22 ديسمبر، 2024 6:58 م

الاخفاقات الامنية .. ونشر الغسيل الوسخ ..استقالة الغنام نموذجا

الاخفاقات الامنية .. ونشر الغسيل الوسخ ..استقالة الغنام نموذجا

 عقب كل تفجيرات دامية وخروقات امنية كبيرة .. تشكل لجان لكشف الاسباب عن سبب … الخروقات ، كل ذلك يجري وكأن الخروقات والتفجيرات من بنات البارحة … يظهر ان لا احد من الناس المتحكمين بأمر البلد يريد ان يحترم عقولنا ..ولعل من اكبر الخروقات مداهمة السجون وتهريب المسجونين كما حدث يوم أول من امس  .. وهي حالة لا يمكن ان تحدث في أي بلد في العالم يحترم نفسه ويحرص على امنه ( مايحدث في العالم هو عمليات هروب فردية  فقط للسجناء ) ، علما ان هذه ليست المرة الاولى ولا الخامسة تنفذ المجاميع المسلحة مثل هكذا عمليات … فاين الامن… والدولة تصرف على الجيش والامن حوالي 20 مليار$ (اكثر من ميزانيات دول مثل الاردن ولبنان مجتمعة ) .
   وفي خضم البلبلة الناجمة من سلسلة التفجيرات والهجمات العنيفة التي تضرب البلد منذ بداية هذا الشهر تثار علامات استفهام خطيرة ان كنا حقا نكسب مردودا امنيا من هذا الاستثمار الضخم للمال وللبشر ؟  … الا ان “استقالة ” قائد الفرقة 17 ناصر الغنام تجيب على الاستفهام اضافة لما تمثله من عنصر جديد وخطير في المشهد الامني ، ليس فقط لان استقالة القادة العسكريين وفق هواهم غير واردة في المفهوم العسكري (بل تعتبر تمردا) وانما تفضح هذه الاستقالة ماتحت الاكمة من جمر متقد .
   هذا يؤشر للاوضاع المربكة في البلد وايثار البعض للمصالح الخاصة على حساب مصلحة الوطن …فأساس بناء واستخدام القوات العسكريةكان خاطئا منذ البداية وكل مابني على خاطئ يزيد تراكم الخطأ….فالقوات المسلحة تبنى وفق مبادئ محددة وصارمة .. تتضمن وحدة القيادة والاقتصاد في الجهد وتعتمد المهنية في عملها وعدم التسييس ، في حين أن ما حصل منذ البداية هو بناء عشوائي غير مهني ومسيس من الجندي الى القائد العام وتوزع ولاء الاجهزة الامنية على الاحزاب والتيارات السياسية والوزارات والتنظيمات الامنية المتعددة( لم يتم الاتعاظ من بعثرة الجهد العسكري والامني في النظام السابق ….في سبيل عدم تركيز السلطات بايدي معدودة غير يد القائد العام ) …. والعمل وفق اجنداتها وحتى تشكيل مجاميع عصابية داخلها تعمل لمصلحتها باستغلال موارد الدولة والتستر بصفتها الرسمية لتنفيذ عملياتها الخاصة … فكان ذلك مقتل البناء الجديد الذي لم يستطع التخلص من نقطة ضعفه هذه بالرغم من التحسن الكبير في التسليح والتجهيز والتدريب والخبرات .
اللواء ناصر الغنام .. تسلق كغيره الرتب العسكرية الكبرى بسرعة( بحق او دون وجه حق ) .. وأعطوا من الصلاحيات والامتيازات ماليس موجودا في أي جيش في العالم .. بحيث أصبح آمر الفوج وآمر اللواء وقائد الفرقة وصعودا اصحاب امبراطوريات مالية وسلطوية لا تحدها ضوابط ولا قوانين … ومعظمهم يشغلون مواقعهم من فترة طويلة بسبب الامتدادات والعلاقات المنفعية التي نسجوها مع بعضهم ومع اصحاب القرارالاعلى بحيث احتكروا العمل الامني والعسكري دون ان يسمحوا بضخ دماء جديدة لهذا القطاع الحيوي الذي تعتبر مداورة مناصب القيادة والامرة بين فترة واخرى امر حيوي لاكتساب الخبرات ومنع التحجر والجمود ونمو العلاقات الجانبية غير الصحيحة .
  ناصر الغنام (من محافظة الانبار ) كان أمرا لسرية مراسيم في الحرس الجمهوري برتبة نقيب ، وفي2004 انضم للجيش الجديد واصبح امرا للواء المثنى 24 ذات الصيت السيء في ابي غريب ثم قائدا للفرقة الثانية في الموصل وطالب مجلس محافظة الموصل بابعاده عن المحافظة( بسبب تجاوزاته حسب ماقيل ) ، الى ان نقل قائدا للفرقة 17 المسؤولة عن مناطق جنوبي بغداد ).. نشر على صفحته على الفيس بوك ( وهذه بدعة جديدة ان يسمح لضباط وقادة بان يفتحوا صفحات لهم على شبكات التواصل الاجتماعي للدعاية لانفسهم…وهو امر تحضره السياقات العسكرية ) ما نصه :” تشرفت بمواجهة المجاميع الارهابية على مدى 10 سنوات في اخطر المناطق واصعبها ..لكن القرارات والاوامر غير المهنية تسببت وتتسبب بهذه الفوضى في الملف الامني وجاءت الساعة التي يجب ان اتخذ القرار المناسب وهو الاستقالة ، التي جاءت لئلا نسأل امام شعبنا عن مايحدث بحق اهلنا ومنتسبي القوات المسلحة من قتل عشوائي بسبب السياسات الخاطئة للقيادات العسكرية العليا والمزاجية والعشوائية في اتخاذ القرار ….” .
   ماذا نفهم من هذا الكلام ؟
انه يؤشر لازمة حقيقية بين القيادات الوسطى والعليا وبين القيادات السياسية والعسكرية … فتسبيب الاستقالة وان جاء متاخرا فانه يخفي ورائه صراعات قوى داخل المؤسسة الامنية ، ولم يستطع الغنام الذي كان ينفذ كل مايطلب منه بمافيها ممارسات تعسفية بحق سكان المناطق التي تم تأميره عليها ونال من ورائها سمعة سيئة …ان يرضي اصحاب القرار العسكري الاعلى ( ماذا كانوا يريدون بالضبط اذن ؟ ) .وقد سارعت اللجنة الامنية النيابية … كعادة اهل السلطة الى تطويق هذا الحدث باستباقه بتبريرات تخفيفية او تتفيهية ، فقالت أن الغنام قد صدر امر نقله بسبب شكاوي ووجود مجالس تحقيق بحقه قبل ان يعلن استقالته ، وظهرت اتهامات للغنام انه حرض 500 من الجنود والضباط الموالين له في الفرقة على الانشقاق من الجيش ( هكذا وبكل بساطة ).، وانباء تتحدث عن هروبه الى عمان واخرى الى القاهرة.. وهنا لا نناقش من الكاذب ومن الصادق فكل ملة الكفر كاذبة…ولكن على الاقل نستطيع ان نستشف ما يأتي :
-ليس مستغربا ان نسمع باعترافات مدوية لقائد فرقة تتناول الوضع الامني والقائمين عليه وتكشف حجم الاخفاقات التي معظمها يبقى مخفيا بقدرة لجان التحقيق المشكلة. وان صح خبر هروبه الى خارج العراق وشعوره بالامان  فسيدلي باعترافات اشد وقعا وبالوقائع… ورغم ان مثل هذه الفضائح متوقعة الا ان اهميتها انها تاتي من صلب المؤسسة الامنية وهذا امر لهعتباراته الخاصة واهميته في كشف اللثام عن حقيقة مايجري وممنوع على العامة الاطلاع عليه رغم انه يمس حياتهم ومستقبلهم .
-ان القرارات والاوامر غير المهنية والسياسات الخاطئة من قبل القيادة العسكرية العليا التي تتسبب بهذه الفوضى في الملف الامني التي يتحدث عنها الغنام ، هي امر حقيقي وملموس …فوحدة التنظيم العسكري الامني غائبة بسبب تعدد الجهات التي تتولى الملف الامني وكل منها يقاربه من زاوية مختلفة ان لم تكن متعارضة … وحتى بوجود التنسيق بين الجهات المختلفة فانه لا يرقى الى مستوى التعاون المطلوب بسبب تضارب الاجندات المختلفة للجهات الممسكة والمسيطرة على القرارات الامنية …. وحتى الجهد الاستخباري الذي يلام لضعفه فانه موزع مابين مخابرات واستخبارات عسكرية وامن وطني والشؤون الداخليىة لوزارة الداخلية وجهات اخرى .. تستخدم المعلومات المجمعة لاغراضها الخاصة .
-الامتيازات الهائلة ، المادية والمعنوية ، التي تتمتع بها القيادات العسكرية العليا تجعلها تسكت عن الخطأ وتمرير القرارات العليا الخاطئة دون ان تمتلك الجرأة للتنبيه الى مواضع الخلل فيها اما تقية اوحفاظا على المصالح الذاتية التي قد يتهددها التصادم مع القيادة العليا …وهذه هي قمة الفشل وخيانة الامانة المهنية والشرف العسكري ..فالتضحية بمصالح البلد وامن الشعب هي ثمن مقبول لاستمرار امتيازات هؤلاء وثباتهم في مناصبهم من عشر سنوات دون تغيير ن تماما كثبات ابي الهول ..الذي لا يهش ولا ينش ، وهم بذلك يعملون ” بحكمة ” منتشرة في الجيش(رغم انها مرفوضة جوهرا لانها تدعو الى السلبية والسكوت عن الخطأ) مفادها ” لا تحرك ساكنا ولا تسكن متحركا لتضمن بقائك وسلامتك في موقعك ” .
