يمثل الإرهاب اليوم التحدي الأخطر الذي يواجه العالم بأسره شعوباً وحكومات، ولقد دخلت المنظومة الأمنية الدولية في منعطف خطير، بعد أن أخذ الإرهاب طابعه الأممي فهو لا يميز في قسوته بين الضحية والجلاد، ولا يستثني من إجرامه قومية أو طائفة أو عرقاً وله صور وتشكيلات عديدة، فمنه ما كان ناشئاً عن التعصب في فهم العقيدة، وآخر ما هو ناتج عن الاعتزاز المفرط بالقومية، ووجه قبيح آخر له هو الإرهاب السياسي، ومن الظلم بمكان أن يتهم به دين أو قومية أو طائفة بعينها.
ويتوجب على من يضع الخطط والاستراتيجيات في مراكز الدراسات والمنظومات الأمنية وصناع القرار في التعامل مع هذا الملف الشائك ألا يغفلوا عن نقطة بالغة الأهمية وهي كيفية نشوء وتطور الإرهاب.
وسنتناول اليوم جانب الإرهاب تحت غطاء الدين:
فهل هو فكر مريض اجتزئ من قبل جهلة بالدين ولا تكتمل العقيدة ولا التعبد إلا به؟ أم هو ردة فعل لمريض؟ بعد أن خرجت أعراضه عن طورها وتدفع بالمريض من شدة الألم الذهاب إلى أقرب حل وهو الانتحار! وكل ذلك ناتج عن تشخيص خاطئ وعبث لمشرط الجراح الذي زاد من معاناة المريض والمتمثل بالضغط الدولي والظلم الذي مورس من قبل الدول المتحكمة بمقدرات العالم والشعوب المضطهدة أساساً وبإسناد من عملائها.
ولقد حاولت تلك الشعوب وبشتى الطرق تحمله ودفعه لكنها عجزت عن إيصال أنينها وصراخها إلى آذان الطغاة، التي أصابها الصمم، مما ساعد على نشوء طبقة منحرفة استغلتهم فلوت عنق النصوص وفسرته، ووظفته ليكون متنفساً يأخذ ظاهراً الطابع الشرعي في الانتقام، وردة الفعل العنيفة وقدمته كحل لطبقة عريضة مظلومة تقطعت بهم السبل في استرداد حقوقهم أو إدانة جلاديهم بالقوانين الدولية المسخرة جلها لحماية الأقوياء. فكان تطبيق مبدأ القصاص حسب مفهومهم الشرعي هو الغاية والوسيلة أو ما يقابله بالإرهاب حسب التوصيف الغربي له.
إذن نحن اليوم أمام معضلة كبيرة ومفترق طريق ومعسكرين كل له تفسيره للإرهاب، فالمعسكر الغربي، للأسف لا يريد أن يعترف بشناعة وفداحة تصرفه واستعلائه واستخدامه القوة المفرطة في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، مما أدى إلى هذا الاحتقان والهيجان الذي خرج عن السيطرة. وهو مغمض العينين تحت إمرة وقيادة الماسونية العالمية وقد أشاح بوجهه عن التحاور والرجوع إلى منطق العقل والمباشرة بإصلاح ما تم الإخلال به من خلال طرحه لديمقراطيات زائفة وثورات مصطنعة وهو مازال مصراً على خطئه ومتنصلاً من دوره الأخلاقي ومتهماً زوراً الدين الإسلامي والمسلمين والعرب بأنهما سبب الفوضى ومصدر الإرهاب العالمي ولا يريدون أن يعترفوا بأن سياستهم المنحرفة وقادتهم غير المؤهلين لقيادة العالم هما سبب انهيار المنظومة الأمنية العالمية. وهنا مكمن الخطر، إذ ليس من الإنصاف أن يتم تحميل مليار ونصف المليار مسلم، أي ربع سكان العالم، أخطاء قادة الدول العظمى واتهامهم لضحاياهم بالإرهاب!
أما المعسكر الثاني فهو معسكر الأغلبية العظمى من العالم الإسلامي الذي يختلف تماماً في تفسيره للإرهاب، فهو دائماً ما يصرح بأنه يدين الإرهاب ويتبرأ من أتباعه ويؤكد أنه لا يمت للدين وبكل طوائفه ومذاهبه بصلة بل حرمت بشكل صريح النصوص القرآنية ذات الصلة على قتل النفس البريئة بغير نفس.
إذن لو كان الإرهاب، كما يدعون ويتهمون به الإسلام، فكراً ونهجاً أصيلاً دعت إليه الشريعة وله ما يبرره ويدعمه من نصوص، لانضوى تحت مظلته الكثير من علماء وعقلاء ومفكري الأمة ولتبعه عشرات الملايين من المسلمين ولما بقي محصوراً في جحور محددة، بل إن المناطق التي تئن تحت حكمهم وقعت بين المطرقة والسندان، ولم تتبعهم مغرمة بل مرغمة بتهديد السيف وقطع الرؤوس، وهي تعاني الأمرين من تخلفهم وجهلهم من جهة، واجتماع العالم على معاقبتهم دون ذنب اقترفوه سوى حظهم العاثر الذي جعلهم تحت سطوتهم. فالفرق والبون بين المعسكرين كبير، فتفهم مفكري وعلماء العالم الإسلامي وتعريفهم للإرهاب وتصديهم له وفضح فكره المنحرف أوقف تمدده وزحفه وتفادى شرره وهو الآن في مرحلة الاحتضار الوجودي بعد أن دفن كفكر مريض منحرف، لكن ربما سيستعيد نشاطه كأعراض مرض ما لم يوقف الغرب ظلمه ويكف عن الكيل بمكيالين. أما الإصرار على التفسير الخاطئ للإرهاب من قبل المعسكر الغربي واستمراره بمعاقبة الشعوب الإسلامية دون تمييز، فهو الذي أدى إلى زحف الإرهاب إلى عقر دارهم، وما لم يرجع المعسكر الغربي عن غيه ويغير من نهجه فستدخل المنطقة والعالم في فوضى جديدة يتبعها انتقال وضغط الإرهاب في دولهم تباعاً، مما سيقودنا حتماً إلى حرب عالمية ثالثة قد تعيدنا إلى العصر الحجري أو ينتهي بها الوجود البشري