المخادع ذئب يبكي تحت أقدام الراعي كما يقول ألبير كامو . هذا ما لم تستوعبه إيران فظنت أنها تمكنت من خلال الاتفاق النووي من ترويض أميركا وما تدري أنها بلعت الطعم الأميركي ، فبعد ما قدمته من تنازلات بخصوص برنامجها النووي لم تجن أي فائدة تذكر والأدهى فإن الغرب سوف يخاتلها ويجعلها تنقض القرار ومن ثم يشدد العقوبات عليها أكثر من الفترة السابقة مع خسارة كبيرة في معدات برنامجها النووي فهي قد قدمت للغرب كل ما يريد لكنها بالمقابل لم تحصل على شيء يذكر إلا أماني ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ) فرغم الدهاء الإيراني في السياسة فقد كانوا أمام أميركا أميون لا يعلمون من كتاب الدهاء الأميركي شيئا . وعلى هذا الأساس بدأت التصريحات الإيرانية تظهر للعلن مهددة في نقض الاتفاق النووي فقد صرح الخامنئي قبل فترة ( نحن لا ننقض الاتفاق النووي ، لكن في حال نقضه من الطرف المقابل ، حيث يهدد مرشحو رئاسة الجمهورية الأمريكية بتمزيق الاتفاق النووي ، فإننا سنحرقه ) وأضاف ( لقد كانت وظيفة الطرف المقابل في الاتفاق النووي رفع العقوبات ، ولكن لم يرفعها ) وتابع قائلاً ( لم تُحل قضية البنوك ، وقضية تأمين حاملات النفط تتم ضمن إطار محدود … لا يتم إعطاؤنا أموال النفط ، كما أنه لا يتم إرجاع أموالنا إلينا من سائر البلدان) وأضاف ( لم يلتزم الأميركيون بقسم كبير من تعهداتهم ، لكننا نحن دفعنا الثمن مسبقا ، فأوقفنا التخصيب بنسبة 20 بالمائة ، وأغلقنا فوردو وأراك ) .
وإذ بدأ الإيرانيون يشعرون بالخديعة فقد أصبح حالهم كبالع الموس فإن أخرجه تألم وإن أبقاه تألم وليس أمامهم إلا التهديد بنقض الاتفاق والعودة إلى ما قبل الاتفاق وهو الخيار الذي يسعى الغرب حالياً لتوريط إيران فيه لكي يحكم السيطرة عليها من جديد ويبدأ بضربها باعتبارها نقضت الاتفاق مع العالم ، ومن ضمن هذا المخطط تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقرير رفعه إلى مجلس الأمن الدولي أن التجارب الصاروخية الباليستية التي أجرتها إيران في مارس ” لا تتفق والروح البناءة ” للاتفاق النووي ، الذي أبرمته مع الدول العظمى حول برنامجها النووي .
وجاء في تقرير للوكالة الاتحادية الألمانية للأمن الداخلي لعام 2015 والذي نشره وزير الداخلية الألماني في 28 يونيو 2016 ” بالرغم من أن إيران وافقت على الحد من برنامجها النووي وخضوعه للإشراف ، إلا أنها مستمرة في السعي الحثيث من الناحية الكمية للحصول على التقنية المستخدمة في مجال إنتاج أسلحة الدمار الشامل ” .فيما كشفت وكالة الأمن والاستخبارات الداخلية الألمانية عن محاولات إيران الحثيثة للحصول على التقنية النووية بطرق غير شرعية في ألمانيا .في حين أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعاً يحول دون شراء “ الماء الثقيل ” من إيران في تحد لتهديد الرئيس باراك أوباما باستخدام حق النقض ( الفيتو ) بعد عام من الإعلان عن الاتفاق النووي مع إيران .
وتمثل موقف إيران بتهديد رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بإلغاء الاتفاق النووي والبدء بتخصيب اليورانيوم ، وذلك رداً على التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، وقال لاريجاني في كلمته الافتتاحية بالجلسة المفتوحة بالبرلمان الأربعاء ، إن ” المجلس يحذر الولايات المتحدة الأميركية من أن السلوك المؤذي فيما يخص تنفيذ الاتفاق النووي بلغ الحد الذي لم يترك أمام إيران خيارا سوى الرد المقابل “
وقبل ذلك أصدر 237 نائباً في مجلس الشورى الإيراني بياناً جاء فيه ” إننا وبناء على الأوامر الصريحة للقرآن الكريم بالوفاء بالعهد والميثاق ، فسنبقى ملتزمين بعهدنا وبالاتفاق النووي مادام الطرف المقابل ملتزماً بعهده ، وفي حال نقض الطرف المقابل لعهده فسنلقنه درسا لا يُنسى ، وسنجعل الاستكبار يندم على نقضه الاتفاق ” .وإذا كان الشعب الإيراني بدا محبطاً من الاتفاق النووي بعد مرور سنة على إبرامه حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة أيان بول الإيرانية أن 74 بالمائة من الشعب الإيراني يرون أنهم لم يشهدوا أي تحسن اقتصادي ، ويبدو أن الحكومة تلتحق بالشعب لتُظهر إحباطها وهذا ما ظهر من خلال تصريحات المسئولين في الحكومة الإيرانية وعلى أعلى المستويات .
فقد صرح المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمال وندي ، بأن إيران ستعود إلى البرنامج النووي ” إذا ما تم نقض الاتفاق مع قبل الأميركيين ” على حد تعبيره .
فيما أكد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أن الغرب في صدد التدبير لمؤامرة جديدة تستهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، مؤكداً إن الخيانة ونقض الاتفاق النووي من قبل أميركا والغرب سيكلفهم ثمناً باهضاً .
وأبدى صالحي استغرابه من تزامن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مع تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ضد إيران .. معتبراً هذا الأمر إشارة لوجود مؤامرة جديدة تستهدف الشعب الإيراني ودعا الشعب والحكومة لاتخاذ جانب الحيطة والحذر قبل اتخاذ قرارات لا تنصب بمصلحة إيران .وكل ما أوردناه يدلل على مدى التشخيص الدقيق للمرجع العراقي السيد الصرخي عندما قال ( فببساطة لاَنَّ أميركا هنا تفكر بذكاء نسبيّ أمّا إيران فتفكيرُها يسودُه الغباءُ عادةً فوقعت في فخ أميركا التي أوقعتها في حرب استنزاف شاملة لا يعلم إلا الله تعالى متى وكيف تخرج منها ، ومن هنا فان أي تنسيق بين أميركا وإيران فهو تنسيق مرحلي مصلحي لابد أن يتقاطع في آخر المطاف ) .
ويبدو أن إيران وقعت في شر أعمالها التي صدرتها لدول وشعوب المنطقة ، فوثقت بأميركا الغادرة ولم تدرك أن الأفعى تغير جلدها ولكنها لا تغير طباعها .