احدث القرار الروسي الأخير, بسحب قواته من الأرض السورية, مفاجئة من العيار الثقيل, وتبدل كبير في السياسة, بعد الاندفاع الكبير, الذي كان ينبئ بتوسع دائرة الحرب, خصوصا بعد الصدام المباشر, مع تركيا, والغير مباشر مع أمريكا ودويلات الخليج, فلماذا ألان تقوم روسيا بهكذا خطوة؟ هل هو اخذ العبرة من الفخ الأفغاني, الذي وقع بها الاتحاد السوفيتي في الثمانينات, فأسرعوا للإفلات من الفخ السوري؟ أم أن هناك أسباب أخرى, دفعت لمثل هكذا خطوة غير متوقعة.تفكيك قضية الانسحاب, يمكننا من الوصول للاحتمال الأكبر, للدوافع الحقيقية للخطوة الروسية.الاحتمال الأول: هو مال تناولته الصحف الأمريكية, والمعروف أن الأعلام, هو السيف الأهم بيد الإدارة الأمريكية, فقد ركزت بعض الصحف ومواقع أمريكية, على أن الانسحاب دليل على وجود خلاف عميق, بين الروس والأسد, وأنهم بدوا الآن منسجمين, مع فكرة رحيل الأسد, وبانسحابهم يتركوه وحيدا في الساحة, ليواجه وحده مصير حتمي, في حرب خاسرة, أمام أذناب أمريكا في المنطقة.الاحتمال الثاني: الذي اعتبر الانسحاب, أنما هو تأكيد على نجاح الروس, في تثبيت حكم الأسد, وأصبح من المستبعد إسقاطه, وجعلته في موقف الأقوى في المفاوضات القادمة, وانسحابها للدفع للاتجاه السلمي التفاوضي, بين الأطراف السورية, ولتشكيل صورة جيدة عن روسيا تدعم السلام لا الحرب, أمام الرأي العام العالمي والعربي.الاحتمال الثالث: هو سعودي, حيث أن التحالف العسكري الإسلامي السني, الذي تقوده مملكة آل سعود, وبعد أن استعد جيدا في حفر الباطن, وقرب من انتهاء عملياته الكبرى في اليمن, بعد أن أتم تدمير البلد الفقير, أصبح ألان متأهب لعمل مماثل في سوريا, ولكي يقوم بمهمته القذرة, يجب أن تبتعد القوات الروسية, لأنه يتحول لقط صغيرة أمام الدب الروسي, ولكي تقبل روسيا فكرة الانسحاب, لفترة معينة وليس دائما, كان على آل سعود دفع الفاتورة للروس.الاحتمال الرابع: النفط , قد يكون هو الدافع للانسحاب التكتيكي, والذي يتم بعد تفاهمات مع السعودية, والتي قد تمكن من رفع الأسعار, مما يعود بأرباح كبيرة على الشركات الروسية, والمعروف أن المصلحة هي دوما الباعث للحركة, لذلك ليس بغريب أن يتم هكذا اتفاق, ويكون مؤقت كي لا تخسر روسيا, ورقة الأسد (الجوكر), الذي تملكها في الشرق الأوسط, فتكون فرصة لعرض سعودي للقوة قريبا.الاحتمال الخامس: الاقتصاد الروسي تحمل الكثير, نتيجة تكلفة العمليات العسكرية في سوريا, مما زاد من متابعه, وهو للتو بدا يتعافى, بعد عقدين مريرين من التقلبات السياسية والعسكرية, بل أن الحرب كان مخطط لها, منذ أول يوم أن لا تدوم طويلا, بل تحقيق هدف معين, وتم الهدف الروسي, بإبراز القوة الروسية عالميا, وتثبيت وتحصين قاعدين على الأرض في سوريا,وألان وجب الانسحاب, مع كسب فوائد الانسحاب, كي يتحمل الآخرون فاتورة العمليات الروسية, ونال الروس ما أرادوه بحسب التسريبات الخبرية.احتمال السادس: هو أن يكون هناك مباحثات روسية أمريكية, سبقت الانسحاب, يكون مقابل تخفيف العقوبات على روسيا, من قبل أمريكا والغرب, وفتح باب جديد للتواصل بين القوتين, وهو مكسب كبير لا تضحي به روسيا, مقابل الوفاء لحليف, عمره الافتراضي في تناقص سريع.الاحتمال السابع: هو جملة قضايا متداخلة, مثل القضية الأوكرانية, التي تريد روسيا تسويتها مع أمريكا, وتمثل دمشق ورقة مهمة للضغط, والحصول على مكاسب, أو موضوع انهيار بعض المصارف الروسية, وانخفاض قيمة العملة الروسية, وانحسار المكاسب النفطية, وفتح أسواق السلاح للمنتج الروسي, كلها تكون من ضمن الاحتمالات الممكنة, التي تغير بوصلة الموقف الروسي, بل وتكون هي الدافع الحقيقي, للتحرك الروسي منذ أول الأمر.عالم غريب تغيب فيه القيم وتضيع حقوق الناس, انه مسرح كبير للعبة القمار, الفوز فيها لمن يملك أوراق أهم.