أضحت ثقافة حقوق الإنسان في نظر الجميع معيارا حقيقيا لكل تقدم واستراتيجية تنموية، فتعزيز هذه الحقوق يعتبر الهدف العام للمجتمع الدولي، وبالتالي لا يمكن ترك أي وسيلة سلمية لمواجهة انتهاكاتها. إن تعليم ونشر حقوق الإنسان، في واقع الأمر، يشكل حقا أصيلا من حقوق الناس، وتعتبر مسؤولية الحكومة في هذا الصدد مسؤولية كبرى في الترويج والتعريف بمبادئ حقوق الإنسان وآليات حمايتها ونشر ثقافتها. إن قيم حقوق الإنسان هي ثمرة تفاعل وتواصل الحضارات والثقافات عبر التاريخ وحصاد كفاح كافة الشعوب ضد كافة أشكال الظلم والقهر الداخلي والخارجي. وبهذا المعنى فهي ملك للبشرية جمعاء، وهي غير قابلة للتجزئة.أن الخصوصية الثقافية والحضارية التي ينبغي الاحتفاء بها باعتبارها حقا من حقوق الإنسان ـ هي تلك التي ترسخ شعور الإنسان بالكرامة والمساواة، وتعزز مشاركته في إدارة شؤون بلاده، وتنمي لديه الإحساس والوعي بوحدة المصير مع الإنسان في كل مكان ولا تتخذ ذريعة لتهميش المرأة وتكريس الوضع المتدني لها، وإقصاء الآخر بسبب أي اعتبارات دينية أو ثقافية أو سياسية أو التملص من الالتزام بالمواثيق الدولية. والتعليم والتربية على حقوق الإنسان مازال في بدايته لدينا، إذ ما زلنا في بداية الدرب ومرحلة بلورة استراتيجية في هذا الصدد وإعداد البنية التشريعية والقانونية والتنظيمية والهيكلية لهذا النوع من التعليم والتربية لذا يكتسب موضوع التعليم والتربية على حقوق الإنسان أهمية بالغة بالنسبة لكافة المواطنين ولمستقبل الأجيال في الظروف الراهنة التي أصبحت فيها حقوق الإنسان ركنا أساسيا في بناء المجتمع وديمومته. إن تعبير تعليم حقوق الإنسان يعني كل سبل التعلم التي تؤدي إلى تطوير معرفة ومهارات وقيم حقوق الإنسان. ويتناول تعليم حقوق الإنسان تقديم المتعلم وفهمه لهذه الحقوق ومبادئها التي يشكل عدم مراعاتها مشكلة للمجتمع . وفي هذا الإطار تتجلى أهمية الدورات التدريبية والفضاءات الإعلامية الخاصة بحقوق الإنسان والأنشطة الحقوقية عموما. إن التربية على حقوق الإنسان هو فعل تربوي يومي طويل النفس وعلى واجهات مختلفة. إنها تهدف بالأساس إلى تكوين جيل الغد الواعي بحقوقه والقادر على الدفاع عنها وممارستها. وبذلك فهي مسؤولية الجميع بدون استثناء. إنها في الجوهر مشروع تمكين الناس من الإلمام بالمعارف الأساسية اللازمة لتحررهم من كافة صور القمع والاضطهاد وغرس الشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الأفراد والجماعات والمصالح العامة. وتشمل ثقافة حقوق الإنسان القيم والبنى الذهنية والسلوكية والتراث الثقافي والتقاليد والأعراف المنسجمة مع مبادئ حقوق الإنسان ووسائل التنشئة التي تنقل هذه الثقافة في البيت والمدرسة والعمل والهيئات الوسيطة ووسائل الإعلام. إن احترام حقوق الإنسان هو مصلحة عليا لكل فرد وجماعة وشعب والإنسانية جمعاء، باعتبار أن تمتع كل فرد بالكرامة والحرية والمساواة هو عامل حاسم في ازدهار الشخصية الإنسانية وفي النهوض بالأوطان وتنمية ثرواتها المادية والبشرية وفي تعزيز الشعور بالمواطنة كاملة غير منقوصة.فلا يكفي ان نبقى نردد مبادئ حقوق الإنسان و ننتظر من المجتمع أن يفهمها ويتبناها، بل يجب ربط هذه المبادئ بالحياة اليومية والثقافات المحلية لتبيان أن تبنيها سيساعد في تحسين التواصل والتفاهم والتسامح والمساواة والاستقامة. فلا يمكن تعليم حقوق الإنسان في فراغ، بل لا مناص من تعليمها من خلال تطبيقها وتكريسها مباشرة على أرض الواقع وفي هذا الصدد إن تعليم حقوق الإنسان في فراغ دون ربطه بالواقع المعيشي من شأنه أن يؤدي إلى الفهم السطحي لهذه الثقافة، وهناك عدة مناهج يمكن اعتمادها لتكريس حقوق الإنسان ونشرها. ومن ضمنها الأخلاق والتربية الوطنية والتربية على المواطنة والتربية على التعامل مع وسائل الإعلام والارتقاء بحقوق الإنسان والدفاع عنها. ومنهج الأخلاق والتربية الوطنية يعتمد على إعداد الأطفال للعب دور المواطن عبر تعليمه الحقوق والواجبات، لأن الأخلاق والتربية الوطنية هما حجر الاساس في بناء المواطنة.