بتجاهلها (البصرة) أو قمعها (ديالى) أو من خلال اقترابه من العشائر المتنفذة فيها (صلاح الدين والأنبار ونينوى) لكي يكسب تأييدها ضد المطالبة بإنشاء إقليم فيدرالي فيها، مع الوعد بزيادة صلاحيات المحافظات ضمن لا مركزية واسعة. وهو وإن نجح في ذلك لحد الآن إلا أنه لم يتمكن من إسكات هذه المطالبات بشكل كامل.

الفيدرالية: المسارات المحتملة

إن الهدف الأساسي لأي دستور هو توحيد البلاد التي كُتِب من أجلها، إلا أن من الواضح أن الدستور العراقي الحالي أصبح أداة تدفع للتقسيم بدلاً من التوحيد، هذا على الرغم من أن الدستور نصَّ في مادته الأولى على أن “جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق”. إلا أن المادة (119) تنسف المادة الأولى عمليًّا؛ حيث نصت على ما يلي: “يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه يُقدَّم بإحدى طريقتين:

أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.

ثانيًا: طلب من عُشْر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.”

وبما أن البرلمان هو السلطة التشريعية الأعلى، فلقد اشترط في الحصول على الفيدرالية عرض طلب المحافظة الراغبة في تشكيل إقليم على البرلمان لإجراء الاستفتاء عليه. وهذه هي النقطة التي مكّنت رئيس الوزراء من الوقوف بوجه هذه المطالبات حيث إنه رفض تحويل المطالبات بإنشاء الإقليم إلى البرلمان.

ومع ذلك فإنه يمكن القول بأنه نتيجة التضارب في المواد الدستورية، وصراحة المادة التي تجيز إنشاء الفيدراليات، فإن المطالبة بإنشاء الفيدراليات ستستمر، وإن مسار المطالبة بها سيأخذ اتجاهين:

الاتجاه الأول: تمثله السلطة المركزية، ويتميز بالتشبث بالمادة الأولى وإحباط أية محاولة لإقامة فيدراليات جديدة، مع الموافقة على توسيع مبدأ اللامركزية للمحافظات المختلفة، وهو ما يدعو اليه رئيس الوزراء المالكي ويطرحه في لقاءاته مع الشخصيات والعشائر المختلفة في المحافظات التي تطمح لإنشاء فيدراليات جديدة.

الاتجاه الثاني: يسعى إلى التشبث بالمادة (119) والمواد الأخرى الواردة في الباب الخامس (سلطات الأقاليم المواد 116–121)، والتي تعطي الحق لأية محافظة بإنشاء إقليم. وسيبقى رئيس الوزراء قادرًا على تجاهل هذه المطالب عن طريق إهمالها أو عدم إحالتها إلى مجلس النواب، الذي يمتلك فيه أصلاً غالبية، مع التلويح بالفوائد المادية التي قد تنعم بها المحافظة التي تتنازل عن هذه المطالبة.

أما المحافظات المطالِبة بالتحول إلى إقليم فستستمر في إظهار التمرد على سلطات رئيس الوزراء، الحالي أو أي رئيس وزراء قادم، في هذا المجال والاستمرار بإثارة المطالبة بين الآونة والأخرى، ويمثلها في ذلك سياسيون معارضون لسلطات رئيس الوزراء ويرغبون في إجباره على تقديم تنازلات لهم ولقوائمهم أو ائتلافاتهم. وسيبقى السياسيون منقسمين حسب أهوائهم ومواقفهم من رئيس الوزراء وائتلافه الحاكم، ويصرون على هذه القضية حتى وإن أدى الأمر إلى الدخول في أزمات سياسية خانقة. وستكون النتائج هي إما إضعاف الداخل وتقوية النفوذ الخارجي، مما يهدد العراق بتدخلات أجنبية كثيرة قد تقوده إلى نزاعات لا تُحمد عقباها، أو لجوء الداخل إلى طرف خارجي قوي لدعم موقفه كما فعل رئيس الوزراء مع الولايات المتحدة وإيران؛ حيث منح (ولا يزال يمنح) الأولى تسهيلات كبيرة في مجال استثمار النفط والثروات المعدنية الأخرى، ومنح الثانية وجودً أمنيًّا كبيرًا في العراق. في حين أن الطرف الآخر سيستمر في حث الدول المجاورة والإقليمية الأخرى على دعمه ضد ما يطلقون عليه تسلط رئيس الوزراء المالكي، مثلما فعل قادة القائمة العراقية مع دول خليجية وتركيا. وفي كلتا الحالتين فإن النتيجة ستكون فقدان العراق استقلالية قراره.

