11 أبريل، 2024 4:38 م
Search
Close this search box.

الاحتكار الإداري كالاحتكار الاقتصادي … كلاهما حرام

Facebook
Twitter
LinkedIn

كثيراً ما يتبجح المسئولين التنفيذيين في الحكومات العراقية المتعاقبة من وزراء ووكلاء وزارة ومدراء عامون وحتى معاونيهم بأنهم يحملون الحقائب المتخمة بالبريد والكتب إلى بيوتهم ويبقون عاكفين على المراجعة والتوقيع الى ساعات متأخرة من الليل، ليأتون في اليوم التالي الى عملهم صفر الوجوه ذابلي العيون لأنها مثقلة بالسهاد، فتكون إنتاجيتهم أقل بالضرورة وتركيزهم اقل خلال العمل ، سمعت ذلك من افواههم مراراً، ولم أجامل منهم أحدا ً، قائلاً ان ذلك محض الترّدي الإداري ومحض سوء الإدارة ومحض الجهل الإداري، لان الإدارة احبتي هي فن تشغيل الاخرين واستحلاب اقصى طاقاتهم، والقائد الميداني الناجح هو من يعمل أنظمة عمل ولوائح معيارية سهلة ومرنة وتحفظ الحقوق وتسرع الإنتاجية المجتمعية ، ويجتهد بمراقبتها وعدم التجاوز عليها وسير السياقات بموضوعية وعدالة ، ويضع له مجسات وينتقي مؤشرات مرة روتينية ومرة أخرى عشوائية ، ومرة دورية ومرة مباغتة لمراقبة أداء من هم في معيّته المكلفين بها ،ويفحص نوعية وسرعته وإخلاص الموظف ونزاهته في أدائها وعدم التحايل او التنازل عنها لمحسوبيات او لرشا وعمولات مدفوعة ، وقد مكنته الأدبيات الإدارية من التعاطي مع سوء او حسن الأداء من خلال المكافئة والعقوبة ( العصا و الجزرة) او سمها الثواب والعقاب، وعليه ايضاً ان يستعملها بعدالة وصدق ووضوح ودون مجاملة لأحد ليكون قدوة للعاملين تحت إدارته .
أما الإدارة في العراق المتمثلة بفن الاستحواذ على كل الملفات وسحبها من المعنيين بها والمختصين بها واحتكارها لدى رئيس الدائرة او المؤسسة وفن السهر على الملفات في بيوت المسؤولين – وربما تساعدهم زوجاتهم واولادهم في اتخاذ القرارات بشأنها- وممارسة فن ( الرياء الإداري ) بتكديس الملفات على مكاتب المسؤولين الكبار
واختناق رفوفهم بأكوام الورق ، ويتصرفون بأسلوب الانشغال المصطنع والاستنفار المزيف وهم يدورون في حلقات ورقية مغلقة ، وتأخر مصالح البلد والاعمار والتنمية والاستثمار والخدمات والمنافع بحجة انها لابد ان تمر تحت يد القائد الميداني الإداري الأعلى في المؤسسة فهي محض احتكار.
يتندر مسئولين آخرين أيضا بأنهم سحبوا عمل فلان وملفات فلان وجعلت فلان لا يعمل سوى بقراءة الجرائد اليومية وشرب الشاي، وكأنك يا مسؤول كي ترضي نهمك الإداري والسلطوي وترضي الطاغية الذي في داخلك جردت الآخرين من كل صلاحياتهم واعمالهم، وهو بالتأكيد دكتاتورية إدارية مقيتة.
ففي علم الإدارة هنالك مفاهيم مبنية على أساس كيفية الوصول الى الحلول المثلى والانجاز الأمثل للأعمال ، وأنصحكم إن رغبتم في التطور والتطوير ان تدرسوا البرمجة الخطية وبحوث العمليات وإدارة الأعمال ، ولأجل ذلك تعلق مسؤولية الاعمال في رقبة مواقع إدارية بعينها حسب توصيفها الوظيفي، وبذلك تمنح الصلاحية لتساوي تحمل المسؤوليات المناطة بالموقع لإنجاز الاعمال الوظيفية الكفيلة بتقدم العمل والتنمية، فيا أيها المسؤول الأعلى اذا جردت المواقع من صلاحياتهم وسحبتها لك، فأنك يجب ان تتحمل مسؤولياتهم ايضاً، فتصبح مسؤول عن تقديم الأداء الحسن مقابل أي صلاحية إدارية منتزعة من المسئول عنها وبخلافه تكون جريرتك مضاعفة مرة لأنك سلبت أعمال الآخرين واختصاصهم ومرة لأنك لن تفلح في أدائها ، ولم تقدم الأداء الحسن مقابل أي صلاحية إدارية منتزعة من المسئول عنها، وأنت من يتحمل الفشل والإخفاق .
