حاول إيران اختراق الدول العربية عبر مسارات ثلاثة تؤدي إلى نتيجة واحدة، أولها: تقديم نفسها بديلاً عن الحكومات والأنظمة القائمة في مقاومة العدو الإسرائيلي، مستغلة تعاطف الشعوب العربية والإسلامية مع القضية الفلسطينية، وذلك عبر دعم فريق على حساب آخر، وعلى عكس ما يحدث داخل إيران من تمتع النظام الحاكم بسلطة مطلقة، ورفض للمعارضة، فإنها في الدول العربية «تشرعن» وتدعم وجود ميليشيات، والنماذج ماثلة أمامنا في كل من: لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن، أي أنها تعمل على تفتيت الدولة الوطنية العربية، وتحل بدلاً منها جماعات متصارعة.
المسار الثاني: تحويل القومي الوطني لديها إلى دافع مذهبي داخل دولنا العربية، حيث تطرح الدين كمنطلق لنصرة المستضعفين في مواجهة «استكبار» تراه في الأنطمة العربية الحاكمة، مع عملية فرز لتلك الأنظمة، فهي لا تشمل من يدور في فلكها، ولا من يؤيِّدها أو يُهادنها، والتعامل معها متغير وليس ثابتاً، ويمكن القول: إن هذا المسار يجمع بين السياسي والأيديولوجي والعقائدي، وهو خاص بالتابعبن لها بشكل مباشر، أو أولئك الذين تعتمد عليهم لترجيح الكفة لصالحها، وخاصة في دول الجوار العربي.
المسار الثالث: ثقافي، وهو يخصُّ الدول العربية البعيدة بداية من السودان التي أغلقت كل مراكزها منذ انطلاق حرب اليمن وانتهاء بموريتانيا، وعلى درجة أقل من هؤلاء تأتي مصر، وعلى درجة أكبر بعض دول غرب أفريقيا، ويتجلَّى هذا المسار أكثر في تلك العلاقات التي قامت في الماضي مع ليبيا أثناء حكم معمر القذافي وإن تم التخلي عنها بعد سنوات، وفي الحاضر نراها جليّة على المستوى الرسمي بين إيران وكل من: تونس والجزائر، والتي هي محل نقاش، وقد تتمُّ مراجعتها في المستقبل بعد تصريحات لوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني ذكر فيها تأييد كل من القيادتين في الجزائر وتونس للدور الذي تقوم به إيران في الوطن العربي!
نحن اليوم أمام موقف علني غير معهود من تونس والجزائر تجاه إيران، جاء في نفي الناطق باسم الرئاسة التونسية رضا بوقزي، بقوله: «إن التصريحات التي تداولتها وسائل إعلام إيرانية عن كون إيران هي حامية العالم الإسلامي من إسرائيل، والتي نسبت للرئيس الباجي قايد السبسي خلال لقائه بوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني رضا صالحي أميري، لا تمُت إلى الحقيقة بصلة»، وأيضاً في تصريح الناطق باسم الخارجية الجزائرية عبد العزيز بن علي الشريف: «تجدر الملاحظة بادئ ذي بدء بأن ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الإيرانية بخصوص فحوى المحادثات التي تمت خلال المقابلة التي حظي بها وزير الثقافة والإرشاد الإيراني من قبل الوزير الأول رئيس الوزراء عبد المالك سلال لا يعدو كونه نقْلاً غير سليم واستنتاجاً غير مطابق لحقيقة ما تمّ تداوله من مواضيع وما ورد من تصريحات خلال هذا اللقاء».
وهذا النفي الرسمي من تونس والجزائر لما جاء على لسان وزير الثقافة الإيراني يتناغم مع الموقف الشعبي العام في البلدين، نتيجة ما تقوم به إيران في المنطقة من محاولات تشييع حقَّقَت بعضاً من نتائجها ميدانياً، ولو أنها بنسبة ضئيلة، ومع ذلك فهي تُسْهم في صدام مستقبلي مع القوى الاجتماعية الرافضة، عِلْماً بأن هناك رفضاً لدى الغالبية في تونس والجزائر، وباقي الدول المغاربية الأخرى، لهذا التواجد الإيراني في منطقة أنشأت الدولة العبيدية، وتخلَّت عنها باختيارها، ولن تقبل بعودتها، وهو ما يجب أن تُدْرِكْه إيران.
* نقلا عن “الاتحاد”