7 أبريل، 2024 4:40 م
Search
Close this search box.

الازمات العراقية – الاستفتاء والوعى المنحرف

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ سقوط النظام الملكى وقيام الجمهورية اقحم العراقيون فى ازمات لم تنقطع الى يومنا هذا, ما اكثرها, تعدد حقولها واتساع رقعتها وتصاعد مدة سيطرتها على الدولة والمجتمع والمواطنين. ان الاستفتاء حول انفصال اقليم كردستان عن الدولة العراقية, هو واحد من تلك الازمات الخطيرة التى سوف يترتب عليها عواقب وخيمة وسوف تكون مؤثرة ليس على الوحدة العراقية, على الحلم بالدولة القومية الكردستانية والشعب الكردى, وانما ايضا على منطقة الشرق الاوسط بشكل عام, خاصة وفقا لتقديرات الكثير من المعلقيين السياسيين واصحاب الخبرة, بان الانفصال هو الخطوة الاولية, الفاتحة لبرنامج متكامل لتفتيت دول الشرق الاوسط التى اقيمت على اتفاق بريطانيا وفرنسا ( معاهدة سايس-بيكو) بعد الحرب العالمية الاولى والتى لم تعطى الاكراد حقهم فى كيان ودوله, مما جعل القيادات الكردية ان تقوم بمحاولات وفرض ارادتها لتصحيح المسار, وقامت بانتفاضات وعصيان مسلح ضد الدولة والحكومة العراقية مرات عديدة, هذا بالاضافة الى الاستعداد المبدئى للتعامل والتحالف مع اى قوى خارجية كانت قد قدمت لها وعودا بالتعاون وتحقيق الحلم. ان هذه الظروف الاستثنائية التى كانت يعيش فيها الاكراد وما زالوا ضحية لها, بعثت لدى القيادات الكردية, التى هى عشائرية دينية فى مستوى معين محدود من الوعى السياسى والاجتماعى, خاصة بتشابكات االمصالح والعلاقات الدولية, بالظروف المحيطة بهم وبالدولة التى يعيشون فيها بعثت فيهم نظرة برغماتية تقوم على تحقيق فوائد انية وتفتقد الى اى بعد ستراتيجى, لذلك كانوا وما زالوا على استعداد للتعاون مع اى قوة , خارجية اوداخلية, لمجرد ان تقدم لهم بعض المساعدات المادية والعسكرية وتقدم لهم وعودا فى تحقيق الحلم الكبير, هذا ما كان مع شاه ايران فى القرن الماضى كما هوالموقف حاليا مع اسرائيل. ان الشاة استخدمهم لمحاربة العراق وتهديد كيانه, وعندما تم الاتفاق بين الحكومة العراقية وشاة ايران, انتهى دور الاكراد, لقد استخدمهم الشاة فى الوصول الى مصالحة, وعندما تحققت مصالحة, انتزع السلاح من ايديهم وعادوا على ما كانوا علية, لا حول ولا قوة يعصف بهم شعور الفش والخذلان والضعف وربما لدى البعض منهم شعورا مؤلما فاقدا للوعى والعقل والمنطق كجندى اجير, حياته ودمه بسعر التراب. ولم يتعلموا من تجربتهم مع الشاة وانما دخلوا فى حلف واتفاق مع حكام ايران الجدد ضد الدولة والجيش العراقى فى حرب استمرت 8سنوات بتضحيات هائلة رهيبة بالارواح ومئات المليارات لشراء اجهزة الحرب التى تقتل البشر والمستقبل. انه نفس الوعى المنحرف المشوه, من انهم يساعدوا ايران ليسقطوا صدام حسين. ان صدام حسين لم يسقط , لان سقوط الطغاة فى القرن العشرين يحصل بأرادة حكومات الدول الاستعمارية الكبرى, حينما تدق الساعة وتنتهى ادوارهم.
منذ عشرات السنين توطدت علاقات للقيادات الكردية مع اسرائيل, هذا ليس اتهام وانما حقيقة يعلنون عنها ويفتخرون بها, وذلك بنفس المنطق البرغماتى الذى ينافى العقل والمنطق, ويقوم على الوعى المنحرف الذى ينقصه اى بعد ستراتيجى. ان “مبدأ الغاية تبرر الوسيلة”الذى تعمل به القيادات الكردية لم يمثل فى يوم من الايام عرفا واخلاقا ومبادى ولا يمكن ان يقود الى تاسيس دولة فى منطقة جغرافية محاطة بعدة قوميات ودول. ترى ماذا تامل وتتوقع القيادات الكردية من تفاعلها مع اسرائيل. انهم بلا شك يعتقدون بنظرية المؤمرة التى تعتبر اسرائيل القوة العظمى فى العالم والتى تتود وتحاول الولايات المتحدة الامريكية ان تنال رضاها وعطفها, بمعنى ان اسرائيل تحكم العالم. ان اسرائيل عملت على نشر هذه النظرية واكدت على سلطتها المطلقة, ونحن صغار العقل والخبرة والتجربة والتعليم وجدنا ضالتنا فى هذه النظرية, وما زلنا نتهافت نحو اسرائيل. لم نتعض بالتجارب التى حلت بالبلدان التى دخلتها اسرائيل, حيث ساعدت وعملت على تمزيق الروابط القومية والدينية والتاريخية, ويتنافسون الدول الكبرى فى تصديرها للسلاح فى المناطق المحرمة.ان اسرائيل لاتخسر شيئا فى الترويج للدولة الكردية, وانما الشعب الكردى الذى سوف يخسر وحدته القومية وروابطة التاريخية والدينية والثقافية وعلاقات العمل مع الشعب العراقى والشعب العربى والدولة المحيطة به.
