23 ديسمبر، 2024 11:41 ص

الادعاء العام وقضية السيد بهاء الاعرجي

الادعاء العام وقضية السيد بهاء الاعرجي

صرح السيد البيرقدار في الأحد 9 آب 2015، بان الادعاء العام يوعز بالتحقيق في التهم المنسوبة الى بهاء الاعرجي، وبعدها بأيام ظهر السيد بهاء الاعرجي وهو جالس في مكتب السيد محمد الجنابي رئيس الادعاء العام وكأنه زائر والسيد رئيس الادعاء العام يجلس امامه، وعرضت قناة البغدادية صور اللقاء، ولنا على ذلك عدة استدراكات نتناولها في ادناه:
الاستدراكة الأولى: عدم مراعاة اعتبارات شعبية ووطنية:
الاستدراكة الثانية: عدم مراعاة اعتبارات ونصوص قانونية:
الاستدراكة الثالثة: عدم مراعاة اعتبارات ونصوص دستورية:
الاستدراكة الأولى: عدم مراعاة اعتبارات وطنية تتعلق بشعب يتظاهر ضد الفساد:
أن ما نشهده هذه الأيام في العراق من اعتصامات ومظاهرات من الشعب ومن احتجاجات ضد الفساد بسبب الأحزاب السياسية والدينية واتهام القضاء العراقي بأنه قضاء مسيس، والمناداة بهتاف الشعب يريد تطهير القضاء، وهذا المشهد كان من المفترض مراعاته وعدم القفز على ارادته، لا ان نظهر السيد رئيس الادعاء العام وهو يستقبل متهمين بالفساد استقبال برتوكولي تشريفي بعيدا عن أجواء الاتهام التي يتعرض لها أي شخص نسبت اليه اتهامات بسيطة، ويعطي انطباع عام بان هناك تغافل لمناداة المرجعية الرشيدة بمحاربة الطبيعة المتجذرة للفساد والتحذير من خطر يهدد بـتقسيم البلاد، والذي كان بسبب سوء أداء السياسيين العراقيين وبالنتيجة حًرك تظاهرات شعبية حاشدة، وبخاصة، أكدت المرجعية مرتين بإصلاح القضاء، ويعتقد الشعب، خروج السيد رئيس الادعاء العام بالكيفية التي ظهر بها مع المتهم بهاء الاعرجي، يعد تجاوز على المطالب وعدم مبالاة بما يجري من مظاهرات.
أن الشعب والقضاء ليسوا يد واحدة، ويجب ان يكونوا يد واحدة كما في بقية الدول المتحضرة، لان تلك الدول اكدت ان لا حصانه لمزور ولا مزايا لفاسد ولا احترام لمرتش.
لا بد ان يقوم القضاء بمهمة محاربة الفاسدين، وسرقات المال العام في العراق جاء قسم كبير منها في صورة إجراءات قانونية ودستورية خاطئة ومشينة، مئات المليارات في الخارج، ومثلها بالداخل، والشعب العراقي يقف يتفرج مثل صائم يرى ما لذ وطاب أمام عينه ولا تطوله يداه، والسيد بهاء الاعرجي عليه اتهامات ان صحت فهي تعد من التهم الخطيرة التي لا يجوز التهاون في الوصول الى حقيقتها ومن ثم الظهور للشعب الذي يتظاهر للمطالبة بمكافحة الفساد وتحسين الخدمات وسط درجات حرارة فاقت الخمسين، وتبيان له ما وصلت اليه تحقيقات الادعاء العام وهذه الإجراءات تعد ملامسة من الادعاء العام لإرادة الشعب الثائر ضد الفساد، لاسيما ان الحفاظ على استقرار وأمان وحصانة العدالة العراقية هدف مطلوب للشعب العراقي، فاذا لم يسارع الادعاء العام  بمحاربة الفساد بفعالية وضمن اطر ومعايير مهنية يعلوها قيام دولة عراقية مؤسساتية نزيهة، فسيبقى مطلب الشعب كما هو ولن يسكت الشعب على الاستخفاف بمطالبه.
فهل يا ترى ستشهد الساحة السياسية صولة جبارة من الادعاء العام على جرائم الفساد المالي والإداري والخروقات والانتهاكات اليومية للقانون والدستور، بعد ان بات العراق يتذيل أسفل قوائم المنظمات الدولية المعنية بالفساد والبنية التحتية الخدمية والانسانية؟ وهل سيكون الادعاء العام بمستوى طلب المرجعية والشعب؟
الاستدراكة الثانية: عدم مراعاة اعتبارات ونصوص قانونية:
من تدقيق كتاب السيد بهاء الاعرجي مؤخرا المرسل الى رئاسة الادعاء العام وهيئة النزاهة وهامش السيد رئيس الادعاء العام نجده مخالف لأبسط الأطر القانونية المفترض اتباعها مع أي متهم وجهت اليه ارتكاب جنحة بسيطة او مخالفة.
والقضاء يستلزم وجود طرفين متنازعين:
 الأول: هو المجتمع أو الدولة التي تطالب بحق المجتمع في معاقبة الجناة.
 والثاني: المتهم الذي أُسند إليه ارتكاب الجريمة.
 لذا فإنه يلزم المجتمع أو الدولة أن تُعيّن شخصاً يمثّلها في الخصومة الجنائية، حتى يصدر الحكم القضائي الذي يحفظ للدولة هيبتها، وللجماعة حقها وهذا الشخص الذي يطالب بحق الجماعة أو الدولة أمام القضاء هو الادعاء العام، وهو جهاز قضائي رقابي متخصص لحماية المال العام ومراقبة المشروعية وحسن تطبيق القوانين لحفظ الحقوق، وصيانة الحرمات، هذه الواجبات تجعل من جهاز الادعاء العام ان لا يحابي المتهمين من خلال استضافتهم في المكاتب واستقبالهم بصيغة ضيوف وليسوا متهمين بارتكاب جرائم جنائية خطيرة، والتي مكّنت لجماعات الفساد، التي أصبحت في عملها أقرب إلى الميليشيات، بل إنها لا تختلف في عملها الإجرامي عن الجماعات الإرهابية؛ من ان تصول وتجول في البلاد، وأوجد طبقة جديدة من الأغنياء وأصحاب المصالح، ذات ارتباطات خارجية، ان استقبال رئيس الادعاء العام لمتهمين بالفساد بصفة ضيوف؛ اعطى رسالة سلبية للشعب بان القضاء عامة والادعاء العام خاصة غير جاد في محاربة سياسيي العراق الفاسدين الذين استفادوا من الفساد لتحقيق النفوذ والثراء، والادعاء العام لا يبدو متفقا ومتناسقا وخادما لمطالب المتظاهرين.
وتذكيرا؛ أوضح البيرقدارفي2014-09-28 وعلى موقع السلطة القضائية انه، تتكون مبادئ بانغلور من 6 بنود اولها الاستقلالية، ويقول بيرقدار بأنه “يتعين على القاضي ان يتخذ القرارات عن قناعته ووفقا للقانون ودون تأثير من أحد من زملائه او الجهة الادارية التابع لها كذلك تفرض بنود بانغلور ان يُدعم القاضي ويجسد استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية والتنفيذية” وأوضح البيرقدار “مبدأ جوهرياً لأداء وظيفة القاضي بطريقة سليمة ويتعين عليه ان يقوم بواجبه دون محاباة او تحيز لأحد كي يحافظ على ثقة المواطنين بالقضاء ..”.وبين البيرقدار ان “المبدأ الخامس هو المساواة اذ يفترض على القاضي ان ينظر الى اطراف القضية دون اي تمييز وان لا يبدي تحيزا او تحاملا تجاه اي شخص او جماعة بتصرف او كلمة”.
