22 نوفمبر، 2024 10:57 م
Search
Close this search box.

الارهاب ودولة الميليشيات

الارهاب ودولة الميليشيات

يبدو أن هناك عملية تثقيف في تحديد هوية الإرهاب، من دون تحديد مفهومه، بحيث ينعكس الفعل الإرهابي على مكون، أو على أمة، فيما تصنف الفعاليات الإرهابية التي يرتكبها الغير في خانات أخرى من مثل الدفاع المشروع، أو الحفاظ على وحدة الأوطان، أو محاربة الأجندات الخارجية، وأعداء الوطن، والأنكى من ذلك، إدعاء محاربة الإرهاب، وهذه العناوين البراقة، في شكلها الخارجي، تبيح إستخدام كل وسائل القتل حتى الإبادة الجماعية.
ومن خلال فزاعة (الإرهاب) يستطيع الحاكم المستبد أن يحصل على الدعم الدولي، بكل أشكاله، العسكرية والإعلامية، ويغض الطرف عن كل المجازر التي يرتكبها بإسم مكافحة الإرهاب، حتى وإن أظهرت الصور منازل لمدنيين عزل دمرتها القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة، بل وصل الحال الى قبول الواقع بمآسيه خوفاً من المساءلة، أو الإتهام الموجه لكل من يعترض منهجية القتل والدمار، ولعل في مرحلة لاحقة يطالب المجنى عليه نفسه أن يهتف بالنصر للطائرات التي تلقي بحممها على أهله وجيرانه، من أجل أن لاتلاحقه تهمة الإرهاب، أو مواده التي لاتقبل النقض.
وبفضل لعبة خلط الأوراق أصبحت السلطة القابضة ضحية الإرهاب ، فيما الشعب المطالب بحقوقه المشروعة، والرافض لديكتاتورية الحاكم، إرهابياً، يستحق القتل، والتصفية عليها، الى حد  أصبح يتردد على مسامعنا مصطلح (الأرض المحروقة)، حيث تتحول مدينة بكاملها الى ركام ترقد تحته جثث الضحايا.
بالتأكيد، هناك إرهاب يقوده أفراد وجماعات وعصابات، لكن أيضاً هناك إرهاب تمارسه الدولة، بإمكانياتها المتعددة، سواء بإنتهاكات حقوق الإنسان، والإعتقالات العشوائية، والحروب العبثية، التي تشنها من خلال قواتها التقليدية، أو من خلال ميليشيات تمنحها الدعم والحصانة ، إضافة الى فرض أشكال من الحصار، كالعسكري والإقتصادي، ونحو ذلك، وبالتالي لابد من إقرار هذا الإرهاب وعدم التهاون معه.
و يبدو أننا إزاء مرحلة جديدة، تضيع فيها ملامح الدولة المدنية، لصالح دولة الميليشيات، التي تمسك في الأرض، وتحدد مسارات النظام السياسي، سواء بالدمج أو الحشد أو أي مسمى آخر، وهذا النوع من الميليشيات غير محكومة بقانون، فهي مطلقة اليد لإرتكاب المجازر، وإعتقال الناس طائفياً أو حزبياً، أو إختطافهم وتصفيتهم لاحقاً ، ثم يأتي الإعلان الرسمي لنتائج التحقيقات بتقييد جرائمها ضد مجهول، برغم أن فعاليتها تجري تحت الأضواء الكاشفة، وقرب الأجهزة والقوات الأمنية، بل في أحيان كثيرة تتحرك بسياراتها وبزاتها أيضاً، ما يجعل الناس يتعاملون مع هذه
القوة على أساس المظهر الذي تبدو عليه.
وهذا ما أعترف به أحد قادة الميليشيات، صراحة ومن دون وسائل إكراه كالتي يتعرض اليها المعتقلون بتهمة 4  إرهاب، من الطرف الآخر، حيث قال لصحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية :”إن جميع المقاتلين يرتدون زي الجيش العراقي، مما يجعل عناصر الميليشيات والجيش النظامي لا يمكن تمييزهم من المدنيين، لكن عملياتهم تختلف”. 
