26 نوفمبر، 2024 1:41 م
Search
Close this search box.

الاديان …. واشكالية التطور..

الاديان …. واشكالية التطور..

يمكن تعريف الدين على انه حركة تصحيحية تضع نظريتها السماء تتلائم مع ظروف عصر ومرحلة تمر بها الانسانية.. وهو مجموعة من الاجابات التي تفسر علاقة البشر بالكون ..او كما عرفه عالما الانثربولوجية موناغان وبيتر جست (بانه مجموعة من الافكار المجددة والقيم والتجارب القادمة من رحم ثقافات الامم والشعوب يحاول مساعدتنا على التعامل مع مشاكل الحياة البشرية الهامة) . وقد تستطيل هذه الافكار والمفاهيم لعصور عدة مادامت البشرية تعيش نفس الظروف الاجتماعية والفكرية لعصر التنزيل اما اذا اصبح هناك بون شاسع بينهما فيجب ان يتحول الدين الى تراث انساني ومنظومة قيمية ذات مبادئ غير ملزمة للفرد يستذكر ويمارس بين جدران المعابد وينعكس الايمان به على سلوك الفرد في المجتمع من خلال تجسيد مفاهيمه السامية على ارض الواقع مع الاخرين ..كقول النبي محمد(ص) حين سئله احد المسلمين عن ماهية الدين فقال (الدين المعاملة).. اي انه الاثر الانساني الذي يتركه الفرد على المجتمع الذي يعيش فيه ويكون هذا الفعل مصاحبا للايمان بثوابت الدين والتي تمثل المدخل الرئيسي لكل الشرائع السماوية وقد حددها الفيلسوف ابن رشد في كتابه (الكشف عن مناهج الادلة) بجموعة من الاطر فقال ..على كل انسان الالتزام بالمبادئ الاساسية للدين والتي هي ..اولا ..وجود الله كصانع ومدبر للعالم ..ثانيا ..الوحدانية وعدم الاشراك به ..ثالثا ..الايمان بصفات الكمال السبعة لله وهي (العلم ؛ الارادة؛ الحياة ؛ القدرة ؛ السمع ؛ البصر ؛ الكلام ).. وهنا ينحصر دور الدين ويحدد ضمن هذه الاطر الاخلاقية لذا فان المشكلة تكمن الان هي في محاولة البعض زج الدين في كافة ميادين الحياة ومنها السياسية وتسقيط عصر التنزيل على كل العصور والازمنة اللاحقة مما احدث شرخ كبير بين النظرية والتطبيق وأسيئ للدين عن قصد او غير قصد من قبل الكثير من المنظرين والدعاة ورجال الدين من خلال محاولتهم تطبيق اساليب القرن الاول الهجري في ادارة مفاصل الحياة في وقتنا الحاضر وهذا شئ مخالف للعقل والمنطق كون كل زمان له ظروفه ومعطياته الخاصة به تحكمها عوامل التطور الفكري والاقتصادي والانساني ..كقول علي بن ابي طالب ..(لا تربوا ابنائكم على اخلاقكم فقد ولدوا لزمان غير زمانكم )..وقد احدث اصرار الكنيسة الكاثوليكية ابان العصور الوسطى على فرض مفاهيمها المتخلفة والرجعية للدين على المجتمعات الاوربية الى حدوث ردة فعل عكسية جعلت الناس ينفرون منه وتمثلت ردة الفعل هذه بظهور عصر التنوير في القرن الثامن عشر كجزء من عصر العقلانية الكبير الذي اسس لقيام النظام الشرعي للاخلاق والمعرفة بدلا من الدين ..فعندما تحرر الانسان من اشكالية النص المقدس والذي هو بعيد كل البعد عن ماجاء به المسيح بالخطوة الجريئة التي اقدم عليها الراهب الالماني مارتن لوثر (1483-1546) وحرقه لصكوك الغفران التي كان يرسلها بابا الفاتيكان لتباع على الفقراء من الناس ليضمن غفران خطاياهم ودخولهم الجنة من خلال رسالته الشهيرة والمؤلفة من 95 فقرة والتي اسماها (لاهوت التحرير في الحل من العقاب الزمني للخطيئة)…عندها دق اول مسمار في نعش التسلط الديني على المجتمعات الاوربية وبمرور الزمن تحول الدين الى تراث انساني وفكري لايتعدى مداه جدران الكنائس..السؤال هنا ..هل ان مجتمعاتنا الاسلامية بحاجة الى استنساخ التجربة الغربية وهل نحن قادرون على تحويل الاسلام من دين يحاول المتمسكون به او المدعون ذلك ان يتحكموا بمقدراتنا وارواحنا وارزاقنا الى منظومة فكرية وانسانية تعمل على بناء الانسان روحيا واخلاقيا وسلوكيا بما يتلائم مع متطلبات العصر الحالي بدلا من ان يسعوا ليصبحوا حكاما للشعوب وقيامهم بتحويل العالم الاسلامي الى نهر من الدماء ممتد من الصومال الى اسيا الوسطى مرورا بالعراق وسوريا وما يشهده من حاله تشويه للاسلام وعمليات اجرامية يندى لها جبين الانسانية.

أحدث المقالات