صدرت العديد من التصريحات التي تشير الى عدم نية الحكومة لتخفيض رواتب الموظفين الحكوميين في موازنة 2015 بعد ان شهدت الايرادات النفطية انخفاضا كبيرا كان لها الأثر في تقليص حجم النفقات التشغيلية والاستثمارية , ورغم ان اغلب تلك التصريحات لم يكن مصدرها مجلس الوزراء باعتباره صاحب القرار الرسمي في هذا الموضوع , الا انها تقترب من الدقة لان النوايا الحكومية تتجه لعدم خفض رواتب صغار الموظفين فهي لا تضطر لهذا الاجراء في حالة نجاح تقديرات الايرادات على اساس اعتماد 70 دولار لسعر برميل النفط وتصديرات تبلغ 3,8 مليون برميل يوميا , ولكن الامر سيختلف حتما في حالتين أولهما زيادة انخفاض اسعار النفط لأقل من 60 دولار للبرميل وثانيهما عدم وصول الصادرات الى اكثر من 2,5 مليون برميل يوميا , ففي الحالة الاولى ستكون الايرادات النفطية بحدود 73 مليار دولار وفي الحالة الثانية ستكون الايرادات بحدود 75 مليار دولار , وعلى فرض ان الايرادات غير النفطية مقدارها 15 مليار دولار فان اجمالي الايرادات سوف لا يزيد عن 90 مليار دولار في الحالتين التي اشرنا اليهما , وكما هو معلوم فان مقدار نفقات الرواتب سنويا تبلغ بحدود 50 مليار دولار واذا اخذنا بنظر الاعتبارات وجود نفقات حاكمة مثل تعويضات حرب الكويت والبطاقة التموينية والرعاية الاجتماعية واجور الخدمة لشركات النفط والنفقات الامنية والعسكرية والحشد الشعبي وغيرها , سنجد بانه من المتعذر تسيير امور الدولة من غير المديونية العالية بنوعيها الداخلية والخارجية لغرض تمويل النفقات
والمديونية لها اخطار اقتصادية وسيادية ولا يمكن المضي بها لأبعد الحدود لأنها يجب ان تكون في اطار التوقعات وضمن القدرة على خدمة الديون وسدادها بآجالها المحددة , والخيار الذي يمكن ولوجه من قبل الحكومة لتقليل الاعتماد على القروض الخارجية يكمن في ضغط النفقات فتبدأ اولا بالاستثمارية ثم تتضمن التشغيلية , وفي ظل تناقص الايرادات ووجود حاجات ملحة للإنفاق ومنها متطلبات الدفاع عن الوطن لمحاربة الإرهاب , سيكون لزاما على متخذي القرار اللجوء الى تخفيض رواتب الموظفين فالخفض بنسبة 25% مثلا سيوفر 12,5 مليار دولار , ولكن الحكومة ليس في نيتها اجراء هذا التخفيض لأنه يؤثر على القدرات الشرائية لأغلبية الشعب , سيما الذين يعتمدون في معيشتهم على الرواتب الوظيفية والتقاعدية , وبعض الرواتب تشكل حدود الكفاف بمعنى انها لا تكفي سوى لسد متطلبات الحد الادنى للمعيشة , وفي ظل النظرة الانسانية والمسؤولة وما قد يترتب على تخفيض الرواتب من تداعيات أخرى قد تؤدي الى نتائج اخرى لم تأخذ في الحسبان , فان الحكومة قد تلجأ الى اسلوب الادخار من رواتب الموظفين سواء الادخار الاختياري او الاجباري , والادخار من الممكن ان يعيد الاستقطاعات من الموظفين لصالح المدخرين بعد انجلاء الموقف الاقتصادي وتحسن ايرادات الموازنة , ويعني الادخار الاختياري بان يتقدم الموظف بطلب الى دائرته لاستقطاع نسبة يحددها من رواتبه لمدة معينة , اما الادخار الاجباري فانه يعني صدور قرار مركزي باستقطاع نسبة من رواتب الموظفين ( ويمكن ان يكون ذلك نصا في مواد قانون الموازنة الاتحادية ) على ان تتم اعادة جميع هذه الاستقطاعات فيما بعد كلا او جزءا وحسب الظرف الاقتصادي , ونعتقد بان اغلبية الموظفين يفضلون الادخار على تقليل الرواتب لان للادخار فوائد شخصية واقتصادية اذا كانت هناك ضمانات حقيقية بإعادة ما استقطع منهم , ونشير بهذا الخصوص بان العراق قد شهد فرض الادخار الاجباري سنة 1972 عندما اصدرت الدولة قرارا بتأميم النفط وطرد الشركات الاجنبية العاملة في العراق , حيث تمت مقاطعة صادرات النفط العراقي في الاسواق العالمية كرد فعل على هذا القرار مما ادى الى توقف الايرادات النفطية , وكاد هذا القرار ان يلقى فشلا كبيرا لولا عقد اتفاقات معينة في حينها تم بموجبها بيع النفط العراقي في الاسواق العالمية وعودة الايرادات وقد استغرق هذا الموضوع قرابة عام.
حيث تم ايقاف الادخار الاجباري في منتصف سنة 1973 وبعدها اخذت الاجهزة المعنية في الدولة بإعادة المبالغ التي تم استقطاعها بالادخار , ورغم ان خيار الادخار الاجباري متاحا للحكومة الا انه يصطدم بمجموعة من الصعوبات ابرزها وجود نصوص نافذة لا تجيز استقطاع اكثر من خمس راتب الموظف الحكومي , واذا لم يتم الاستثناء من هذا النص فان نسبة الادخار ستكون 10% كحد اقصى لان صندوق تقاعد الموظفين يقوم باستقطاع 10% من رواتب الموظفين لصالح الصندوق ( توقيفات تقاعدية ) استنادا لقانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 , واذا تم الاستقطاع بهذه النسبة ( 10% ) فان الادخارات ستكون بحدود خمسة مليارات دولار ولا نعتقد بان الحكومة ستقدم على مثل هذه الخطوة لأجل مردودات غير مجزية بهذا المقدار , فقيمة العجز المتوقع في الموازنة اكثر بكثير من مردودات تخفيض الرواتب او العمل بطريقة الادخار على صغار الموظفين .