-للاسف ان صحوة القادة الامنيين تأتي على الدوام متاخرة وبعد أن يطرأ امر جلل يتهدد مستقبلهم المهني او مصلحتهم الخاصة ، ولا نستبعد صحوة اللواء الغنام من هذا الحكم ..وننتظر متى ستحدث امور اخرى ليصحو بقية القادة ويدلون بدلوهم في كرسي الاعترافات التي تكفي لسوقهم الى المحاكم العسكرية بتهم خيانة الامانة والتقصير في الواجب .
-الاخفاقات الامنية تؤشر الى ضياع الجهود والاموال والقدرات البشرية والمادية المستثمرة في مجال الامن بسبب الخلل في التظيم والاجراءات وعدم المهنية … ولو تم تنظيف المؤسسة العسكرية – الامنية من كل الدخلاء على العمل الامني ، وابعاد السياسة عنها وجعل المهنية العامل الاوحد في التقييم والتعيين والتطوع لحصلنا على اقوى مؤسسة امنية بعشر الجهد الحالي من الرجال والاموال .
-ان معظم القيادات العسكرية العليا من ضباط الجيش السابق ومن الرتب الحزبية البعثية المتوسطة والصغيرة وكثير منهم من ذوي الكفاءات والخبرات الجيدة ، وهؤلاء رجعوا للعمل في الجيش وفق شروط  السلطة الجديدة وعليهم اثبات ولائهم لها ، لذا تراهم للاسف يغضون النظر عمدا عن الاخطاء والممارسات المسيئةللمسلك العسكري او المخالفة للقيم والتقاليد والمهنية العسكرية حفاظا على الموقع وعلى الذات لان سيف الاجتثاث مسلط عليهم …فصارت كلمة ” مشّي ” هي السائدة خاصة في غياب او قصور اية محاسبة حقيقية عن الاخفاقات الامنية ..ويلعب تعدد مصادر القرار ( الداخلية ، القيادة العامة ، رئاسة اركان الجيش ، قيادات العمليات … الخ ) الى ضياع المسؤولية الحقيقية عن اي تقصير حاصل وبالتالي صعوبة التجريم .
-المعروف ان القوات الامنية والعسكرية التي تضطلع بمهام أمن داخلي لفترات طويلة وعلى احتكاك مستمر مع المدنيين تفقد انضباطها ومهنيتها مع الوقت وتقل كفائتها واستعدادها القتالي ، اضافة الى مايترتب على ذلك من ممارسات فساد وسلوكيات غير سوية بين افرادها وفقدان الثقة بينها وبين المواطنين …وهذا يفسر حصول الخروقات الامنية رغم الحشد الكبير من القوات المتوزعة على طول وعرض شوارع مدننا .
-الدولة القوية هي الدولة التي يتمتع فيها المركز بسلطات عليا على كل مفاصلها .. لكن في العراق الجديد كل حزب وجماعة وحركة وتيار في السلطة او مدعوم منها او قريب منها له وجوده شبه المستقل على الارض …اما بشكل مقرات وافراد مسلحون بسيارات واسلحة مرخصة من الدولة … او بشكل ميليشيات تتمتع بحرية الحركة بتسهيلات عليا مع سياراتها واسلحتها ….ناهيك عن الاف السيارات والعناصر المسلحة التي تعمل كحمايات للمسؤولين ( حتى اصبح اي مدير دائرة صغيرة في الدولة وأصغر ضابط له حمايات لزوم الفخفخة اكثر مما هو لزوم الامن ) …وكل هؤلاء يتمتعون بحرية الحركة والتنقل والعبور على السيطرات والحواجز دون تفتيش او تدقيق …. فهل هناك عاقل يسأل لماذا الامن مخروق ؟ وهناك كل يوم قصة عن مجموعة مسلحة تنفذ عمليات اغتيال واقتحام أمام اعين افراد السيطرات دون ان يحركوا ساكنا لعلمهم من هي الجهة التي تقف وراء تلك المجموعات … بمعنى آخر ..ان كل القوى الامنية المنتشرة لحماية امن المواطن لا فائدة منها ان كانت قوة الميليشيات والمجموعات المسلحة والحمايات أقوى منها …وصلاحية القوات الامنية لا تمتد على هذه الفئات .
 اذن الخروقات الامنية ستستمر ولا يوقفها لا لجان تحقيق ولا استقالات قادة وامراء دون ان نداوي العلة الرئيسية …وتتمثل في استئصال اسباب الخلل في البناء والتنظيم الامني العسكري وتصحيح مبادئ وقواعد العمل العسكري التي تتحكم في مفاصله ..واقصاء الطارئين على المؤسسة العسكرية ورفع يد الساسة عن التدخل بالقضايا الامنية ولجم الميليشيات وتنظيم عمل الحمايات وترشيق هيكل القيادة العسكرية وتوحيد جهدها …. الخ من الامور التي لا تخفى عن اعيناي شخص يريد الخير والتقدم لبلده والامان لشعبه والا …..ستتكرر مشاهد الخروقات والماء المسالة كثيرا…