كانت انتفاضات الاكراد وعصيانهم وحملهم للسلاح ضد الدولة العراقية قد بدأت منذ الثلاثنيات من القرن الماضى, واستمرت بتصاعد رهيب الى يومنا هذا. ان التضحيات بالشباب العراقى العربى والشباب الكردى تقدر بمئات الالاف, ناهيك عن الالام الامهات والارامل واليتامى وخسارة المستقبل والخسائر المادية الضخمة. ان الانتفاضات الكردية المسلحة ضد الدولة العراقية لم يكن لها اى فرصة من النجاح والانتصار حتى لو قدر لها الوصول على ابواب بغداد, وذلك لان قرار انشاء دولة كردية فى شمال العراق, او سقوط الدولة العراقية ليست قضية ترتبط بأمكانيات وقرارات الحكومة العراقية, او بنبل او خباثة وعنجهية اعضاء الحكومة وعنصريتهم, وانما بالدول الكبرى التى وضعت خطط التقسيم, بريطانيا وفرنسا, وليس اخير الدول المجاورة التى تعيش فيها جاليات كردية تقدر اعدادها بالملايين, تركيا وايران, ان الانتفاضات والاعتصامات الكردية المسلحة لم تقدم للشعب الكردى والشعب العراقى سوى المأسى والارهاب والالام كما ان التضحيات التى حصلت منذ بداياتها كانت تمثل عملية تهديم وتخريب لما تم بنائه بشريا وماديا بجهود وتضحيات كبيرة.
ان الاستفتاء الذى جاء بشكل فردى, فى شخص السيد البرزانى, لم يكن حكيما فى توقيته الزمنى خاصة فى اوضاع الحكومة العراقية والحرب القائمة لتحرير المدن العراقية من ارهاب داعش, ان هذا الاستفتاء قد فتح بابا واسعا ومشاكل مستجدة سوى تاخذ زمنا طويلا لتصل الى حالة الايتقرار. ان السيد البرزانى فى توقيته واسلوبه فى ادارة الازمة قد نسف الجسور خلفة وخلق قطيعة بين العرب والاكراد الذى سوف يعمل على تصاعد المشاعر القومية والافكار الشوفينية التى لا يمكن ان تكون فى صالح وخدمة الشعبين, العربى والكردى. ان السيد البرزانى لايمتلك صلاحيات لاتخاذ قرار بالغ الاهمية مثل الاستفتاء والانفصال, لانه منذ بضعة سنين قد تجاوز فترة رئاسة الاقليم التى حددها دستور كردستان, هذا يعنى ان قرار الاستفتاء فاقدا للشرعية وما يقوم على باطل فهو باطل, ان السيد البرزانى قد تصرف كالمعهود من الشيوخ واصحاب التكيات والجماعات الدينية والقومية لتعزيز دوره كوريث شرعى لحكم العشيرة البرزانية. ان العقل الجمعى الكردى ينظر اليه كقائدى قومى تاريخى, انه نفس الوعى والعقل المنحرف الذى ما زال فاعلا.
ان هذه الازمنة الخطيرة يجب ان تجد الحلول الوافية انطلاقا من الدستور والوثائق التاريخية الدولية فى تحديد المناطق الكردية فى مباحثات رسمية واجواء من الاحترام المتبادل. ان استمرار الاكراد فى اطار الدولة العراقية لم يعد واقعيا وغير ممكن وليس ضروريا ايضا. ان السنين منذ سقوط صدام ودور القيادات الكردية فى العملية السياسية لم يكن فى خدمة مصالح العراق وشعبة عربا واكرادا, وكان الهدف المعلن والمتستر يقوم على اضعاف العراق بكل الوسائل, وبذلك فقد كانت جهودهم فى الاستحواذ على حصة كبيرة من الميزانية وبيع النفط والسيطرة على المنفذ الحدودية والمطارات مؤشرات بليغة لانفصام العلاقة بالعراق دولة وشعبا. الا ان سلوك النخب العربية كان سيئا وضعيفا جدا, وكانت كل التجاوزات التى يتم الحديث عنها اليوم لم تكن وليدة الازمنة الجديدة. لماذا لم يقوموا باى فعل ضد ها ومنعها. ان الحكومة العراقية يمكن ان تستفيد من خبرة وتخصصات منظمات خاصة فى القانون الدولى والعلاقات الدولية لتضع تصورات وخطط تنطلق منها فى بناء ستراتيجية للدفاع عن مصالح الشعب العراقى.
ان العراقيين جميعا يأملون وينظرون ان لا تتطور الازمة الى الاقتتال والحرب الشعبية, لان كلا الشعبين قد انهكته الحروب والازمات والارهاب ومن حقه ان يامل ويعيش بالسلام والمستقبل.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب