يبدو ان احزاب المعارضة التي استلمت الحكم بعد احتلال العراق عام 2003 لم يكن لديها سوى الرغبة في الحكم باي ثمن ، مستندة في ذلك على الشعارات المحرضة للتحشيد الديني والاثني . ولم تكن لديها اية نظرية او برنامج عمل لبناء دولة حديثة . . ولذلك جاءت الدولة العراقية على هذه الصورة المشوهة الفاقدة لكل مقومات الدولة العصرية ، حتى اصبحت من الدول الفاشلة في العالم . يضاف الى ذلك ان هذه الاحزاب والشخصيات الوافدة لم تكن تتمتع باي شعبية وليس لديها اي رصيد جماهيري يؤهلها لادارة مرافق الدولة المتعددة والمتنوعة . ولذلك نراها قد توجهت الى منح العطايا والمكافآت والمناصب الى الافراد كي ينتمون اليها او يصوتون الى مرشحيها في الانتخابات . ومن هنا جاءت الطامة الكبرى ، فالاحزاب ليس لديها موارد ذاتية لتحقيق ذلك فاتجهت للاستحواذ على وزارات الدولة وجعلها اقطاعيات خاصة لتمويلها والايفاء بالتزاماتها تجاه منتسبيها مع توفير الدعاية الانتخابية لها . فتم نهب وسلب الدوائر والوزارات على نطاق واسع . .
ولم يتم الاكتفاء بذلك فقط بل ان الكتل والاحزاب من الطائفة الثانية حاربت بشتى الوسائل لاخذ نصيبهامن الدولة ، ولنفس السبب وهو توزيع المنافع على اعضائها . وتمويل نفقات الدعاية الانتخابية من ميزانية الدولة . فساهمت هي الاخرى في نهب الدولة . وكذلك فعلت بقية الاحزاب والكتل الاخرى المشاركة بالعملية السياسية وبدلا من ان يتم بناء الدولة على وفق اسس علمية سليمة تستند على الكفاءات النزيهة لتوفير العدل والخدمات للمواطنين ، نرى ان هذه الاحزاب قد تكالبت على الدولة وجعلها بقرة حلوب للحصول من خلالها على اكبر عدد ممكن من الاصوات المؤيدة لها وبالتالي الحصول على مصادر اكثر للتمويل . وكلما كثرت جماهير الحزب كثر الفساد والسلب لهذا الحزب الا ما ندر . حتى اصبحت جماهير هذه الاحزاب مجرد عناصر مدفوعة الثمن او مرتزقة . . ومن هذا الواقع ايضا نرى ان نوابا ينتقلون من كتلة الى اخرى على حسب قدرة هذه الكتلة او تلك على دفع المزيد . وكاننا في مزاد للنخاسة يهدف الى الحصول على اكبر عدد ممكن من الاصوات لضمان الحصول على عدد اكبر من الوزارات . وهكذا دخلنا في حلقة مفرغة من السلب والنهب الذي شمل تقريبا كل المتصدين للعمل السياسي
وبدلا من السعي لبناء دولة عصرية نرى الاحزاب الحاكمة تقضم الدولة حتى استحوذوا على كل مواردها . . وهم بفعلهم هذا كمن يسرق نفسه .. حيث ان الدولة التي يريدون بناءها قد سلبوها وافرغوها من كل مقومات الحياة . . والاكثر من هذا فقد كان يفترض بالكتلة الاكبر ان تمنع الاخرين من نهب الدولة نراها تغض النظر عنه. . فزاد الجميع فسادا ، حتى اوصلوا الدولة الى حد الافلاس المادي . ووصلوا هم الى حد الافلاس الاخلاقي
وبعد هذا كله تاتي ورقة السلم الاهلي الجديدة لتطرح مشاريع بالية ومستهلكة لاعادة انتاج نفس التجربة . لتبقى المحاصصة كما هي ، سبع وزارات لي وثلاث وزارات لك واربعة وزارات للاخر . . وستكون المصالحة الجديدة مجرد اعادة تقسيم الوزارات وليس القضاء على الفساد او المصالحة
ان اول ما يجب ان تتصدى له مشاريع السلم الاهلي او المصالحة هو النقد الذاتي والاعتراف بالخطا والفشل في ادارة الدولة والمساهمة في تشجيع الفساد . ثم تأتي الخطوات اللاحقة في محاسبة الفاسدين الكبار . ومن ثم الدعوة لمبدأ المواطنة ليكون بديلا عن الارتزاق والتنعم على حساب الفقراء والمهجرين .
ان هؤلاء المتربعين على عرش السلطة لا يمكن ان يتنازلوا عنها بطيب خاطر . فهم مترفون . لديهم الجاه والسلطة والمال . وتحرسهم مافيات مسلحة . فمن اين تأتيهم صحوة الضمير او الشعور بالمسؤولية .
ان الشعب اذا لم يستطع الانتفاضة او الثورة لطردهم واقتلاعهم . فأن التوازنات الدولية كفيلة بتنفيذ هذه المهمة . واذا كان الخطر الداعشي قد ساهم في حمايتهم الى يومنا هذا . لكونه العدو الاكبر للانسانية فان امرهم سينتهي بنهاية هذا العدو . . وفي الاخير لا يصح الا الصحيح .