26 نوفمبر، 2024 4:49 م
Search
Close this search box.

الاحزمة الناسفة والواح الطين السومرية

الاحزمة الناسفة والواح الطين السومرية

الاثاري صومائيل كريمر الذي عرف عن سومر واثارها مالم يعرفه أحد غيره ، وجد مرة عبارة هي اقدم آهة لحزن البشر وكانت مدونة على لون طين سومري ولشاعر مجهول والعبارة تقول : يوم قُسمت الانصبة على البشر ، كانت حصتي الخيبة والحزن والخذلان .اتذكر هذه العبارة وانا منذ عام 2003 والى اليوم اجمع تفجيرات الاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة ، بأحصاء دقيق معتمدا على نشرات الاخبار والجهات الرسمية .
أول انفجارات هذا العام كان بين عمال مسطر الطين والبناء في ساحة الطيران ، فعدت الى الوقائع التي امتلكها بذلك الدفتر الاحصائي فوجدت أن ما قتل من عمال الطين في هذا المكان يساوي 10 اضعاف اسماء الهة وادي الرافدين ، وأن الأنفجارات استهدفت مسطر العمال في ساحة الطيران وسوق مريدي في مدينة الصدر ومنطقة الكرادة كأكثر المناطق ، ولكن رؤى القساوة في حجمها الجغرافي والطبقي تظهر في ساحة الطيران حيث عمال الطين الذين اتوا من جميع مدن العراق للاسترزاق في هذا المكان ، واضافة انهم الاكثر فقرا بين الامكنة الثلاث ، وقد يكون ضحايا سوق مريدي بذات المستوى من خط الفقر مع عمال مسطر الطين في ساحة الطيران.
ويبدو ان اسم ساحة الطيران أتى متوافقا تماما مع ضحايا الاحزمة والسيارات المفخخة حيث بعد كل انفجار تطير عشرات الاجساد البريئة في الهواء وقد تصل اشلائها الى اسطح العمارات المجاورة فيما ارواح هؤلاء المساكين فأنها ترتدي اجنحة الحمام الابيض وتطير مع دمعتها ونواح الامهات الى السماء العائلية.
في العودة الى العبارة المكتوبة على لوح الطين السومري فأن المقاربة القدرية واضحة في تصور أن من كتب هذه العبارة هو فقير معدم ولأن عمال الطين من اكثر ممن يمتهنون هذا العمل في مدينة أور ، يزداد الاحتمال أن من كتب هذه العبارة اليائسة والمأساوية على اللوح الذي ترجمه لنا كريمر هو من عمال طين.
تداخل رؤوي بين ساحة الطيران وصباح سومري قديم في أور او لكش أو لارسا أو اريدو يضعنا في متخيل التنبؤات التي كانت تسكن البشر لحقيقة الوجود القادم من أن المأساة من خلال ديمومة هذا النصيب ستبقى متلاصقة مع عمال مساطر الطين حتى مع تقدم العلم واجهزة كشف المتفجرات ( السونار ) والجهد الاستخباري والموبايلات الغرامية لرجال الشرطة في السيطرات الامنية .
ربما هناك الواح كثيرة اقتربت في الرؤى مما يحصل الآن ، ومن يقرا في التوراة وما حمله ذهن كهنة بابل سيجد الكثير ممن سيكون لاحقا ، لهذا كلما اتعمق في ذاكرة النقش السومري يتحرر في اعماقي خوف كبير من ان الالهة المتعددة الاسماء والاهواء هي من وضعت نبؤة المصائر بالرغم من انها الهة من حجر ومصنوعة من المخيال البشري ولا تمت بصلة من الخلق الحقيقي الكامن في السماوات العلى :الرب الواحد .
في الاساطير ايضا هناك نبؤات ليومنا هذا ، في قصة الطوفان ، وفي ملحلمة جلجامش . ولكن الاقرب لواقعنا والمتحقق هو تلك المدونات التي تألمت مكسرة بمعاول ارهاب داعش يوم قرر تحطيم كل نبؤة تتحدث عن بطشه وقساوته وهمجيته ، ولأن نبؤة نهاية داعش مكتوبة على الوان الطين ، قرر ان يوقظ خاطرة الانصبة والاسى ويفجر بين حين وحين كل تجمعا لعمال مساطر الطين.
القدرية هي لصيق الازمنة والرابط بينهما نبؤة قديمة تستحدث الان ولكن بثوب وفقه ومبادئ اخرى .وفي النهاية من يدفع الثمن هو ذاته عامل الطين الجالس على رصيف الانتظار في ساحة الطيران.

أحدث المقالات