منذ طفولتي في الخمسينات وانا مهتم بقدر ماكنت افهم بالشأن العام ، وكنت أتابع والدي وهو يحب إذاعة هنا لندن ، وكنت أنتبه جييدا الى معلمي الشيوعي الذي كان بحثنا على عدم إلحاق الاذى بالسبورة او تبذير الطباشير ، وكنت ألاحظ سائق سيارة نقل الطلاب العائدة لمدرسة الكرخ النموذجية ، scool bus . الصفراء وهو يغسلها عند كل فجر ، قبل ان يتوجه الى دور سكن الطلاب، وقد تعلمت متذ صغري ان الوظيفة الحكومية ايا كانت هي متعة وتشريف للموظف ، وعندما تم تعييني بعد تخرجي من الجامعة اتخذت قرارا ان لا اغادر مقر عملي دون اكمل كامل الواجب اليومي ، وكان عملي في البداية هو أمين مخزن لمكتب توزيع الزيوت النباتية والصوابين والمساحيق في الحلة ، وكان على امين المخزن استلام مبالغ المبيعات عند عودة الباعة المتجولين بشاحنات التوزيع ، وكانت السيارات تعود بعد الدوام الرسمي ، ويذهب الباعة الى دورهم بعد تسليم النقود ، وأبقى لوحدي ، لاقوم بتوحيد النقود حسب الفئات وحسب تعليمات مصرف الرافدين لأصحاب الحساب الجاري ، واتم عملية ترحيل المباع واجرد المخزن واجري المطابقة ، وافتش المخزن من الناحية الأمنية وأغلق الباب واتأكد عدة مرات من أن الاقفال مغلقة ، ومن ثم أغادر إلى الفندق الذي أسكن فيه مقابل المحافظة..
أردت بهذه المقدمة ان أوضح لكل مواطن عراقي ان الوظيفة عمل مرعب لانه يتعلق بالمال العام وهو يعود للدولة وتحكمه القوانين ، ولم أسمع منذ الستينات ولحد سقوط النظام السابق ان مرفقا حكوميا احترق او ان مصرفا حكوميا سرق ، او ان أحدا مزق مقعد باص مصلحة نقل الركاب ، او ان احدا لم يقطع قيمة تذكرة الركوب في الباص ، وكنت ترى حرص المحصل وحرقته لقطع التذاكر، لقد كانت الدوائر الحكومية تشكو دوما قلة الكادر وكان الموظف الحكومي باختصار يعمل كل ساعات العمل وبراتب يساوي أجر الكفاف ولظروف عمل أغلبها غير مناسبة ، ولكن لم يسرق او يرتشي او يخون دائرته ، وذلك لسببين ، الاول انه يخاف سطوة الحكومة وبالذات الأمن الاقتصادي الذي لا يرحم المذنب ولا يهتم للبرئ الكل عنده مذنب.والثاني ان الموظف كان يتمتع بأخلاق عالية وتربية تحميه من كل زلزل ، أننا لا نقلل من كفاءة الموظف المعاصر ، ولكن نقول بعد السقوط سقط اغلب من كلف بوظيفة عامة من قمة المهنة وهوى في اتون الخيانة الوطنية ، فهذا يحرق أوليات العقود في البنك المركزي ، وذاك يحرق طابق العقود في وزارة النفط وثالث يتسبب في تسرب المياه إلى العملة الورقية في بنك العراق المركزي (بنك البنوك ) خامس يرتشي وسادس يختلس وسابع وزير يزور وثامن مدير عام مصرف خصص للتنمية الزراعية ينهب اموال المصرف، وتاسع يزور عقود التبليط ، وعاشر يتأمر على قوت الشرطي او الجندي ، وغيرهم ممن ابتدع درجات الفضائيين ، او الرواتب المزدوجة .. واليوم اصبحنا على فاجعة احتراق مستشفى أبن الخطيب ، حيث الوفاة والجروح ، والجروح تنتاب نفوسنا لما ال اليه بلدنا .
أن العراق باختصار يحتضر وهو حتى باختضاره يسبب الالام للملايين من الناس ويشيع السعادة على القلة الحاكمة التي باعت الضمير للأجنبي ، انا لله وانا اليه راجعون…..