ان مفهوم الارهاب بات يتردد على كل لسان مهما كانت اللغة التي يفكر من خلالها او يتحدث بها، فثمة ألحاح لا يقاوم ينتاب جميع المجتمعات على مناقشته وتحليل عناصره وتوجيه الاتهام واصدار الاحكام، بالطبع كل طرف من زاويته الخاصة، الى حد ان المفهوم الواحد او الذي يفترض انه واحد بات له اكثر من معنى بل عشرات المعاني التي تختلط وتتضارب وتتناقض تبعاً للمصلحة او طبقاً للاهواء.
ورغم كل شيء، ما زال الارهاب حتى الان مفهوماً غامضاً غائماً يبحث عن تعريفه، لا يعني هذا ان الاجتهادات قليلة، على العكس من كثرة الاجتهادات التي زادت عن (كذا) اجتهاد، ضل المفهوم طريقه الى تحديده، بل يمكن القول بغير قليل من الثقة، ان الامم المتحدة نفسها فشلت مثلما عجزت سالفتها عصبة الامم عن ان تتوصل الى تعريف يحظى بالقبول العام.
فما هذا الذي يسمى ارهاباً اذن؟ هل هو مجموعة من اعمال العنف التي ترتكبها مجموعات ثورية؟ ولكن ما اسم تلك الاعمال التي تقوم بها مجموعات غير ثورية او مضادة للثورة اذا لم تكن الثورة تعني شيئاً آخر غير التغيير الجذري التقدمي في بنية المجتمعات؟
أفهل هو استخدام للعنف او للرعب من اجل تحقيق اهداف سياسته؟
ولكن هذا تعبير مطاط ينطبق على كل شيء، على الثوري وعلى المضاد للثورة وعلى النضال ضد العدوان في الوقت نفسه.
لا ينبغي ان نمضي في دوامة التعريفات المراوغة بغير حد، فمهما تعددت هذه التعريفات وعبرت عن وجهات النظر المتباينة، فالامر لا شك فيه، ان هناك خلطاً متعمداً ومقصوداً تفتعله الدوائر الامريكية والغربية والاسرائيلية… بين مفهومين – الارهاب وحركات التحرر الوطني.
لقد اضحت اعمال المقاومة السياسية العنفية تسمى اليوم في لغة وسائل الاعلام الامريكية والغربية.. بالاعمال الارهابية، واصبحت ظاهرة من اهم ظواهر العصر، وعنصراً هاماً من عناصر العمل السياسي الوطني.
كما انه لم يعد سراً ما اقدمت عليه هذه الدول ومنذ سنوات من انشاء اجهزة خاصة لمقاومة عمليات هذه المقاومة التي تنفق عليها الملايين من الاموال.
ولكن هذه الاجهزة التي تتعاون فيما بينها لم تستطع حتى الآن القضاء على اعمال العنف السياسي في العالم بل ان هذه الاعمال ازدادت نشاطا ، واعمالهاعنفا وتدميراً. ومن يدري، فقد يأتي يوم يتسع فيه نطاق نشاط الارهاب الدولي ليهدد مدناً بكاملها باسلحة غير تقليدية… وتصبح اجهزة الامن عاجزة عن تدارك هذا الخطر الذي يزداد قوة وعنفاً كلما ازدادت وسائل مقاومته. ولعل الوقت آن كي تبدأ الدول المهددة من قبل هذه الحركات بالتفكير جدياً بتغيير اسلوبها في التصدي بل بتغيير تفكيرها ونظرتها الى هذه الظاهرة التي تطلق عليها اعتباطاً
لأراحة ضميرها اسم (الارهاب)، وبهذا الموقف تتجاهل الدول المعنية بهذا الارهاب بعض الحقائق ذات الصلة المباشرة بقضايا التحرر الوطني.
بعض علماء النفس والاجتماع والسياسة عكفوا على دراسة ظاهرة الارهاب او العنف ولا سيما ذات المنطلق السياسي والعقائدي، فتبين لهم ان وراء هذه الظاهرة اسباباً عديدة اهمها تتمثل في:
1- سياسة امريكا الخارجية.
2- الظلم الاجتماعي والتفاوت الطبقي .
3- اهتراء القيم التقليدية وسيطرة الاباحية وحضارة الاستهلاك ولا سيما في اوساط الاجيال الجديدة.
4- ظهور الحركات الدينية والعنصرية .
فبالنسبة الى السبب الاول، فان هؤلاء العلماء يقولون، بأن امريكا في حرصها على دعم الانظمة السياسية القائمة في بعض مجتمعات التخلف والقفز تأميناً للاستقرار السياسي المفيد لمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية اصبحت العدو رقم واحد لكل حركات التحرير والثورة والتقدم في بلدان هذا العالم.
ان امريكا لم تنتظر دراسة هؤلاء العلماء لتعرف مدى ما يسببه تأييدها الاعمى لسياسات بعض البلدان الدكتاتورية والمنفذة لمصالحها… ولكن المشكلة هي انها لا تستطيع التخلي عنها او اجبارها على تغيير سياساتها الداخلية.. لذلك تجد امريكا نفسها مضطرة الى اتباع سياسة اخرى للدفاع عن مصالحها في بعض مناطق العالم الاستراتيجية… الا وهي سياسة الترغيب والترهيب وارسال الاساطيل وتقديم المساعدات العسكرية او الاقتصادية للانظمة والحكومات الصديقة والبقاء في موقع المدافع عن النفس والمعادي لكل الحركات الوطنية والتقدمية التي تعرف امريكا انها تتجاوب مع اماني الشعوب وتشكل السد المنيع الوحيد في وجه الصراع الطبقي والخطر.
صحيح ان الاعمال الارهابية مهما كان مبررها ليست افضل وسيلة للدفاع عن الحق او لاستعادته ولكن الظلم المتمادي ولا سيما عندما لا يجد ضحاياه اي مجال لرفعه عنهم يؤدي بهؤلاء الضحايا الى سلوك هذا المسلك.
واذا كانت امريكا والبلدان المتحالفة معهما انشأت اجهزة دولية لمقاومة الارهاب والعنف في العالم التي باتت تستخدم الادمغة الالكترونية لرصد تحركاته واعتقال اصحابه فانه من الافضل لها انشاء اجهزة علمية لدراسة اسبابه وجذوره والعمل بالتالي على القضاء على هذه الاسباب بدلاً من التشدد والتفنن بها في معالجة النتائج.
وقد يكون ذلك صعباً لكنه ليس بمستحيل لانه الحل الافضل بل الوحيد لوضع حد لحركات الارهاب والعنف السياسي.
كما ان اقامة نظام اقتصادي دولي عالمي جديد يوازن بين مصالح البلدان الصناعية وحاجات الشعوب والبلدان النامية، هو الحل الافضل لوقف مد الحركات الثورية والعنفية .