بكلمة أخيرة، فإن مبدأ الفيدرالية في العراق إذا ما بقي على حالته المفتوحة والعائمة الآن وبقي الاعتقاد السائد بإمكانية تحقيقه في عدد من المحافظات، وفشل رئيس الوزراء المالكي في كبح جماح المطالبين به أو في إقناع أبناء تلك المحافظات عن طريق إشعارهم بأن السلطة المركزية هي الأقدر على تلبية طموحاتهم، أو عن طريق إيقاف زحف إقليم كردستان على ما أُطلق عليه المناطق المتنازع عليها، فإن النزاعات التقسيمية المتمترسة بالدوافع الطائفية ستسود العراق، وستعود النزعات والحروب الطائفية إلى الظهور من جديد فيه وربما تنتهي بتقسيمه فعلاً، خاصة إذا ما علمنا أنه ومنذ الآن بدأت تبرز بعض المظاهر الجديدة التي تؤزِّم الموقف وتعقِّده بصورة أكبر مثل مطالبة أجزاء في محافظة واحدة بفيدرالية خاصة بها، كما حصل في مطالبة قضاء تلعفر في الموصل والأقضية ذات الأغلبية المسيحية فيه بفيدراليات خاصة بهم، والنزاع المتصاعد بين المحافظات المختلفة حول الحدود الإدارية لكل منها، فكل محافظة تدعي أن هناك أجزاء منها مستلبة من قبل محافظة أخرى، مثل ما حدث ويحدث بين محافظتي كربلاء و الأنبار وبين إقليم كردستان ومحافظتي ديالى ونينوى وغيرها، الأمر الذي سيضيف للصراع الطائفي والمذهبي والعرقي صراعًا إداريًّا لا نهاية له.

وبما أن مسألة تعديل الدستور هي من المسائل شبه المستحيلة بسبب الشروط التي وضعها كاتبوه الحقيقيون، حيث نصّ في المادة (142) في الفقرة (رابعًا) على أنه “يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحًا، بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر”. وبما أن إقليم كردستان يتكون من ثلاث محافظات، وأن سلطة الإقليم لا يمكن أن تفرط بالامتيازات الكبيرة التي حصلت عليها بموجبه، فإن أي تعديل يمس هذه الصلاحيات يبدو شبه مستحيل. علمًا بأن المادة (126 رابعًا) نصت على أنه “لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام”.

ويبقى الحل الأخير في يد السلطتين التنفيذية والتشريعية اللتين، وبغضِّ النظر عن عجزهما الظاهر عن تعديل الدستور من أجل إيقاف موجة المطالبة بالأقاليم، لديهما القدرة على أن يعملا على إصدار التشريعات، التي تعتمد على المادة الأولى وبعض النصوص التي وردت في الديباجة التي تؤكد على وحدة العراق وعدم تقسيمه، من أجل الحد من هذه الظاهرة التي لا تمتّ للنظام الفيدرالي المعروف عالميًا بصلة، وإنما هي أشبه بنظام كونفيدرالي ينتج عن اتحاد أجزاء كانت مقسمة أو متباعدة فيما سبق.

أما السبيل الآخر فهو أن تعمل السلطة المركزية على تعديل سياستها الداخلية وإشعار العراقيين بأنهم متساوون حقيقة، ونبذ السياسات الطائفية الضيقة التي تُبعد المواطنين عنها. وبما أن كل الدلائل تشير إلى أن المحاصصة الطائفية هي قاعدة النظام السياسي الراهن، فإن الوضع الراهن سيستمر على ما هو عليه، وسيزداد التدخل الخارجي.