يعد الخوف ظاهرة نفسية وسلوكية أساسها عدم قدرة الانسان للاستقامة امام الاحداث المفاجئة او المتوقعة،مما يفقد ثقته وتوازنه.
ويحصل الخوف عند الانسان ردا على(تحفيز معين يحدث في الوقت الحاضر او تهديد محتمل في المستقبل)كوجود خطر على الجسم أو الحياة، مما يعني ان الخوف هو استجابة نفسية وسلوكية لا ارادية لتهديد حاصل او قد يحصل،وهذه الاستجابة تتمحور في( منطقة بالدماغ تسمى بالجسم اللوزي، الذي يقع داخل الفص الجبهي أمام المخيخ).
هذا يعني ان استجابة الخوف تنشأ من تصور لوجود خطر ما، مما يؤدي إلى المواجهة معه أو الهروب منه وتجنبه، وهذه الاستجابة في(الحالات القصوى من الخوفالرعب يمكن أن تؤدي إلى التجمد أو الشلل)رغم ان خوف الإنسان ليس فيه منقصة أو عيب.
ولفظ الخوف ورد في القرآن الكريم في مائة وأربعة وعشرين موضع (124)، جاء في سبعة وثمانين منها (87) بصيغة الفعل، وسبعة وثلاثين موضعاً (37) بصيغة الاسم).
وذكر الله تعالى في احدي ايات القرآن الكريم:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }(١٥٥ البقرة).
{إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(175آل عمران).
وهذه الايات ترهيب من رهب المشركين، ودعوة الى عدم الخوف سوى الخوف من الله.
وحديث قدسي حول الخوف ،حيث قال الرسول(ص):
(أعلى الناس منزلة عند الله أخوفهم منه).
وعن الامام علي (ع) اذ قال:
(الخوف جلباب العارفين).
لقد ناقش الفكرالاداري (الخوف)وفق نظرية (الإدارة بالخوف)والتي جاءت نقيضا لنظرية(الادارة بالحب)التي تنظر لها المراجع العلمية على انها (تورث الإدارة راحة وتعطي دفعة ودفقة للمرؤوسين نحو الإنجاز والإتقان والجودة)ولهذا يشار الى إن الحب( أصل عجيب في الإدارة، وسر من أسرار نجاح القائد الاداري في إدارة المرؤوسين)ويضمن الرقي للمنظمة من خلال الممارسة الاخلاقية للقائد الاداري وهو يتفاعل مع المرؤوسين ويشاركهم العمل و(يلتمس لهم الأعذار عند أي تقصير ويكون معهم في أثناء عملهم يدا بيد)،وهو الامر الذي اكدنا عليه عند استعراضنا لمضامين القيادة الادارية الاخلاقية.
ان الفكر الاداري ينظر الى نظرية الإدارة بالخوف، من خلال مضمونها الذي يتحدد وفق سلوك القائد الاداري واستفادته في(بث حالة من الخوف لدى المرؤوسين،كقناعة شخصية من أن ذلك هو الذى سوف يخرج أفضل ما لديهم)،فالخوف باعتقاده هو الذي سيحفز قدراتهم على الانجاز وجودته وايضا يحد من معارضتهم له.
هذه الممارسة الادارية التي يلجأ لها القائد الاداري تتعرض الى اشكالات في التعامل مع المرؤوسين داخل المنظمة اساسها عدم الثقة المتبادلة بين قمة الهرم الاداري وقاعدته ومستوى الادراك والمعرفة التي يتمتع بها المرؤوسين، ويطلق على ذلك اداريا (صدمة الفجوة المعرفية Knowledge Gap Shock )وهذه الفجوة تتغير في مساحتها وعمقها بين منظمة واخرى وفق (الفرق بين ما يتمتع به المرؤوسين،من معرفة قبل الثورة المعرفية والمعلوماتية وبعدها).
ان الإدارة المعاصرة تدرك وتعلم صعوبة(قدرتها على مواكبة التطورات المعرفية المعاصرة فتحاول مقاومة هذه التطورات وتكريس الواقع التقليدي في الممارسات الإدارية التي تستخدم معها الإدارة بالخوف)وكل ذلك يدخل اساسا في سلوكية القائد الاداري ومدى مواكبته للتطور المعرفي.
ورغم المعنى السلبي للمصطلح المستخدم الا ان فيه من المدلول الاداري جزء معقول،منطلقين من ان الادارة علم وفن الممارسة،لذلك يعتقد بعض القادة الادارين أن أفضل وسيلة لتحفيز المرؤوسين هو أن يشعروا بالخوف( الخوف من العقاب، ومن المبادرة بأي شيء يخرج من دائرة الأمان،حيث يعتبر البعض أن هذا الشعور العام في المنظمة يحفز الانتباه ويجعل المرؤوس أكثر طاعة وحذرا من الوقوع في أي خطأ،وهو ما يفيد العمل في النهاية).
وينظر المهتمين بالفكر الاداري الى ان القائد الاداري قد يلجا الى استغلال سلطاته وما يتمتع به من صلاحيات في بث حالة من الخوف لدى المرؤوسيين داخل المنظمة ان اراد ذلك وقد نجح بعض القادة الاداريين بهذا الاسلوب وضمنوا النجاح لمنظماتهم.
ورغم ماُيمكن اعتبار نهج الإدارة بالخوف (موضة)إدارية (عابرة لأنه لا تتوافر فيه مُقومات الاستدامة ولا يتوافق مع المُسلّمات المُثبتة في الإدارات الناجعة قديما وحديثا،وقد أثبت التاريخ البشري،والأساليب الإدارية الناجحة عبر الزمن، أن الادارة بالخوف لا تبني الازدهار وإنما تورث الدمار).
فقد جلبت الأنظمة الديكتاتورية في العالم(الخراب للبشرية عندما حاولت السيطرة بالخوف،بينما أخرج نظام الإدارة والحُكم في الإسلام أرقى ما في البشر عندما ملك قلوبهم بالمحبة)والرحمة وليس بالخوف استشهادا بقوله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(107 الانبياء).
فالقائد الاداري يجب أن يتسم بالرحمة والمودة في تعامله مع المرؤوسين.
ورغم ان الادارة بالخوف تعد نمطا قياديا، الا انها لم تسجل اي توجه نحو رقي وضمان ديمومة المنظمة لتظل القيادة الادارية الاخلاقية جوهر العمل الاداري، هذه القيادة التي تمارس بتشبع القائد الاداري بقوى الاخلاق وان يمارسها بدافع قيمي ومعرفي وسلوكي خلاق،لان الأخلاق هي قلب القيادة الادارية وفنها وجوهر عملها، والسمة أن يكون القائد شخصا أخلاقيا ذاتيا ومتكاملا وليس مديرا متحايلا ومزورا وظالما.
#لاتخاف القائد الاداري لكي لا تظلم.