العقوبة في جوهرها هي عبارة عن نوع من القصاص من الجاني بقصد إيلامه فلا توقع إلا على مرتكب الجريمة الذى يتوافر لديه شروط المسئولية الجنائية عنها، أي أنه لا يجوز أن تمتد العقوبة إلى غير الشخص المسئول عن الفعل الإجرامي، ولا يصح أن تنال أحد أفراد أسرته، أو أحد أصدقائه أو أقاربه، ولا يشترط أن تمس العقوبة الفاعل الأصلي للجريمة فقط، بل هي تمس أيضا الشريك والمحرض والمتدخل والمخفي.
هناك ممارسات ظهرت من بعض قيادات المحافظات وبعض القيادات الأمنية، وقد تكون هي رؤية حكومية، باعتبار بعض العوائل حاضنات لداعش وهناك استدراكه على هذه القضية، وهي:
ان الدستور النافذ(م19/ثامنا) والقانون ينص على قواعد امرة بان العقوبة شخصية وهذا معناه لا يجوز ان يأخذ الاب او الابن او الزوجة والأطفال بجريرة ذويهم، فاذا كان احد افراد العائلة حاضنة لداعش ما ذنب بقية افراد عائلته في هذه الممارسة (ان صحت) لا سيما ان العرف العشائري يجعل من الاب والابن والرجل ذو سطوة ونفوذ على عائلته يجعل من المستحيل الخروج عن حدود رغباته وآرائه، وبالتالي البقية لا حول لهم ولا قوة وما علاقة طفل او امرأة بان تحرم من العودة الى بيتها ومحيطها ومقرها، لا لشيء الا لان زوجها او اخيها او والدها كان مع داعش او حاضنة لها، ان في ذلك تجاوز على القانون الدولي الإنساني وقبله الوطني العراقي لان العقوبة ليست جماعية، وبالتالي لاحظنا ان بعض القيادات للمحافظات احتجزت عوائل بأكملها للتحقيق معها كما حدث في جرف الصخر وديالى وصلاح الدين وتلك ممارسات وتصرفات ليس لها سند قانوني، وليس هناك مفردة(حاضنة عائلية) في القوانين المختصة، ونحتاج الى وقفة من القيادات الوطنية والسلطة القضائية للتصدي ووقف تلك الممارسات التعسفية، وان مسالة اثبات ان هذه العائلة او تلك باحتضان داعش، بات يخضع للاتهامات العشوائية والمزاجية وتأويلات ليس لها ادنى ما يزكيها من الوجهة القانونية او يصدقها من الوجهة الشرعية وامر التحقق من ذلك موكل للقضاء وحده، يعني أن العقوبة لا توقع إلا من خلال سلطة قضائية مختصة نصت عليها القوانين ذات العلاقة، ومن خلال حكم قضائي، وهو من يبت بذلك ولا توجد في كل قوانين ومواثيق العالم مفردة اتهامات عائلية.
فلا يجوز ان تقوم قيادات محلية باحتجاز عوائل بأكملها كما حدث في محافظة بابل عندما تم حجز اكثر من خمسين عائلة بتهمة انها حاضنة لداعش والقيادات المحلية ليس لها صلاحية اصدار عقوبات لان العقوبة قضائية وصلاحيات المحافظة إدارية، فلا تكون العقوبات الصادرة من قبل المدراء على موظفيهم، أو الآباء على أبنائهم لها صفة العقوبة الجزائية بل أن الجزاءات الإدارية أو الجزاءات المدنية لا يتقرر لها وصف العقوبة الجزائية لاختلاف طبيعة كل منها، وإقرار قرارات إدارية أو تأديبية لا يمنع إيقاع عقوبة جزائية على نفس الفاعل كما هو الحال بالنسبة للموظف العام الذي يقبل رشوه، لذا لا بد وأن تكون العقوبة صادرة من قبل هيئة قضائية مكتملة الأركان حسب ما يقرره قانون أصول المحاكمات الجزائية وعن طريق حكم قضائي متوافرة فيه الشروط المشار إليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية .
وحق الحياة والأمن والحرية حقوق دستورية، ربط دستور (2005) بينها منفرداً عن باقي الدساتير التي صدرت قبله، في المادة 15 ((لكـل فـرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذا الحقـوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءاً على قرار صادر من جهة قضائية))، لذا لا يجوز حرمان هذه العوائل من العودة لمساكنها والدولة معنية بتوفير سكن لكل مواطن فكيف بها، تمنع رجوعه لمسكنه؟
اننا لسنا بصدد الدفاع عن المتعاونين مع داعش الإرهابي، لكن العقوبة ضرورة اجتماعية والضرورة تقدر بقدرها دون إفراط أو تفريط ومؤدى ذلك أن العقوبة لا تكون عادلة إلا إذا كانت لازمة لا غنى عنها لتحقيق مصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام، أي إذا كان وجه الضرورة في تقريرها والالتجاء بها واضحا؛ أما إذا كان من الممكن حماية المصلحة الاجتماعية المراد حمايتها بوسائل أخرى غير العقوبة الجنائية؛ فإن لجوء المشرع إلى العقاب الجنائي يكون من قبل التعسف في استعمال حق العقاب، ومنافياً لما تقتضيه العدالة ومراعاة العدالة في مرحلة التجريم والعقاب، وبالتالي يجب أعادة جميع العوائل الى مساكنها خصوصا النساء والأطفال والشيوخ، اما من تكون عليه معلومة امنية او قرائن او ادلة تفيد باحتضانه لداعش الإرهابي؛ فان الفيصل في ذلك ساحات القضاء، لا ان يخضع لاجتهادات اللجان الأمنية للمحافظات او مزاجيات وتأويلات إدارية؛ لان في ذلك مغادرة لحقوق دستورية وردت في قواعد امرة لا ينبغي انتهاكها. .
وفي الحديث الشريف للرسول الأعظم(ص) “لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه” وبهذا المبدأ فقد هدم الإسلام النظام الذي كان سائداً عند العرب في الجاهلية وهو مسئولية القبيلة مجمعة عن الجريمة التي تقع من أحد أفرادها.
ولا نريد الانصياع لمبدأ (القوة تنشأ الحق وتحميه) الذي كان سائدا في التاريخ الاسلامي ولا يعترف بمبدأ شخصية العقوبة، لان في ذلك اسقاط لقوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة).
في ظل هذه المعطيات والممارسات التعسفية بحرمان واحتجاز عوائل بنسائها واطفالها وشبابها ورجالها باتهامات جزافية، سنكون قد انتهكنا باب الحريات وحقوق الانسان بالدستور، المادة (19/ثاني عشر والمادة 30/ اولا المادة 37/ب)، وهو انتهاك خطير، إضافة الى ان القانون قد منعه بنص المادة 92 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي نصت (لا يجوز القبض على أي شخص او توقيفه الا بمقتضى امر صادر من قاضي او محكمة او في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك) ويتناقض مع ما صادق عليه العراق من اتفاقيات ومعاهدات دولية، حيث إن اختفاء هذه العوائل ومنع أحد من زياراتها ومعرفة احوالها، يعد صورة من صور الاختفاء القسري.
ونذكر بان محافظ ديالى ونائبات ونواب برلمانيين من ديالى ومجلس محافظة صلاح الدين ونواب صلاح الدين أكدوا لمرات عديدة واخرها نواب ومجلس محافظة صلاح الدين، بان العوائل المهجرة والنازحة لم يتم اعادتها لحد الان الى مساكنها تحت عدة اتهامات او افتعال عوائق امنية ليس لها أصول قانونية او اجتماعية او إدارية صلدة
وننوه، عندما يشعر المرء بالأمان في بيته يتمني لو انه قام بمغامرة وعندما يقوم بمغامرة يتمني لو انه عاد ألي بيته ليعيش في أمان، والجوع شيطان رجيم يدعو إلى الخطيئة، فلا تدعوا هذه العوائل ترتكب الخطيئة وتصبح حواضن داعشية وارهابية حقيقية.