-1-
ثمة أحداث ليس من السهل أنْ تغيب عن الذهن ، وان بَعُدت بها الايام ..!!
وانها لن تكون كذلك ما لم تحمل صفةً تتميّز عن سائر الأحداث الأخرى التي تزخر بها الحياة …
ومثل هذه الحوادث ، هي التي تنصّب عليها عنايةُ كُتّاب ” المذكرات”، يلتقطونها من بين رُكام هائل من المفردات، التي لاتوازيها أهمية ودلالة … ويتيحُون للأجيال فرصة الوقوف عليها …. ليشارك (الغائبُ) عنها الحاضر، الذي رآها بأمّ عينه، وينتزع منها ما يشاء من انطباعات وملاحظات ….
-2-
ومن هذه الأحداث التي لا أنساها :
التجمع العفوي أمام باب مدرستنا – الأعدادية المركزية في الحلة – أواخر العهد الملكي البائد ، والحديث الساخن بين الفتيان الزملاء عن سلبيات الأمير ” عبد الاله ” – خال الملك فيصل الثاني آخر ملوك العراق –
ولقد كان جليّا ان الرجل لايحظى بايّ لون من ألوان الحب أو التقدير عند عامة الزملاء الفتيان .
-3-
وبعد دقائق ، من ذلك التجمع ، والحديث الساخن ، الذي كان الفتيان يتداولونه عن الأمير … مرّت سيارة الأمير ، وكانت مكشوفة يتاح لمن يراها أن يراه بكل وضوح ، ولم يكن هناك رتل خاص من الحمايات والمرافقين ، واذا بالتصفيق يعلو مقروناً بالهتافات …
وهنا انطلق أحد المواطنين، فسلّم مرافق الأمير عريضة خاصة فأخذها المرافق وانطلقت السيارة وانتهى بعدها كل شيء ..!!
-4-
والعجيب هنا ان الفاصل بين “القدح” و”المدح” لم يكن الاّ دقائق معدودات..!!
كان (القدحُ) سيّدَ الموقف حين كان الأمير (غائبا) ، وأصبح (المدح) سيّد الموقف بمجرد اطلالته ..!!
والسؤال الآن :
لقد مرّ على هذه الحادثة أكثر من نصف قرن من الزمن ، فهل تغيّرت الحال كليّاً عما كانت عليه يومذاك أم أنها باقية بلا تغيير ؟
والجواب :
لقد حصل بعض التغيير ، بفضل تنامي الوعي والثقافة ، وهامش الحرية المتاح ، ولكنّ الازدواجية المقيتة ، لم تُقرأْ لها سورة الفاتحة حتى الآن..!!
انها سرّ الدوّامة الرهيبة من المشكلات الراهنة …
-5-
وأخشى ما نخشاه أنْ ينسى بعض الناخبين العراقيين ، معاناتهم الطويلة، عبر هذه السنوات العجاف، التي أغرقت البلاد بأشلاء الشهداء الأبرياء، من ضحايا الارهاب الغادر وبالفساد والبطالة وتدني الخدمات، ويختاروا الذين كانوا وراء حرمانهم من حقهم في الأمن والاستقرار والحياة الحرّة الكريمة.
-6-
ان ما نسمع به من عمليات بيع البطاقة الانتخابية الالكترونية والأسعار المتصاعدة لها ، لأمرٌ مرعب ،
رغم التحريم البات لعمليات البيع والشراء من قبل المرجعية الدينية العليا..!!
لقد وصل السعر في بعض التقديرات الى (3000) دولار ، بعد ان كان في البداية لايتجاوز ال (300000) دينار عراقي .
-7-
ولا تستغربوا أبداً :
إنْ وجدتم ان بعض من يندّد بعمليات البيع والشراء للبطاقات الانتخابية الالكترونية هو الذي مارس تلك العمليات !!
ان معنى ” الازدواجية ” هو ان تُندّد (نظرياً) ببيع البطاقة الالكترونية ، وتعمد عملياً الى بيعها، دون مبالاة بالضوابط والموازين الشرعية والقانونية والوطنية والسياسية .
ان القويّ حقيقة لايحتاج الى تزوير .
وان اللجوء الى اجتراح المخالفات القانونية هو دليل الضعف والإفلاس اجتماعياً وسياسيّاً .
أما الافلاس المالي فلن يعرفه المفسدون المختلسون المتمرسون بعمليات النهب المنظم للثروة الوطنية العراقية .