هذه المبادئ وردت على موقع السلطة القضائية، فهل يا ترى تم تطبيقها عندما استقبل السيد رئيس الادعاء العام السيد بهاء الاعرجي وهو المتهم باتهامات خطيرة ان صحت؛ تضعه في خانة رموز الفساد؟
ان  الصور التي ظهرت على الفضائيات وهي تظهر استقبال رئيس الادعاء العام المتهم بهاء الاعرجي بالكيفية التي ظهرت، فيها مخالفة لروح ونص قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ وفيه تجاوز على اهداف قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 المعدل النافذ؛ لذا كان لزاما على الادعاء العام ان لا يعرض على الأقل هذه الصور وان لا يسمح أصلا بالتصوير، حفاظا واحتراما لحقوق المتظاهرين، وقد نفترض حسن الظن ونقول ان التصوير تم خارج إرادة السيد رئيس الادعاء العام وتم لتحقيق أغراض سياسية، وتلك أيضا مؤسفة، لان الزائر متهم والقرار والإدارة محصورة بالسيد رئيس الادعاء العام، ووفق الطبيعي ضمن المنظور الجزائي؛ ان يكون هناك امر قبض لأنها تهم جنائية خطيرة، فانا كاتب المقال تم اصدار امر القبض وحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لي بسبب مخالفة إدارية خارج اختصاص نصوص القانون الجزائي.
والقاضي مطالبا بالتقريب بين العدالة القضائية والعدالة الحقيقية بما يحقق الإنصاف والمساواة بين الخصوم، وعلى نحو يتفق مع أحكام القانون وإملاءات الضمير، والقاضي المهني الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، يعامل المتهمين بصورة متساوية، ولا يعير أهمية لأي مسؤول حتى لو أدى الى عزله بسبب رفضه أمر مسؤول كبير فإنّ هذا عزل تشريف للقاضي الذي يرفض أن تكون هناك سلطة فوق القضاء.
ونختم استدراكنا هذا بقول لاحد الفقهاء: (فإذا خص القاضي أحد الخصمين بالدخول عليه، والقيام له، والإقبال عليه، والبشاشة له والنظر إليه، كان ذلك دليل على حيفه وظلمه، لأن في تخصيص أحد الخصمين لدى القاضي مفسدتين، أحدهما: طمع الخصم المخصص في أن تكون الحكومة له فيقوي ذلك قلبه وجنانه.
والثانية: يأس الخصم الآخر من عدله فيضعف قلبه وتنكسر حجته.
الاستدراكة الثالثة: عدم مراعات اعتبارات ونصوص دستورية:
ومن المبادئ التي يقوم عليها حق الدفاع أن يتساوى الخصوم في حق الدفاع، فلا يُعطى أحدهما حقه في الدفاع عن دعواه، ويُحرم الآخر من هذا الحق، والمساواة بين الخصمين بصرف النظر عن اختلاف مكانتهما أصل مهم من أصول الدستور وقاعدة امرة في تحقيق العدالة الاجتماعية.
ما يُعد حق الدفاع حقاً مقدساً يهدف إلى تحقيق المساواة في المراكز الإجرائية بين الخضوع أمام القضاء، وحيث تختل هذه المساواة تختل فكرة العدالة ذاتها، ويؤدي هذا الاختلال إلى عواقب وخيمة على المجتمع، لأنه يجعل قواعد القانون الموضوعي التي تنظم العلاقات بين الأفراد في المجتمع عبثاً لا فائدة منها.
ونعتقد جلوس السيد بهاء الاعرجي وهو متهم بتهم الفساد المالي بالطريقة التي ظهر فيها ينسف مبدأ المساواة، والدستور والقانون يؤكدان لا أثر للقرابة والنفوذ والجاه في المحاباة أو المجاملة على حساب المساواة، وحتى يتمتع كل خصم بالمساواة أمام القضاء، فإن يُلزم القاضي بضرورة مراعاة ما يؤدي إلى ذلك من إجراءات وأمور تستوجبها الخصومة القضائية، ويرد ذلك في ضرورة التسوية بين الخصمين في طريقة استدعائهما، والاستماع إليهما، وتمكينهما من إبداء دفاعهما بحرية تامة من غير تمييز بين الضعيف والقوي، أو بين المغمور وذي الجاه والنفوذ، وفي هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:”من اُبتلي بالقضاء بين المسلمين فل يساوي بينهم في المجلس، والإشارة، والنظر، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر”.
وهناك مقولة رائعة لاحد القادة الغرب قال فيها(هزيمة جيش بالميدان اهون علي من تسيس القضاء….).
فإذا كان من المناسب محاكمة الجريمة بحسب مقتضيات العدل، ينبغي معاملة المتهم والمجرم بحسب مقتضيات المساواة والطيبة والصرامة، ولا يعني هذا أن نكون متساهلين مع المتهمين والمجرمين.
فمن القضاة من يشبه صاحب إياس بن معاوية؛ فقد روى المعافى بن زكريا في «الجليس الصالح الكافي»: «دخل إياس بن معاوية الشام وهو غلام، فقدم خصمًا له إلى قاضٍ لعبد الملك بن مروان، وكان خصمه شيخًا صديقًا للقاضي، فقال له القاضي:
يا غلام، أما تستحي أنْ تقدم شيخًا كبيرًا؟!
قال إياس: الحق أكبر منه.
قال له: اسكت.
قال له: فمن ينطق بحجتي إذا سكت؟
قال: ما أحسبك تقول حقًا حتى تقوم!
قال: أشهد أن لا إله إلا الله.
قال: ما أظنك إلا ظالمًا.
قال: ما على ظن القاضي خرجت من منزلي».
وعلى رئيس مجلس القضاء الأعلى صاحب المعرفة القانونية الرصينة والتي انتجت كتب لا زلنا ننهل منها معرفة وعلما، أنْ يبرهن للناس أنه لا سلطة على القضاء، ولا يكفي الكلام المجرد، وعليه أنْ يكون رقيبًا على تصرفات القضاة كي يكونوا واجهة مشرقة مشرفة، وعليه أن يوقف من لا يستحق القضاء غير آبه بقول أحد أو غضب مسؤول.
وعلى رئيس الدولة العراقية، أن يوقف من يريد أن يتسلط على القضاء؛ لأنه يزيل هيبة قرار ولي الأمر، وينقض عرى العدل، وعلى القضاة الاجلاء الشرفاء أن يعرفوا مقدارهم، وأنه لا وزير ولا أمير يستطيع أن يفرض عليه شيئًا.
وللتذكير؛ يؤكد المسؤولون في العراق جلهم على «استقلال القضاء»، وتختلف الدول في الالتزام بهذا الشعار؛ وأخشى في المستقبل أن تكون هذه العبارة في العراق صحيحة على لهجة إخواننا أهل الكويت بقلب القاف غينًا.
وأسمعً قصصًا، وتقع لي حوادث فأتذكر قول الشاعر:
إِذا     خَانَ      الأميرُ      وكاتباهُ   ***   وقاضِي الأَرْضِ داهَنَ في القَضاءِ
فَوَيْلٌ     ثُمَّ     وَيْلٌ     ثُمَّ      وَيْلٌ   ***   لِقاضِي الأَرْضِ منْ قَاضِي السَّماءِ
ان قضائنا فيه من القامات القضائية العالية ورجال القانون الأفذاذ الكثير الكثير الذين حافظوا على حياديتهم ومهنيتهم رغم ضخامة التدخلات في عملهم واعطوا أعظم شهادة في استقلالية أعمال القضاء والتي نربأ بقضائنا أن يقع فيها حفاظاً على ثقة الأمة به وباستقلاله.