18 ديسمبر، 2024 7:42 م

الازدواجية السياسية والعزف على الوتر الطائفي

الازدواجية السياسية والعزف على الوتر الطائفي

العمل السياسي في العراق الحديث محفوف بالمخاطر، التي لا يستطيع مجابهتها إلا من يمتلك شيئين أثنين، اولهما: الصلابة في المواقف وعرض الحقائق دونما خوف أو وجل، وثانيهما: التصدق بأغلى ما يملك أعني: سمعته، فيكون حديث المتردية والنطيحة وما أكل السبع.
والادلة على ذلك كثيرة، ولا مجال لاستدعاء ما تعرض له مذهب دون آخر، من اقصاء وتهميش، وخصوصا بعد الحادث الاجرامي المتمثل بتفجير قبة الاماميين العسكريين عليهما السلام في سامراء، ومجمل الاعتداءات التي طالت المساجد وقتها، وسيل الدماء المنهمر، وعمليات التهجير والابعاد التي كانت كابوسا مزعجا لاهل بغداد.
ولعل آخر ما وصل ألينا عبر الاستهداف السياسي، قضية محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي وصدور قرار بالحكم عليه بالحبس الشديد لمدة ثلاث سنوات، حيث أن المشتكي في القضية المذكورة ديوان الوقف الشيعي.
سنقرأ أبعاد ما حدث تحليلاً وتفسيرا، وايضاحاً لتكون الصورة مكتملة لا لبس فيها ولا غموض.
حين يفشل الاستهداف السياسي..
القوى السياسية العاملة في الساحة الموصلية تكاد تكون معدومة أو انها تعد على اصابع اليد الواحدة، فآل النجيفي كانوا قبل 2003 ولا زالوا رقما صعبا لا يمكن تجاوزه، ودليل ذلك تسيدهم للقوائم الانتخابية في 3 دورات نيابية كانوا الرقم واحد، ما ازعج خصومهم في الداخل والخارج.
واليوم مع قرب موعد الانتخابات في الثاني عشر من أيار، لا زال يعتقد بعض المتنفذين ان الوقت في صالحهم بغية التسقيط السياسي لتكون الساحة لهم وحدهم لا لغيرهم، وحتى إن اضطروا أن يلفقوا الاكاذيب والشائعات، لعلها تصيب الجماهير بمقتل، وتثنيهم عن الذهاب الى صناديق الاقتراع، وهذا وعاه اهل نينوى جيدا، بعد ثلاث سنوات عجاف مرت عليهم كانوا هم الخاسر الاوحد.
ولا يمكن قراءة ما حدث الا بهذا المعنى، حيث سيطبل ويزمر المرشحون ويضيفوا البهار ليصدقوا الكذبة ومن ثم يعيشوها.
البعد الزمكاني في المذكرة..
ما صدر من مجلس القضاء الاعلى كان حادثه ايام تسنم النجيفي مقاليد المحافظة، أي قبل 6 سنوات على الاقل، ولم نسمع حينها لغطاً سياسيا او قضائيا حول الموضوع، في حين ان الامر برمته تحقيقا وبحثا لا يستغرق اكثر من سنة، وتوضع النقاط على الحروف.
أضف الى ذلك الخلل في ترتيب الاولويات لدى المحكمة بين من هو متسبب في سقوط الموصل، و السيطرة على هذا المسجد أو ذاك، حيث عجز المحققون عن ادانة النجيفي فيما جرى للموصل فأنتقلوا الى قضية جديدة، وقد ينتظر ثالثة ليست في الحسبان افتراءا وتبليا أيضاً.
حين تكون الطائفية الحاكم..
بغض النظر عن ايماننا وعدمه من قضية المذهبية وتأثيراتها على المشهد العراقي، يبقى احترام الخصوصية المناطقية حجر اساس للتفاهمات بين هذه المحافظة وتلك، فليس من المعقول أن يسيطر الوقف السني مثلا على عشرين حسينية في كربلاء، محولا اياها الى مساجد تقام فيها الجمعة والجماعات حسب المذهب السني، كما أن عقلاء السنة لا يقبلوا مثل هذا التجاوز ابدا، وبالعكس، ليس من السهولة أن يقبل الموصليون ان تحول مساجدهم السنية الى حسينيات، فاحترام الخصوصية يوجب على الجميع معرفة المكان الذي يتحرك فيه هذا السياسي او ذاك، ناهيك عن (تهميش) دور الوقف السني في الموضوع الذي لم يكن حاضرا في المخاطبات والقضايا التي هي اختصاصه الاصيل.
الحنكة واحتواء الجماهير..
لو أن الخطاب المذهبي المتشنج كان يسود مدينة الموصل منذ 2003 لكان دخول داعش متأخرا في 2014 لكن حكمة من تقلد زمام الامور، وخنقه للاصوات الطائفية كان الفيصل، فقد كانت القوات الامنية من جنوب الموصل تصول وتجول واحيانا تستفز المواطنين ايام الغراوي لكن لغة التهدئة كانت حاضرة بقوة، ولعل المشهد الذي تم تداوله سابقا لملاسنة كلامية بين النجيفي والغراوي يختصر المشهد، لكنه يدل ايضا عن حنكة سياسية كانت ترغب ولا زالت بابعاد الشارع عن الصراع الطائفي.
وختاما:
ملفات تلو ملفات، وقضايا بعد أخرى، يظهر عليها بوضوح طابع الاستهداف السياسي الاعمى البعيد عن الدليل والحجة، وهو ما يجعلنا نضع اكثر من علامة استفهام حول التوقيت والطريقة والآلية التي لا تنطلي على العقلاء الاصلاء من اهل الموصل.
اذا كان اليوم الاستهداف موجها للسيد النجيفي فغدا سيصيب العوائل الموصلية بأسرها، وحينها لا ينفع الندم.