6 أبريل، 2024 9:03 م
Search
Close this search box.

الاتفاق النووي الايراني والدور الامريكي

Facebook
Twitter
LinkedIn

ليس هناك ثمت شك في ان ادارة الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما لعبت دورا كبيرا في انجاز الاتفاق النووي مع ايران في تموز من عام 2015 ، بعد مفاوضات استمرت 12 عاما ، تعطلت خلالها مرات عديدة . ولم تكن مصادفة ان يتمّ تناول برنامج ايران النووي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في السنة التي شنت فيها ادارة الرئيس الاسبق بوش الحرب على العراق عام 2003، مما يعكس القصد السياسي في الضغط على ايران وتحذيرها من مغبة اثارة المشاكل بوجهها وهي منهمكة في احتلال العراق . ولم تكن مصادفة ايضا ان يحال ملف ايران النووي الى مجلس الامن الدولي بعد مجيء الرئيس الايراني المتشدد محمود أحمدي نجاد ، الأمر الذي أعطى لهذا الملف بعدا سياسيا وأمنيا بعد ان كان تقنّيا محصور في نطاق الوكالة الدولية في عهد الرئيس الايراني الاصلاحي محمد خاتمي .
هذه المقدمة ربما تكون ضرورية للتعرف على دور امريكا فيما يتعلق بالمفاوضات على الرغم من انها لم تساهم فيها منذ بدايتها بل كانت تتابعها من خلال حلفائها الاوربيين ( بريطانيا وفرنسا والمانيا ) وتؤثر في سير مجرياتها تعقيدا أو تسهيلا ، بحسب تطور الاوضاع السياسية الاقليمية ومستوى التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الأيراني ، ومدى الحاجة للتقرب الى ايران واحتوائها بما تمليه المصالح الامريكية في الشرق الاوسط . كما ان ايران ، هي الاخرى ، كانت حريصة على التوصل الى الاتفاق ، ليس فقط لرفع العقوبات الاممية والثنائية عنها أوتحسين صورتها أمام العالم . بل لما سيتيح لها هذا الاتفاق من لعب دور اقليمي قوي ومؤثر في المنطقة. لذا كان من مصلحة الجميع انجاح المفاوضات والتوصل الى حل مقبول .
ومن الملاحظ ان ايران كانت تحرص في المفاوضات والمقترحات المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني على الاشارة الى الوضع الاقليمي في المنطقة ودورها المهّم فيه .ففي بداية المفاوضات تقدمت ايران برسالة بتاريخ 4/5/2003 عن طريق السفير السويسري تيم كولديمان Tim Guldimann القائم برعاية المصالح الامريكية في طهران الى وزارة الخارجية الامريكية ( علما ان الولايات المتحدة لم تكن طرفا في المفاوضات التي كانت تجريها بريطانيا وفرنسا والمانيا مع ايران في ذلك الوقت، ولم تنضم اليها الاّ في عام 2006 وفق صيغة 5+1 كما يحلو لأمريكا وروسيا والصين تسميتها بينما يطلق عليها الاوربيون صيغة 3+3) . تضمنت تلك الرسالة مقترحات في الشقين السياسي والفني . وفي الشق السياسي تعهدت ايران بالتعاون مع امريكا في مسألة استقرار العراق ، والتعاون في مجال مكافحة الارهاب وبشكل خاص تنظيم القاعدة وتنظيم مجاهدي خلق ، وتعهدت بدعمها أيضا لمبادرة السلام العربية بشأن ايجاد حل للقضية الفلسطينية ، كما اقترحت ايران آلية للتنفيذ تتضمن تشكيل ثلاثة افرقة عمل ، من ضمنها فريق حول الأمن الاقليمي. في وقتها رفضت امريكا المقترحات الايرانية لأن ايران لم تتعهد بتعليق تخصيب اليورانيوم في برنامجها النووي ، وعادت ايران ثانية في كانون الثاني عام 2005 لتقدم مقترحات تعهدت فيها ايضا بتعاونها في محاربة الارهاب بما في ذلك تبادل المعلومات وعدم منح الارهابيين ملاذا آمنا والتعاون في مجال الامن الاقليمي ، وبشكل خاص في العراق وافغانستان . ومن جانبها ، لم تخف الادارة الامريكية رغبتها المعلنه على لسان المسؤولين فيها في الانخراط بمحادثات مباشرة مع ايران لأنجاح المفاوضات والتوصل الى حل لبرنامجها النووي . فقد أشارت تقارير صحفية موثوق بها في ذلك الحين الى ان اللقاء الاول بين مسؤولين امريكيين وايرانيين جرى في مسقط عاصمة عمان في آذار 2013 بشكل سري وان المفاوضين الامريكيين سافروا الى مسقط على متن طائرة عسكرية وبشكل غير رسمي من اجل ضمان سرية اللقاء . وكان يمثل الجانب الامريكي في هذه اللقاءات كل من مساعد وزير الخارجية William Burns ومستشار نائب الرئيس الامريكي السيد Jack Sullivan وكبير المفاوضين الامريكيين السيدة Wendy Cherman ، ولم تتوفر معلومات فيما اذا تمّ ذلك بعلم الاوربيين ام من دون علمهم ، كما يبدو ان سلطنة عمان لم تحط مجلس التعاون الخليجي علما بهذا الامر .
بعد الانتخابات الايرانية وفوز الاصلاحي حسن روحاني بالرئاسة ،افصحت ايران عن رغبتها بالانفتاح والتوصل الى حلول لبرنامجها النووي ، وتسارعت على اثرها اللقاءات الامريكية – الايرانية وبات الطريق ممهدا للتوصل الى اتفاق ، وعلى هذا الاساس اجتمعت مجموعة 5+1 وايران في جنيف في تشرين الاول عام 2013 للتباحث حول اتفاق أولي أو ما سمي بخطة العمل المشتركة التي ستكون اساسا للأتفاق الذي تم التوصل اليه في 14/7/2015 . ان هذه المعطيات اضافة الى التطورات السياسية المتعلقة بالاحداث في الشرق الاوسط وبخاصة الوضع في سوريا ساهمت في نجاح المفاوضات والتوصل الى اتفاق مرحلي ، ولا سيما بالنسبة لأيران ، التي كانت متحمسة لأزاحة عبء برنامجها النووي عن كاهلها لتتفرغ الى تعزيز دورها في المنطقة والذي اسفر عن حضور نوعي لأيران في سوريا ولبنان واليمن ، اضافة الى وجودها في العراق . وقد وفّر اعلان داعش بانشاء الدولة الاسلامية على اراض في سوريا والعراق ، الفرصة القوية لتمدد ايران في المنطقة والتنسيق مع الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب مستفيدة من الاجواء التي وفرها الاتفاق النووي الايراني. . الاّ ان شهر العسل الامريكي الايراني تأثر بشكل كبير بعد مجيء دونالد ترامب الى الرئاسة الامريكية وانتقاده الشديد لأدارة اوباما التي ساهمت الى حد كبير في التوصل الى الاتفاق ، وتهديده بالانسحاب منه ، ليس فقط لتأثر الادارة الامريكية الحالية بالمواقف الاسرائيلية حيال الاتفاق ، بل أيضا لأن هناك اعتقاد بات يترسخ في الغرب بان ايران قد تجاوزت كثيرا المسموح به أقليميا ، وان تفهّم امريكا والغرب لدور ايران في المنطقة لايعني مطلقا التغافل عن تمدّدها بالشكل الذي يخلّ بالتوازن الاقليمي ويؤدّي الى زعزعة الاوضاع وعدم استقرارها . وعليه فان على ايران امّا ان تغيّر من موقفها وتحدّ من اندفاعها من تلقاء نفسها ، أو ستجبر على فعل ذلك.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب