أي دولة ينخرها الفساد ويتسيد عليها الفاسدون يتم القضاء على اهم شيء فيها واعلى رمز لها واغلى مورد يدخلها،
ربما يكون هذا المقال من اغرب مقالات الراي التي كتبتها إذ يحتاج قارئه الى اطلاع ومتابعة في شأنين متناقضين او متباعدين تماما لكي يستوعب هدف المقال والغاية منه لجهة العنوان ، ولكن و لأني احاول في مقالاتي ان ابدا الموضوع و أنهيه بأقل السطور -وان كان واسعا-و أن أوصله لمن لا يعرف حوله مسبقا فساحاول ان اطبّق هذا هنا لعل الأمر يفلح مع من لا يدري -من الكبار- شيئا عن افعال الاتحاد البرازيلي لكرة القدم منذ عقدين ومن لا يعرف -من صغار السن- شيئا عن وزارة التربية العراقية للفترة نفسها ، والغاية هي تشريح ماهية الفساد وتاثيره المدمر على المؤسسات والمجتمع مهما علت فيه المواهب وتكاملت فيه العقول العلمية ، والتعريف بدهاليزه للجيلين المختلفين كلٌّ بلغته .
المقال :
كانت المدارس العراقية الحكومية رصينة وكنا ندرّس المراحل المهمة فيها ويتخرج منها من تحت ايدينا طلبة متفوقون ونقدم للمجتمع منتجين مهمين ، ولا ننكر ان كان هناك تدريس خصوصي كما في كل العالم ولكن بمعاهد و اماكن مخصصة لا تنافس المدارس-التي كانت حكومية فقط آنذاك- ولا تعطي تلك المعاهد شهادات رسمية ولكنها ترفد تلك المدارس بطلبة جيدين ، والمدرسون على حالهم لا يتغيرون .
في السنوات الأخيرة سمحت وزارة التربية بالمدارس الأهلية ورخّصتها بان تكون موازية للحكومية في كل الصلاحيات والمميزات الرسمية بما فيها تخريج الطلاب وقبولهم في الجامعات ، وهنا بدات رحلة السقوط العلمي لأفضل منظومة تعليمية في الشرق الاوسط لعقود طويلة تماما بالتزامن مع فترة سقوط المنتخب البرازيلي لكرة القدم “الأفضل عالميا لقرن كامل” ، استغلّ الاتحاد البرازيلي الفاسد سمعة المنتخب واستمراره على عرش تلك الرياضة لعقود طويلة فبدا بالتضحية بنتائجه ومواهبه والقابه وبريقه من اجل المال ، كما ضحّت كوادر وزارة التربية -الفاسدة والجاهلة- بسمعة مدارس العراق الحكومية الرصينة وبمخرجاتها ومواهبها من اجل المال ايضا ،
بدأ الاتحاد البرازبلي متمثلا بثلة فاسدة ترأسته بالتامر مع الفيفا وشركات الرعاية واخرين ، باشراك لاعبين اقل موهبة في المنتخب الأول هدفها من ذلك تسويقهم الى اوربا وجباية النسبة المئوية من وكلاء اعمالهم كما ينص القانون ، وبدات المدارس الناجحة في العراق باستقطاب مدرسين فاشلين غير مخلصين اعتاشوا على اكتاف سمعة جيل مخلص بنى ذلك الصرح ، وصار كل مدير مدرسة او تربية اليوم يستغل فترة التنقلات ليبدّل الكوادر على حسب حصة يجبيها ليضع المدرس المغمور في مرحلة مهمة في الاعدادية الفلانية “المشهورة” ليتصدر المشهد ويصبح مطلوبا للمدارس الاهلية التي تدفع بدورها الملايين لهؤلاء المدرسين ، وتلك الملايين تجبى من جيوب أولياء الامور الذين لم يتساءلوا -لجهلهم وضعفهم-: لماذا اولادهم المتفوقون في المدارس الحكومية لسنوات المراحل غير المنتهية يتم استقطابهم الى مدرسة اهلية في السنة الاخيرة المؤهلة للجامعة “البكلوريا” مع ان المدرس نفسه يدرسه هنا وهناك وهو الذي وسوس له بالانتقال بالاتفاق مع المستثمر في المدرسة الاهلية -ليقصر علنا في الدروس الحكومية – ويبذل جهده في التدريس هناك – وبالتعاون مع ادارة فاسدة في المدرسة الحكومية تضحي بثمارها التي تعبت عليهم وتفسح المجال لتنقّل الطالب المتفوق وترك مقاعدها – وهكذا جميعهم ، حتى انك اذا قلت لولي الامر او المدرس او المدير المتواطئ ذلك ، قال لك : ولكن الطلبة ينتقلون من اجل مدرسين اخرين هناك او من اجل المقاعد او او ، وهو يعلم ان المدرسين الآخرين سلكوا الخطة نفسها ، والا فمِن اين جاؤوا ،،!