ترى ، هل أنت سوبرمان الزمان ؟ وهل يومك ليس كيومنا ؟ يومك يمتد إلى 100 ساعة مثلاً كي تنجز كل اعمال الاخرين، بالتأكيد لا، لأنك انسان عادي ، وبذلك فأن احتكارك للأعمال الإدارية سيظهر على شكل تقصير حتمي في أداء المؤسسة وتأخير في الإنجاز ورداءة في النوعية، وهنا انت تصبح محتكر وملعون لأنك منعت بلدك وشعبك من فرصة التقدم والرفاهية وقصرت عليهم في الخدمات والبنى التحتية وخلق فرص تنشيط الاقتصاد، وانت هنا ملعون ليس على لساني انا العبد الفقير وإنما أنت ملعون على لسان سيد الخلق محمد صلوات الله عليه وآله، الذي يقول، (الجالب
مرزوق والمحتكر ملعون) والجالب هو خلاف المحتكر الاقتصادي للسوق وللسلع التي ينتجها حيث يجلب ما ينتجه من سلع وخدمات الى السوق مباشرة لتخضع لقوى العرض والطلب، أي ان جهاز المنافسة هو الكفيل بتحديد سعرها واذا اردت ان تبيع اكثر وتربح اكثر عليك ان تطور الأداء وتدخل التقنيات والمعارف وتستعين بالخبرات والكفاءات لكي تقلل الكلف وتحسن نوعية المنتج لديك ليكون منافس وتزيد أرباحك فيحصل التقدم في كل شيء، وبذلك تكون مرزوق لأنك لا تراهن على الاحتكار للتلاعب بالأسعار ، فالسعر في سوق المنافسة ( معطى)، بينما السعر في سوق الاحتكار أنت من تريد التحكم به والمراهنة عليه لا على الكفاءة في جنى الأرباح فأنت محتكر ملعون .
والمحتكر ملعون لأنه يراهن على حبس السلع والخدمات عن تغذية العرض الكلي و يرفع الأسعار لجني ربح احتكاري وهو اكبر بكثير من الربح الاقتصادي واذا كان المحتكر الاقتصادي ملعون، فالمحتكر الإداري هو الاخر ملعون لان نفس المقدمات تنطبق عليه، فهو لا يترك الاعمال الإدارية تسير بسلاسة من قبل المعنيين بها ويمنعها من الإنجاز السريع مقابل الحصول على ( السمعة الاحتكارية) وهي مقابلة (للربح الاحتكاري) حيث يمنع الاخرين من الابداع ويقمع طاقاتهم وخبراتهم وتخصصهم و يركنهم جانبا لكي يبقى هو المميز ، ويكون تميزه من خلال تغييب الآخرين المنافسين ودفعهم نحو الأسفل ، وليس من خلال الاجتهاد والمثابرة الخلاقة فيتقدم عليهم ، ويحصل على السمعة الاحتكارية هذه السمعة الاحتكارية له تكون سبباً في تأخر البلد وعدم استنهاض طاقاته الخلاقة ، أي انه يدفع البلد ثمنا لنهمه الشخصي ، ومن يفعل ذلك فهو ملعون ملعون ملعون ، وعلى لسان نبينا الكريم (ص) ، فهو يمنع طاقات الاخرين من دخول ( السوق الإدارية) ويحتكرها لنفسه لأنه اضعف من ان ينافس الاخرين، ولو كان حريصاً على بلده لجلب طاقات الآخرين إلى (سوق المنافسة الإدارية) وأتاح لهم الفرص المتكافئة ، وعندها سيكون مضطرا إلى تطوير قدراته وتحسين إمكانياته المعرفية والمهنية لمجاراتهم في العمل ومنافستهم، ولذلك هو يمنعهم من الدخول الى حلبة السوق الإدارية، وهنا تحل عليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب