18 ديسمبر، 2024 8:36 م

الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير الكوردستانية … هناك خيط رفيع بين الديمقراطية والفوضى

الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير الكوردستانية … هناك خيط رفيع بين الديمقراطية والفوضى

ان رفع الشعارات البراقة و ( الكلام الكبير) لا يعني ان من يطلقها يمثل مصالح الشعب والاخرين يتغاضون عنها , فطالما تسببت الشعارات المطاطة في ضياع بلدان وشعوب .
لو نجحت الاحزاب المعارضة في كوردستان قبل اربع سنوات في استيراد تجربة ثورات الربيع العربي واستنساخها في الاقليم , كنا سنعيش في كوردستان اليوم ظروفا اشبه بالظروف التي تمر بها اليمن او ليبيا اوحتى سوريا , ندور في صراع دموي تضيع فيه جميع المكتسبات والطموحات الكوردية .

هذا مثال لما يمكن ان تفعله احزاب لا تمتلك رؤية سياسية صحيحة في جر البلد لاجنداتها الفوضوية فيما لو نجحت في تمريرها , وما اشبه اليوم بالبارحة .

فرغم ان ظاهر دعوات بعض الاحزاب الكوردستانية متمثله بالاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغير لتحويل نظام الحكم في الاقليم الى برلماني وحصر حق انتخاب رئيس الاقليم في البرلمان بدلا من ان يمتلك الشعب هذا الحق الديمقراطي , نقول رغم ان ظاهرها يهدف الى تعميق اسس الديمقراطية في الاقليم (كما يدعون ) , الا ان اهدافها الحقيقية بعيدة كل البعد عن هذا التباكي على الديمقراطية والفتون بها . فتوقيت هذه الدعوات تفضح الكثير من الامور الخافية .

اننا نؤمن بان بين الديمقراطية وبين الفوضى شعرة رفيعة لا تميزها احزاب مازالت تعيش الفوضى الفكرية والحزبية واقعا في حياتها السياسية , وتحرص على مصالحها كاولوية على حساب المصلحة القومية العليا للشعب . وعندما نشكك في هذه التوجهات فاننا ننطلق من الحرص على المصالح القومية للشعب دون التطبيل لساسة او احزاب , ولوجود علامات استفهام كثيرة حول مواقف هذين الحزبين ماضيا وحاضرا . وسنحاول الان تسليط الضوء على بعض من هذه الشكوك والمواقف : –

1- ان انشقاق حركة التغيير عن الاتحاد الوطني الكوردستاني قبل سنوات (وحسب تصريحات اعضاء التغيير) كانت من احدى اسبابها المركزية المفرطة داخل الاتحاد الوطني انذاك وحصر قراراتها في يد السيد جلال الطالباني . وبدلا من ان تؤسس حركة التغيير نموذجا ديمقراطيا يتجاوز المركزية التي عانوا منها , فقد اعادوا تجربة الاتحاد داخل حزبهم , واصبح السيد نوشيروان مصطفى هو المحور الذي تدور حوله جميع اعضاء الحركة , بل واختزلت الحركة في شخصه . اما الاتحاد الوطني فبمجرد انحسار دور السيد الطالباني فيها , فقد تشظت الى كتل وتجمعات متنافسة لا يجمعها شيء سوى الارث السياسي للاتحاد ومصالحهم الشخصية فيها , وقد كانت المنافسة الشديدة بين اعضاء الاتحاد على منصب رئاسة الجمهورية العراقية دليلا على ما آل اليه وضع الحزب من تشتت وضياع . لذلك فمن الغريب ان تدعو احزاب تعاني من اشكالية تسلط الفرد او الضياع دونه الى ترسيخ اسس الديمقراطية في اقليم كوردستان بالشكل الذي يدعون اليه , ففاقد الشيء لا يعطه .

2- للحزبين المذكورين ( الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير) تجربة لم يمضي عليها وقت طويل تظهر وبوضوح فهم الحزبين لمبدأ تعددية الاقطاب ونستشف من خلالها كيف سيكون وضع كوردستان فيما اذا اصبح نظام الحكم فيها برلمانيا . فبعد اجراء الانتخابات الاخيرة في كوردستان العراق عاش الحزبان في صراعا سياسيا مريرا استمر ما يقارب العام لتوزيع المناصب بينهما في مدينة السليمانية . فاذا كان الحزبان قد فشلا في التوصل الى اتفاق مشترك , واوقفا الحياة السياسية والادارية في مدينة صغيرة , فكيف نتوقع حال اقليم كوردستان اذا ما اصبح البرلمان الذي يتواجدان فيه هو من يدير الاقليم ؟

3- ان توقيت اثارة هذه الازمة بحد ذاته يثير الكثير من علامات الاستفهام , فقد اثار اصرار حكومة كوردستان على الاستفتاء الشعبي لمصير الاقليم مخاوف دول في المنطقة فدفعوا بداعش للهجوم على اراضي كوردستان , وبعد هزيمة داعش على يد البيشمركة , لم يبق امام هذه الدول الا الدفع باحزاب كوردية لاجهاض هذا التوجه الكوردي , ونجحوا في اثارة الازمة الحالية , مع انها لا تعتبر من اولويات سكان الاقليم في الوقت الراهن .

4- في احيان كثيرة يتشابه الاداء السياسي للحزبين المذكورين مع الاداء السياسي لحزب البعث بشقيه السوري والعراقي , فحزب البعث كان من اكثر الاحزاب العربية تبنيا لشعار الوحدة العربية في ادبياته النظرية , مستغلين عواطف الشعب العربي حيال هذه القضية . ولكن ولسوء الاداء السياسي لحزب البعث , اصبح فيما بعد من الاسباب الرئيسة في تفتيت الدول العربية وتمزيقها بعكس ما كان يدعي . ولا استبعد ان يكون الاداء السياسي المتواضع لهذين الحزبين الكورديين سببا في تفتيت البيت الكوردي ونشر الفوضى في كوردستان بدلا من الديمقراطية .

5- من الحقائق التي لا يمكن التغافل عنها هو التاثير الايراني على توجهات الاتحاد الوطني وحركة التغيير الكوردية , ولذلك فان تحويل نظام الحكم في الاقليم من رئاسي الى برلماني سيؤدي بشكل او باخر الى تزايد الهيمنة الايرانية على القرارات المصيرية للشعب الكوردي , ويقضي على سياسة الحياد الذي انتهجه السيد مسعود البارزاني في الصراع الذي يدور في المنطقة حاليا , واحتمال انجرار الاقليم الى طرف المعسكر الايراني (الذي يعتبر المعسكر الخاسر في هذا الصراع) , مما سيكون له اثار سلبية قاتلة على مستقبل الاقليم وطموح شعبه في الاستقلال والتطور .