18 ديسمبر، 2024 7:58 م

الاحتلال وسياسة الإبعاد

الاحتلال وسياسة الإبعاد

بعد احتلال الأراضي الفلسطينية العام 1967 لجأ المحتل إلى سياسة إبعاد المثقفين والمبدعين الفلسطينيين، والكتاب الذي أبعدوا عن وطنهم في السنوات الأولى للاحتلال كانوا في ربيع عمرهم وريعان شبابهم وفي بدايات طريقهم الادبي قبل حزيران، وقد نشأوا وترعرعوا مع مجموعة كتاب مجلة ” الأفق الجديد “، التي قصفتها الحرب، وتوقفت عن الصدور، وتشرد عدد من كتابها الشباب، كماجد أبو شرار، الذي واصل الكتابة في المنفى وأشغل مسؤولًا في دائرة الاعلام الموحد، وصدر له مجموعة قصصية بعنوان ” الخبز المر”، واغتيل في روما سنة 1981. وهو ليس الوحيد الذي قتل في منفاه، ففي العام 1972 اغتيل الروائي الفلسطيني الكبير غسان كنفاني في بيروت، وفي العام 1971 اغتيل الشاعر كمال ناصر في بيروت ايضًا، وفي العام 1980 اغتيل عز الدين القلق في باريس، الذي أصدرت له مؤسسة الأسوار في عكا القديمة لصاحبها ومؤسسها الناشر يعقوب حجازي مجموعة قصصية، وهو ممن بدأوا حياتهم الأدبية على صفحات ” الأفق الجديد “.

ومن الكتاب الذين واصلوا الكتابة بعد حزيران 1967 في المنافي والشتات الكاتب القصصي والروائي يحيى يخلف، الذي عاد بعد اوسلو ويعيش اليوم في رام اللـه، وكان قد عبر كل أبواب جهنم/ المنافي، من السعودية وحتى بيروت، والذي قال عن تجربته الأدبية قبل وبعد حزيران : ” قصتي الأولى القصيرة التي نشرتها في ” الافق الجديد ” لم تظهر في كتاب، اعتبرتها محاولات أولى فيها عيوب البدايات لذلك تركتها وشأنها تغفو في أعماق المجلدات القليلة المتبقية في القدس لمجلة ” الأفق الجديد “. ويضيف : ” ولادتي في الحقيقة ككاتب كانت بعد حزيران العام 1967، بعد الهزيمة المرة، وبالتحديد بعد الانطلاقة الجديدة للثورة الفلسطينية التي جاءت كرد عملي على الواقع الفاسد، وكنافذة أمل فتحت في الليل العربي المظلم. وقد انخرطت كما معظم الكتاب الفلسطينيين في صفوف الثورة، وفي الأيام الاولى التي رفع فيها شعار ” البندقية لا الكلام ” و ” اخرس يا قلم وزغرد يا رصاص “. تدربنا على في معسكرات الثورة، وحملنا السلاح وعشنا مع المقاتلين واخذنا دورنا في صفوف قوات المليشيا ولم نجرؤ على التباهي بأننا أدباء. ثم بعد فترة وجيزة بدأت تتشكل المؤسسات الاعلامية والثقافية والسياسية في الثورة.. أصبحت للكلمة أهمية وازدهر ” مركز الأبحاث “، وظهرت المجلات ونشطت الثقافة السياسية في المخيمات، وأصبح هناك من يعترف أن للكلمة دورًا وان الثقافة في مرحلة التحرر الوطني تشارك في حياة الشعب وتشارك في النضال وتكوم جزءًا من العملية الثورية .

والكاتب الآخر الذي كانت سلطات الاحتلال أبعدته عن الوطن في شباط العام 1975 الروائي محمود شقير، النجم الأدبي الساطع الذي لا يشق له غبار، ويشهد كل من عرفه بصدقه ومصداقيته في سلوكياته، وقد تنقل بين عدة مدن في الشرق والغرب خلال الابعاد والمنفى كبيروت وعمان وبراغ لحين عودته إلى الوطن، حيث يقيم حاليًا في القدس، يواصل الكتابة والنشر والاصدارات والابداع الملتزم بهموم وقضايا شعبه ومجتمعه وقضايا الانسانية المقهورة المعذبة.

وقد كان هدف الاحتلال من سياسة الطرد والإبعاد هو ثني الكتاب والشعراء وعشاق الكلمة عن التزامهم وحجب صوتهم واغتيال أقلامهم، لكنه لم ينجح في سياسته وتحقيق غايته وهدفه، فرغم الاعتقالات والابعادات والمضايقات ، بقي الصوت الأدبي صداحًا في الوطن، يغني للأرض والحياة والحرية، ويهتف للاستقلال والعودة.