26 نوفمبر، 2024 9:37 م
Search
Close this search box.

الاحداث كبيرة والرجال صغار

الاحداث كبيرة والرجال صغار

بغداد عرصة مربوطة بحبال الى نهر دجلة، كلما شدها الموج عنيفا انفلتت، على مر الحكومات المتعاقبة على السلطة، تحمل وصية مطلقة:
اقتلوا لأدنى شبهة.
ما جعل القدر المحيط بالعراق.. ارض الرافدين المتشحة بالسواد، كبيرا، يتصدى له الصغار.. اولئك الذين هم احط من مستوى الحدث، وأقل وعيا من الاسهام بحوار متصل.. انهم يقطعون سلسلة القول وتتهرأ على السنتهم البلاغة فيعيون عن روفها.
ينتصب الرجل منهم واليا على بغداد، فلا يلقى قبولا من اهلها ولا تلقى منه قبولا، حتى يأتيه كتاب الخليفة:
قل شاكروك وكثر شاكوك، فاما اعتزلت او اعتدلت.
الا انه، لا يعتدل ولا يعتزل ولا يعنى بشكر القلة وشكوى الكثرة، فارضا نفسه بقوة السلاح ولوي الاذرع؛ حتى لو الحق ابادة جماعية بالناس ولم يبقِ سوى بضع ازقة عامرة بالمومسات يحكمها في مدينة خلت من سكانها عن بكرة ابيهم.
تلك بغداد تحت سنابك خيل السلطات المتلاحقة وظلال سيوفها.. ما مر عام وليس فيها جوع، كما قال الشاعر بدر شاكر السياب، لا مشروع يكحل العين التي تآكلها الرمد، منذ 9 نيسان 2003، بعد ان جف النور فيها جراء حروب الطاغية المقبور صدام حسين، والحصار الذي جره على شعب العراق بسبب غزوه دولة الكويت الشقيقة، وما خلفه سقوطه من ارهاب مريع.. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
متى تضع الحرب التي بدأها صدام حسين على الشعب العراقي اوزارها؟ فاوارها ما زال مستعراً برغم سقوطه المدوي.. سقط لكن فعله ما زال قائماً، والمرء منسوب الى فعله.
حكومات كثيرة، جاءت باسم الشعب، لكنها عملت على اضعافه، كي تقوى، مثلما قال السيد المسيح.. عليه السلام: كثيون سيأتون باسمي ويضلون كثيرين.. ستسمعون بحروب واخبار حروب، لا تقلقوا لن تقوم الساعة.
نعم.. عيسى بن مريم يطمئن الانسانية الى ان الساعة لن تقوم، لكن ساعة العراقيين تقوم كل لحظة، على هوى حكامها، وآفة الرأي الهوى، في ما تقول حكمة الامام علي: لا رأي لمن لا يطاع.
لذا يلجأ الحكام الى فرض آرائهم بالقوة؛ كي يمرروا هواهم، ضاربين الراعي الذي تتبدد بغيابه الرعية؛ لأن الناس على دين ملوكها؛ فان كان الحاكم اهوج، شاع هوجه في الناس نقمة، وان كان تأملياً، شاعت تأملاته في الناس نعمة.
ما حدث بعد سقوط الطاغية المقبور صدام حسين، في 9 نيسان 2003، اننا وجدنا الطاغية مرة اخرى، في الطرف الآخر من الجرح، تنكأه الاحداث، فيدمى.. مرة ومرات الى الابد… جاعلا الانسان العراقي قربانا للسبت، بدلا من ان يجعل السبت قربانا لانسانية العراقي.
متى تحل على دفة الحكم سلطة تعنى بشكر الشعب وتأرق لشكواه؛ فلا تلزم الشاكي بالشكر؛ دأبا على ما كان الطاغية يجبر الشعب عليه من تهليل ونفاق طويا على بطون خاوية واذلال مهيناً.. شرع حسناوات العراق الشريفات، في الجامعة، للطلبة العرب، يسقطون حرمتهن، امام الدولارات التي يغدقها عليهم ويشح بها على شعبه.. والجوع كافر.
والمشكلة تتكرر، فاقتصاد العراق، لن يكفي تقاعداً لثلاث دورات مقبلة من اعضاء مجلس النواب، وسيظل العراق على هامش الرئاسات الثلاث كما كان على هامش العرب، يستنزفون اقتصاد العراق، نظير خدمات لا يقدمونها لصدام، مثلما تستنزف الرئاسات الاقتصاد الان، من دونما خدمة، سوى الموت الذي يصدرونه من تحت قباب مجالسهم الثلاثة الى الشارع، يفرجون احتقانات تأزمهم بالتنفيس عنها انفجارات في الساحات العامة، يتبادلون من خلالها لوي الاذرع.
فتعود بغداد مجرد عرصة مربوطة بحبال متهرئة الى شواطئ دجلة، يميد بها الموج العاتي فتنفلت، وشعبها جائع على مر السنين؛ لأن الصغار.. الصغار من سنافر رجالها يتصدون للاحداث الكبيرة، يقيفونها على مقاسهم، فتضيق من حول الشعب حد الاختناق، وتدعيما لاستحكامهم من السلطة، ينفذون الوصية، بالقتل لادنى شبهة.

أحدث المقالات