قبل ثلاثة اعوام من اليوم لم يكن احد يتخيل امكانية حصول حركة الاخوان المسلمين على الاغلبية في مجلس النواب ، ولا اظن إن احداً من الاخوان انفسهم تخيل امكانية أن يصبح احدهم وزيراً بعد عامين أو ثلاثة ، ولكن بعد ثورة 25 يناير الشعبية تغيرت الامور وانقلبت الادوار ، فلقد كان سخط الشعب شديداً على اركان الحزب الوطني الديمقراطي بعد أن اسرفوا وتعسفوا في استخدام السلطة لخدمة مصالحهم الشخصية ، وجاءت انتخابات 2010 برعاية الملياردير احمد عز لتزيد الطين بلة ، فلقد كانت الانتخابات مزورة وبشكل علني ومفضوح ، واحتكر الحزب الوطني الديمقراطي اغلبية مقاعد مجلس النواب ولم تترك حتى الفتافيت للمعارضة ، وهذا مما اغضب الشارع المصري تماماً لينفجر غضبه مباشرة بعيد ثورة تونس بعشرة أيام تقريباً .
احتارت الولايات المتحدة فيما ستفعله تجاه الثورة ، فأختارت أن لاتعيد خطأها الذي ارتكبته ايام الثورة الآيرانية ، ولكن ما حصل هو ابعاد الوجوه القديمة المكروهة ، والمجئ بمجلس عسكري مؤقت ليحتوي ابعاد الثورة ويمنع تطورها الى نظام وطني ديمقراطي .
لقد كان الاخوان المسلمون هم حصان اميركا الاسود الذي راهنوا عليه للفوز بهذا السباق ، ولم يكن الكثير من المصريين يتصورون أو يتخيلون إن هؤلاء الناس الذين يدعون الورع والتقوى ، هم انتهازيون متملقون من الدرجة الاولى ، ومستعدون لبيع جميع الاحزاب الوطنية المعارضة من اجل الزعامة والكرسي .
أثناء الايام الاولى للثورة دارت محادثات سرية بين قادة الجيش وزعماء الاخوان ، ولم تكن الاصابع الامريكية بعيدة عن هذه المحادثات ، فلقد سبق للسفارة الامريكية أن فاوضت الاخوان منذ عام 2006 ، فهم الحركة المنظمة الاقوى بين جميع احزاب المعارضة ، وسياستهم الاقتصادية تتشابه الى حد كبير مع الحزب الوطني الديمقراطي ، والحزبان يتبينان الفكر الرأسمالي الامريكي ويسترشدان به ، مما يعني إن السياسة الاقتصادية للأخوان غير اسلامية على الاطلاق ولا تؤمن بمبدأ الكفالة الاجتماعية ، أو رعاية الدولة لعموم مواطنيها .
لقد استخدم الاخوان المسلمون الدين كقميص عثمان للوثوب الى السلطة ، وكل الاحزاب الدينية حتى الشيعية منها تفعل الشئ نفسه ، وقصة قميص أو دشداشة عثمان لمن لايعرفها ، هي إن النعمان بن بشير الانصاري حمل هذا القميص الملطخ بالدم بعد مقتل عثمان الى معاوية بن ابي سفيان في الشام ، فوضع معاوية القميص فوق منبر الشام وبكى وابكى الناس معه على الخليفة المظلوم ، وزعم امامهم بأنه سينتقم للخليفة الشهيد من قتلته بصفته اقرب الناس اليه ، وزعم بأن الامام علي (ع) يحمي القتلة ويمنع الاقتصاص منهم ، إلا إنه بعد خمس سنوات وبعد أن تنازل له الامام الحسن عن السلطة حقناً للدماء ، لم يقتص من قتلة عثمان ولم يتتبع اثارهم ، فلقد كان القميص حجة ووسيلة للوثوب الى السلطة ليس إلا ، ودخل قميص عثمان كأحد الامثال العربية الدالة على الانتهازية والخداع والمراوغة .
منذ عام 2000 والولايات المتحدة تضع مخططات جديدة لتغيير صورة المنطقة ، والمطلوب حصول صراعات ونزاعات وقلاقل في جميع دول الشرق الاوسط ، لتصبح بعدها اسرائيل هي واحة الآمن والاستقرار في المنطقة المتفجرة بالحروب والنزاعات الاهلية ، وكان افضل نزاع تستطيع اميركا اثارته هو الصراع بين الشيعة والسنة وبين المسلمين والمسيحيين ، ولكن لايمكن للأحزاب الديمقراطية العلمانية من تحقيق هذا المخطط ، لذا فلقد توجب على المخابرات الامريكية تسليط الاحزاب الدينية على رقاب الناس كعقاب جماعي لهم بسبب خلعهم لأصدقاء اميركا واحبائها ، وقد نجحت في اماكن معينة ، لكنها فشلت في مصر بسبب تلهف الاخوان على استلام السلطة الكاملة واستعجالهم لتخريب العملية الديمقراطية ، فصندوق الانتخابات الذي اوصلهم للسلطة من الممكن أن يوصل اعدائهم اليها غداً أو بعد غد .
بعد أن قام الجيش المصري بعزل الرئيس السابق محمد مرسي ، نزل الكثير من الاخوان وانصارهم الى الشوارع يهددون بالويل والثبور وعظائم الامور ، ويا نلعب يا نخرب الملعب ، واخذناها وبعد ما ننطيها ، فالاخوان اصلاً لايؤمنون بحرية الرأي ولا بالديمقراطية ، وإنما اتخذوا الديمقراطية كحجة للوثوب الى السلطة ، في حين إن من مستلزمات الديمقراطية هو وجود دولة مدنية ذات نظام علماني ، ودخول أي حزب ديني يريد تطبيق الشريعة هو خرق فاضح للعملية الديمقراطية ، وهي مثل قيام فريق كرة قدم بأنزال خمسة عشر لاعب الى ارض الملعب ، أو انزاله حارسين للمرمى في نفس الوقت ، لكن الولايات المتحدة واوربا غضتا النظر عن الخرق لرغبتهما بتدمير الدول العربية القوية خاصة .
واخيراً : هنالك مثل مصري يقول (هبلة ومسكوها طبلة) ، أي حمقاء ومسكت دمبك ، والآن اتذكر هذا المثل كلما ظهر احد الاخوان على شاشات الفضائيات (الجزيرة خاصة) ، وهو يهرج ويقرج ويستخدم الالفاظ الدينية طلباً لأستعادة الملك الذي طردوا منه ، ولا يتصور احدكم إن القصة ستنتهي بعد اسبوع او اسبوعين ، كما ارجو من الكتاب أن لايحلموا بأمكانية خلع الاحزاب الدينية عن الحكم في اماكن آخرى ، فأميركا بقوتها وجبروتها قد نصبتهم عليكم ، لأنكم قد صرتم مثقفين اكثر من اللازم ويجب غسل ادمغتكم واعادتكم الى الامية .