وتمادى الاتحاد البرازيلي في تدمير سمعة المنتخب -الذي مازال الى اليوم هو الفريق الاعلى قيمة تسويقية في العالم رغم تراجع نتائجه وتصنيفه – جريا وراء المال ، فاستدعاء مدربين محليين ضعاف الشخصية يمكن شراؤهم لغرض السيطرة عليهم في الصفقات المشبوهة حول اللاعبين والمباريات ، وبلغ بهم الامر ان يبيعوا نتائج مباريات حاسمة وبطولات عالمية مهمة لدول اخرى احتاجت ان تبني أمجادا امام جماهيرها للفوز والتنظيم ولأجيالها الشابة للبروز ، ووراء كل هذا الماسونية بشركاتها وجوائزها واعلامها واذرعها طبعا والتي تريد ان توزع شغف كرة القدم على العالم كله وليس حصرا على دولة واحدة فمرة يرتبون البيع ومرة يرتبون التحكيم ومرة يوقفون لاعبين معينين او يستبعدونهم او يحاصرونهم ، كل هذا للتلاعب بالنتائج والمراهنات لأجل المال وإلهاء الشعوب ايضا ، والجماهير غافلة مطبلة لا تدري او انها تدري ولا تريد ان تصدق لتبقى في هيامها وتعصبها للفريق الفلاني -الذي ينافس “البرازيل” مثلا – ويفوز على المانيا “فبركة” .
وفعلت مثل هذا المدارس العراقية الحكومية فقد ضحّى مدراؤها الفاسدون وبعلم الدولة بموقع مدارسهم في الترتيب العلمي التنافسي-الذي كان لا يفرَّط به-لصالح مدارس أهلية اخرى لتبرز ويتجه اليها الطلبة ويدفع اولياء الامور ملايين بل صارت اليوم مليارات ، في تجارة رائجة مشبوهة وفي حلقة وسلسلة مافيات تعليمية كما فعلته مافيات الكرة واذهبت بريقها وحقيقة متعتها قديما بشكل اقل وفي اخر عقدين بشكل علني سافر ، يقدمون هذا اللاعب ويصنعون له مجدا مزيفا لا يتناسب مع حجم موهبته ويؤخرون ذاك الافضل ويساعدون في انتصار ذلك النادي او المنتخب ويبعدون الاخر وإن كان افضل ويستغلون الجماهير من الشباب المغيبة عقولهم تعصبا وراء كرة القدم ،
وقد غابت عقول أولياء الامور وابناؤهم في الجانب الآخر ايضا تعصبا للمدرّس الفلاني – وهو فاشل ساعدته جاهزية الطالب المتفوق أصلا – والحملة الاعلامية او سهولة الاسئلة وتكرارها وسذاجة المنهج الذي جمع في ملازم يتم تلقينها للطالب دون مهارات ذهنية ولا ابتكارات عقلية ودون ظهور المواهب العلمية التي اصبحت نادرة يفلت من تلك المنظومة المظلمة الفاسدة كل حين شخص او شخصان لا أكثر بينما كان العراق يعج بالمهندسين الأكقاء والاطباء البارعين والمدرسين المميزين والحقوقيين والفنانين وكل لون يُصدّر منهم لدول العالم ، وكانت شعوب المنطقة تقصد مدارسه وجامعاته للتطوير .
تفاوض احد مدراء مدارس العراق الذين اعرفهم مع مدرس جيد وقديم-مستغلا حاجته لإجازة دراسية في الخارج-ليخلي موقعه في تدريس المرحلة الدراسية الأهم لصالح مدرس مغمور اكتشفنا لاحقا انهما شريكان في المنفعة ، وتفاوض معي احد اكبر المستثمرين في المدارس الاهلية-بعد عودتي من الزمالة في الخارج- على ان اترك الطريقة الذهنية المهارية في التدريس واتبع الاسلوب التلقيني الجديد المرتبط بالملازم المحلولة والاسئلة المعطاة سلفا – فلما رفضت قال : (اعذرني اذن ،، انت معروف نعم واغلب المدرسين هنا كانوا تلاميذك ولكن “سوق” التعليم اليوم يحتاج غير ذلك” قلت : سوق ! قال : نعم . وهو مهندس او مقاول لا دخل له بالتربية والتعليم ، واخبرني معاونه بعد حين ان مجموعة المدرسين عندما رأوك جالسا في مكتبه للتفاوض دخلوا عليه بعد خروجك وحذروه قائلين :”هذا المدرس متشدد وطريقته علمية صارمة” وهذا لا يناسب تعليم اليوم ،!
ومع كل هذا الفساد وكل هذا الانهيار ودوامة التخلف العلمي والخروج من التصنيف العالمي في المدارس العراقية ، وكل الفساد والإنهيار في منظومة كرة القدم البرازيلية وتشويه الرياضة العالمية وتخريب الذوق العام بالترويج لخدعة “الانضباط التكتيكي والاستمرارية في الملاعب” واسقاط فكرة الموهبة والمهارة الفردية والتكتيك الجماعي للعبة “التي تتجه ان تكون بلا طعم”، رغم كل هذا فلا احد يدري اين تذهب اموال النفط وجبايات المرور واقساط التعليم المهولة في العراق ، كما لا أحد يدري اين تذهب واردات كرة القدم “الفلكية” في البرازيل !.