تواجه حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مهمة معقدة وصعبة تتمثل بوضع الإطار القانوني لاستمرار تواجد القوات الأمريكية في العراق بعد تزايد المطالبات بضرورة خروجها في أعقاب استهداف العديد من القيادات العسكرية المنضوية للحشد الشعبي في إجراء فردي تقول القيادة الأمريكية أنه رد فعل على الاستهداف المتكرر للوجود العسكري الأميركي من قبل جماعات مسلحة تزعم أنها تتبع إيران.
والانسحاب كان من ضمن الشروط التي وُضعت لحكومة محمد شياع السوداني، وقد تبنت هذا الموضوع. وبالمقابل، منحته الفصائل هدنة عززت موقفه لدى الجانب الأمريكي وأشعرته بأنه يمسك بالمفاتيح بيده خيوط اللعبة ويسيطر على من يحمل السلاح.
وانهارت هذه الهدنة منذ اشتعال فتيل الحرب في غزة في أعقاب هجوم السابع من تشرين الأول.
ومنذ ذلك الوقت ، تعرضت القوات الأمريكية في العراق وإقليم كردستان إلى عشرات الهجمات بالصواريخ أو المسيرات، من بينها هجوم صاروخي تعرضت له السفارة الأمريكية في الثامن من كانون الأول الماضي.
واشنطن ردت بشن هجمات على فصائل مسلحة عراقية من بينها قوات الحشد الشعبي وبالأخص كتائب النجباء المنضوية تحت مظلة الحشد، والتي يعتبر أمينها العام أكرم الكعبي من أبرز المنتقدين للولايات المتحدة،
حكومة السوداني حاولت الإمساك العصا من المنتصف ، وكانت خطاباتها شديدة الوطأة على الفصائل احيانا ، إذ إن بعض البيانات وصفت استهداف السفارة الأمريكية بأنه عمل إرهابي، وهذا الخطاب لم نره حتى في عهد حكومة مصطفى الكاظمي الذي لم يكن مقربا من الفصائل، بعكس شياع السوداني الذي يعد من مفرزات الإطار التنسيقي وقواه السياسية.
تركيز المفاوض العراقي على أهمية إنهاء كل الملفات “بمعنى، أنه إذا انسحبت القوات بدون معالجة الحواضن الإرهابية، ولا سيما مخيم الهول السوري قد ينفجر في أي لحظة فليس من السهل أن ترضى بوجود عبوة ناسفة خلف جدارك، ناهيك عن وجود قوات غير نظامية على الجانب السوري من الحدود، كل ذلك يشكل خطرا على أمن العراق.
الوجود الأمريكي يحقق فائدة مادية إذ تحصل الولايات المتحدة على خامات من العراق، فضلا عن فائدة استراتيجية ذاك أن الوجود الأمريكي يحول دون عودة تنظيم داعش من جديد ويحقق توازنا مع إيران بالنسبة لها . العراقيون لا يرغبون في الخضوع للهيمنة الأمريكية، لكنهم في الوقت ذاته لا يرغبون في التدخلات الإيرانية والتركية، فالجيش العراقي يحصل على تدريب عالي الجودة وكذلك على معدات من الجانب الأمريكي، ولذلك يفضل بقاء الولايات المتحدة. كما أن الأكراد العراقيين يرون أن الوجود الأمريكي يحميهم من تركيا وإيران وبغداد، وهم كذلك يستفيدون من الناحية المالية من الوجود الأمريكي.
الدوائر السياسية في واشنطن ترى عدم وجود ضغوط حقيقية على الحكومة العراقية تدفعها لمطالبة واشنطن بسحب قواتها، فاقتراب الانتخابات الأمريكية سيتسبب في رأيي في حالة من الحرج للحكومة الأمريكية والرئيس بايدن في حال تعرض هذه القوات لاستهداف تنتج عنه خسائر في صفوف الجانب الأمريكي، ولا سيما في الأرواح. لذا هم يعون خطورة الموقف وليس أمامهم الآن سوى الانخراط في مفاوضات تنظم هذا الانسحاب،
المشكلة الفنية تكمن في زمن الانسحاب، كم يتطلب: سنة؟ اثنتين؟ ثلاث؟ لكن إذا رفضوا أو ماطلوا، فإنهم سيواجَهون بتصعيد قد ينتج عنه انفجار بالمنطقة.
أهمية التواجد تكمن بالموقع الاستراتيجي مع تصاعد المواجهة الإقليمية بين إسرائيل وإيران، إذ شاركت القوات الأمريكية في العراق في إسقاط صواريخ وطائرات مسيرة استهدفت إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية، وفقا لمسؤولين أمريكيين.
محمد شياع السوداني في وقت سابق اكد إن القوات الأمريكية، وعلى الرغم من تقديره لمساعدتها، أصبحت عامل جذب لعدم الاستقرار، إذ يجري استهدافها على نحو متكرر وعادة ما ترد بهجمات دون تنسيق مع الحكومة العراقية.
المرجح الان أن يكون الاتفاق عند إعلانه خطوة هائلة للتهدئة وانتصارا سياسيا لرئيس الوزراء الذي يسعى إلى تحقيق التوزان في موقف بغداد باعتبارها حليفة لكل من واشنطن وطهران.
المرحلة الأولى من اتفاق سحب القوات قبل شهر واحد من الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في تشرين الأول 2025.
مسؤولون أمريكيون يرون إن الإطار الزمني الممتد لعامين يمنح الولايات المتحدة “متنفسا” يسمح بإجراء تعديلات محتملة إذا تغير الوضع الإقليمي.
أن موضوع الانسحاب الأميركي من الأهمية أن يضع الجهات الفاعلة الكردية والسنية في موقف حرج حسب مزاعمهما،اذ يرون إن غياب القوات الأجنبية في غرب وشمال العراق سيؤثر على المنطقة وسيجعل تلك المناطق “مباحة” للحكومة العراقية والجهات السياسية ذات الغالبية الشيعية.
الاتفاق الان بين العراق والولايات المتحدة أن تنتقل جميع قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار الغربية وتقلل بشكل كبير من وجودها في بغداد بحلول شهر أيلول عام 2025، على أن يبقى الجنود الأمريكيون وجنود التحالف في أربيل، في كردستان ، لمدة عام واحد فقط.
في الواقع الولايات المتحدة تسعى للبقاء في العراق من خلال إجراء تعديلات على الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين الدولتين، لكنَّ واشنطن قد تفقد سمعتها وهيبتها في العراق بسرعة إذا خرجت بهذه الطريقة الأمر الذي يعني المماطلة في تنفيذ أي اتفاق مع بغداد، وهو امر ينطوي على تأثير سلبي على قوتها الناعمة في العراق .
حكومة السوداني بذلت جهودا منذ عام ونصف لوضع شكلا نهائيا للعلاقة مع واشنطن للخروج من دوامة تأثير الصراع الأمريكي الإسرائيلي الإيراني على بغداد والتفرغ لتنفيذ خطتها الإصلاحية في البلد، فهل ستنجح بعملها ام تظل في دوامة واشنطن التي لم تستطع الحكومات قبلها من انهائها.