يعتبر الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية والمعروف بــ(5+1) الأهم والأكثر تأثير على الساحة السياسية الإقليمية والدولية, لما له من تأثيرات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة الشرق الأوسط.
فبعد انحسار شديد في العلاقات الإيرانية الغربية, وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية, والذي استمر أكثر من ثلاثة عقود, فرضت على إيران أكثر من سبع قرارات أممية, تحد من تمكينها من التعامل الاقتصادي والمالي والاستثماري والإنتاجي والطيران الجوي, ما جعل الجمهورية الإيرانية تعتمد على إمكانياتها الذاتية البشرية والطبيعية في مواجهة صراع ثورتها الفتية, وتحديها للسياسة التي فرضت عليها وعلى الجهات المساندة لها عدت حروب, أهمها حرب (ثمان سنوات) مع العراق, الأمر الذي جعل إيران تتحدى الضغوط الأمريكية, وتتبنى سياسة التحدي بالمثل معتبرة نفسها القوة الضاربة لأمريكا في المنطقة, ومنها السلفية التي أخذت تتطور من جيل إلى أخر حتى أصبحت ما تسمى بداعش والتي أريد منها تكون مجاورة للحدود الإيرانية من داخل العراق.
الأمر الذي جعل إيران تقدم مساعدات كبيرة للحكومة العراقية في حربها ضد الزمر الإرهابية, وتدعم الحكومة السورية في نفس الحرب ضد داعش, بينما تقدم العون والمدد لحزب الله في لبنان, وأنصار الله الحوثيين في اليمن, والجمعية الإسلامية في البحرين, كذلك تقف مع كل من يريد التحرير من الأنظمة السياسية القابعة على شعوبها في المنطقة العربية والإسلامية, الأمر الذي جعل الجميع وخاصة الغرب تشعر بالصراع على مناطق النفوذ ومواطن القوى في الشرق الأوسط, والذي لا يحتاج إلى صراع مسلحة بين الدول الكبرى, إنما لابد من تحريك إطراف لاعبة بدور البديل في المنطقة, مرة يكون بالضغط السياسي, ومرة العسكري, وأخرى الاقتصادي, وبالنتيجة فأن الحرب الناعمة مستمرة بين الدول الكبرى والوصيف, مما أخذت تتمدد على نفس المساحات كإيران.
ألا إن النجاح الذي حققته الدبلوماسية الإيرانية بإخضاعها أمريكا والدول الغربية بتوقيع الاتفاق النووية, يعد انتصار كبير للجمهورية الإسلامية, ليس على الصعيد السياسي فحسب, أنما امنياً واقتصادياً وهذا هو الانتصار بعينه, فبدأت تتغير موازين القوى لصالح إيران, وبدا أعداء الأمس الأقوياء يعترفون بالوجود الحقيقي لخصومهم التقليديين, لاسيما بإقرارهم بامتلاكها القوة النووية, ما ينسحب على إيجاد تفاهمات سياسية لمنع تمدد كل طرف على الأخر, الأمر الذي سيجعل أمريكا وحلفاءها في زاوية ضيقة من دعمهم أو عدم دعمهم للإرهاب الداعشي في المنطقة, بحيث لا يمكن لأي احد إن ينكر البصمات الأمريكية في نشأة وظهور داعش, لذا بات إلزاما عليها وإمام خدمة مصالحها في المنطقة الوقوف مع الجهات المناوئ لداعش, وأهمها الجمهورية الإسلامية وحلفائها لتعزز مصداقيتها وعلاقاتها المستقبلية.
لذا فان الاتفاق النووي الإيراني, جعل المنطقة عامة والدول الكبرى خاصة تعيد حساباتها السياسية, وتجديد بوصلة تعاونها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط, ووقوفها بحزم أمام تمدد داعش وتأثيراته الفكرية والإجرامية.