ولم يكتف بهذا، بل أكد أنً “حالنا حال ايّ جيش، فهناك فرق ضمن قواتنا، وكل فرقة لها اختصاصاتها”، مضيفاً أن “الجيش يمتلك القوة المدفعية والطيران ونحن لدينا المقاتلون الذين ينزلون الى الارض ويطهرون المناطق”، مشيراً الى أنه “اضافة الى رسم ستراتيجية الخطط العسكرية جنباً الى جنب مع قادة الجيش، فإن قواتنا  تساعد ايضا في تدريب المتطوعين”.
قائد ميليشيات آخر، لم تنقصه الصراحة، عن سابقه، لكنه أعطى معلومة تستحق النظر، حيث قال للصحيفة نفسها     ، أن : “الجيش لديه تكتيكات تقليدية قديمة على الارض فهم لا يطلقون النار حتى تأتيهم الاوامر”، مشيراً الى أن “تكتيكات تنظيم داعش والتي من ضمنها استخدام السيارات المفخخة والقناصين ملائمة أكثر لحرب المدن ونحن نستخدم ستراتيجيات القتال نفسها التي يستخدمها داعش ولهذا السبب حققنا النجاح”.
ومن خلال هذا النص يدرك أي قاريء بتجرد، أن الإرهاب يمارس الأدوات نفسها، بل هناك إقرار بتبادل الخبرات بين داعش والميليشيات، والمستهدف طبعاً المواطن والوطن، لكن الكارثة عندما يجري التفخيخ هنا تحت غطاء حكومي، وعليه لابد من التحقق مستقبلاً من الجهة التي تفجر عن بعد أو بعمليات إنتحارية قبل إصدار الأحكام المسبقة، بشهادة هذا القائد الذي أثبت أن الإرهاب واحد وإن إختلفت الوجوه. 
ولعل لهذه الأسباب ، وللشواهد الأخرى، وصفت صحيفة الغارديان البريطانية، جرائم الميليشيات ، بانها ليست اقل سوءا من افعال ما يعرف بتنظيم (داعش) ، ناقلة عن قائد ميليشياوي قوله : “أن الميليشيات  تحظى بالدعم من مكاتب التعبئة التابعة للحكومة، الى حد ان كل 20 فردا بامكانهم ان يشكلوا كتيبة او لواء لكي يحظون بذلك الدعم”.
  وأضاف، أنه  لم يعد بالامكان بعد الآن الاعتماد على الجيش العراقي في الإمساك بقرية واحدة ، موضحاً انه لا يجوز مقارنة خبرة مقاتلي الميليشيات بعناصر الجيش، فهم يتمتعون بخبرة قتالية عالية تمتد الى 11 عاما ، كما انهم تلقًوا ما لايقل عن ثلاثة دورات تدريبية خارج العراق في معسكرات حزب الله في لبنان ، و ايران ، و ان كل دورة منها لا تقل عن شهرين.
الأغرب من كل ذلك، أن الدماء التي تسفكها الميليشيات، لاتحجب قادتها عن تبوء المناصب السياسية، برغم أننا منذ 2003 كنا نسمع أن لاتصافح مع من تلطخت أيديهم بالدم العراقي، لكن لعل الدم هو الآخر يخضع لمنطق الطائفة والمكون.
وإزاء هذا الطرح، يتأكد لدينا أن الخطى تتجه بسرعة نحو بناء دولة الميليشيات، وإضعاف دور المؤسسة العسكرية أسوة بما يجري في دول المنطقة كسورية ولبنان واليمن، والحبل على الجرار.
أخيراً، لابد من تحرك سريع لتفادي المنزلق الذي يهدد كيان الوطن ووحدة أرضه وشعبه، يعتمد على وضع مفهوم دقيق للإرهاب بحيث لايحدد بجهة واحدة أو مكون، ويضع الميليشيات وداعش ومن لف لفها في قائمة الإرهاب.

أحدث المقالات