مشكلة ازلية عانى منها العراق كثيرا وبسببها وصل الى مراتب متدنية في مستويات النجاح والتقدم … انها الادارة الخاطئة التي لاتعتمد على التخطيط الصحيح ورسم الاهداف المستقبلية … الادارة الصحيحة تعتمد على القيادة الصحيحة ، والقيادة الناجحة تعمل وفق مبدأ التخطيط وتحديد الاولويات ، وللأسف هذه المعادلة غُيبت في العراق حتى الاصبح الاهتمام بأصل المنصب دون التركيز على من يتولى هذا المنصب ، فالفشل الذي رافق بعض المفاصل الحكومية كان سببه اشخاص لم يُراعى في اختيارهم مبدأ النزاهة ولا الكفاءة ولا الخبرة ولاحتى الاختصاص على اقل تقدير ، وعمل هؤلاء وفق مبدأ الاستحقاق لا وفق مبدأ التكليف وكيفية الارتقاء بهذه الامانة التي كُلف بها المسؤول على مسؤوليته ، فاُهمل التخطيط وتم وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب ، والنتيجة بلدٌ يعتبر من اغنى بلدان المنطقة يعاني من الفقر والتقشف ، وآفة الفساد تنخر في جميع مفاصله الحكومية .
ولو اخذنا على سبيل المثال محافظة البصرة وفي ضل هذه الازمة الاقتصادية وما يعاني منه البلد لتوصلنا الى استنتاج مهم وهو ان الشخص المناسب واختيار القيادة الصحيحة هي الحل الامثل في تجاوز الكثير من العقبات ، وتحقيق نجاحات عدة وسط بيئة تحيط بها بوادر الفشل من كل مكان ، فمحافظ البصرة الدكتور ماجد النصراوي ركز في بداية عمله على قطاعات مهمة تعاني منها محافظة البصرة وتهم المواطنين اكثر من سواها … بدأ اولا بمعرفة من يقف على قيادة هذه القطاعات ، شخص الرجل المناسب من غير المناسب ، وعمل على اجراء تغييرات شاملة وفق مبدأ الافضلية لا مبدأ المحاصصة وتقسيم المناصب ، (على الرغم من ان هذه الاجراءات لاتروق لبعض الجهات السياسية التي تشارك في قيادة البصرة) لكنه فضل مصلحة المحافظة على مصلحة الاشخاص والجهات ، وعلى الرغم من الازمة المالية الكبيرة التي يعاني منها البلد ، وتسلّط الوزارات الاتحادية ، وسياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها حكومة بغداد تجاه البصرة ، الا ان الرجل تمكن من تحقق العديد من الانجازات التي اشاد بها الاعداء قبل الاصدقاء … فعلى الصعيد الداخلي نجح في عدة ملفات دون غيره من المسؤولين الاخرين … في قطاع الصحة تعاقد مع اكبر المستشفيات الهندية وارسل اكثر من (3000) من اصحاب الحالات المرضية المستعصية للعلاج هناك ، وتعاقد ايضا مع افضل المستشفيات الايرانية وارسل اكثر من (1000) مريض وتماثل معظمهم للشفاء ، كما عمل ايضا على استقدام عمالة اجنبية من ممرضات واطباء للعمل في مستشفيات البصرة … اما في قطاع التربية والتعليم فقد تمكنت المحافظة من بناء اكثر من (1000) مدرسة نموذجية ذات ثلاثة طوابق ، وتعيين الالاف من المعلمين بصفة عقود مؤقتة لسد النقص الحاصل في الكوادر التعليمية … اما في قطاع الكهرباء فالكل يعلم ان مدينة البصرة من افضل المدن تجهيزا للتيار الكهربائي واغلب مناطقها تنعم بتيار مستمر لأربع وعشرين ساعة في اليوم …اضافة الى توزيع قطع الاراضي وبناء المجسرات وتأهيل الطرق وغيرها الكثير ، ولو قارنا هذه الانجازات مع كميات الاموال المخصصة للمحافظة قياسا بمستوى الخدمات المقدمة في السنوات الماضية مع ما تملكه المحافظة من اموال طائلة في ذلك الوقت لعرفنا ان الذي تحقق في ضل هذه الظروف يعتبر انجازا بحد ذاته .
وعلى الصعيد الخارجي عمل الرجل على توسيع العلاقات الخارجية لمحافظة البصرة ، والاستفادة من الدول المجاورة في دعم المحافظة … فعقد عدة اتفاقيات مع جمهورية ايران الاسلامية من اهمها توأمة محافظة البصرة مع مدينة خوزستان ، وتفعيل مشروع التكسي النهري ، اضافة الى الاتفاق على انشاء منطقة حرة …نفس التوجه الخارجي مارسه مع دولة الكويت وعقد معها اتفاقيات عدة ربما حتى حكومة المركز لم تتمكن من تحقيقها كالحصول على مُنح مالية لإنشاء مؤسسات صحية وثقافية ، وتفعيل التعاون التجاري المشترك ، اضافة الى تسهيل دخول رجال الاعمال البصريين الى الكويت وعقد توأمة مع محافظة العاصمة الكويتية ، اضافة الى الكثير من المحاولات الناجحة لتصدير وتسويق محافظة البصرة في الجوانب الاقتصادية والثقافية .
هذه السياسة المتوازنة بشقيها الداخلي والخارجي وماحققته من نجاحات تحسب للبصرة قبل كل شيء جاءت من رؤية النصراوي الواضحة ، وتخطيطه السليم ، واعتماده على اشخاص مؤهلين وقادرين على ادارة مناصبهم ، كل هذه الامثلة تقودنا الى مفهوم النجاح الذي يعتمد على مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب .