شهد الوطن العربي في اعقاب الحرب العالمية الاولى، ظهور بعض الكيانات السياسية الاقليمية التي اسهم الهاشميون في تأسيس بعض منها. وابرزها مملكة الحجاز والمملكة العراقية وامارة شرق الاردن. وقام النظامان الهاشميان في العراق والاردن بعد اكتمال قواعد تأسيسها بدور كبير في السياسة العربية 1941- 1958، واتضح هذا من خلال سعي كل منهما لقيادة حركة الوحدة العربية وتبنيهما بعض المشاريع الوحدوية ودورهما في تأسيس جامعة الدول العربية. وقد كانت لهما مواقف مهمة من القضية الفلسطينية منذ نشأتها وقد انعكست احداث المد القومي العربي الذي تميزت به سنوات الخمسينات على الاوضاع في كلا القطرين العراقي والاردني، ولم تكن مواقف القطرين متطابقة ازاء هذه الاحداث، ويرجع ذلك الى عوامل داخلية وخارجية….
ظهر النظامان الهاشميان الملكيان في العراق والاردن في اعقاب الحرب العالمية الاولى، وكان لموقف بريطانيا أثر كبير في ظهور هذين النظامين جزءاً من تسويات ما بعد الحرب العالمية الاولى واستجابة للشعور القومي العربي الذي بدا يتنامى في الوطن العربي تنامياً متصاعداً، وقد اعتبر العرب انشاء هذين النظامين خطوة في طريق تحقيق امانيهم في اقامة كيان سياسي موحد لهم، وفي اعقاب انصراف قادة القطرين الملك فيصل الاول في العراق والامير عبد الله في الاردن، الى توطيد اسس حكيمهما، ظهرت المحاولات الاولى في اقامة علاقات وثيقة بين النظامين من جهة وبينهما والاقطار العربية من جهة اخرى، وقد نجم عن تلك الجهود عقد معاهدة الصداقة وحسن الجوار بين العراق والاردن عام 1931 ومعاهدة الاخوة والتحالف بينهما عام 1947.
لقد تميزت المرحلة الاولى من علاقات العراق والاردن والتي امتدت منذ نشأتها حتى 1941، وبالتعاون الوثيق، وكان لشخصية الملك فيصل الاول اثر كبير في توطيد هذه العلاقات الا ان وفاة الملك فيصل الاول سنة 1933 ومن ثم وفاة ابنه الملك غازي في سنة 1939، افسحت المجال لبروز شخصية الامير عبد الله وقيادته الاسرة الهاشمية والتصدي لمنافسة الاسرة السعودية في مجال السياسة العربية ومحاولة تحقيق الاتحاد مع سورية.
وكان من ابرز المواقف التي اتخذها الامير عبد الله تجاه القضايا العربية ولا سيما تجاه العراق خلال الحرب العالمية الثانية تصدية لحركة مايس/ 1941، وتعاونه مع البريطانيين في قمعها. ويعد فشل ثورة مايس ومساهمة الامير عبد الله في ذلك نقطة تحول ليس للامير نفسه وانما للاسرة الهاشمية كلها، حيث ان انظار العرب القوميين بدأت تبتعد عنهم لتتوجه نحو القاهرة. وقد اتضح هذا من خلال المشاورات العربية التي نجم عنها تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، وازدادت اهمية المحور الذي باتت تقوده مصر بعد فشل حرب 1948 ضد اسرائيل، وضم مناطق الضفة الغربية في فلسطين الى شرقي الاردن والمعارضة الشديدة التي واجهها هذا بقرار من لدن جامعة الدول العربية وبعض القوى الوطنية والقومية التقدمية في الاردن وفلسطين، وكان من ابرز نتائج هذا القرار ان ترسخ في اذهان كثير من ابناء فلسطين انه لولا الملك عبد الله لما احرز اليهود انتصاراتهم عندما قامت اسرائيل في فلسطين، وكان هذا الشعور وراء اغتيال الملك عبد الله في 20/تموز/ 1951.
ثم جاءت ثورة 23/ تموز/ 1952 في مصر لتساهم مع حزب البعث العربي الاشتراكي في تصعيد المد القومي العربي في الخمسينات. ومما ساعد على انحسار دور الاسرة الهاشمية كذلك، ارتباط العراق بحلف بغداد 1955 والموقف السلبي الذي وقفه العراق من العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
اما الاردن فقد شهد تنامي الوعي القومي في منتصف الخمسينات، وقد نجم عنه طرد كلوب باشا من قيادة الجيش الاردني والغاء معاهدة 1948 مع بريطانيا والاستغناء عن المعونة المالية البريطانية واستبدالها بالمعونة العربية من مصر وسوريا والسعودية ووصول القوى الوطنية والقومية التقدمية الى السلطة بعد انتخابات 1953. ولقد اتضح ان هناك عوامل عدة اخرى ساهمت في دفع الاتجاهات القومية التحررية في الاردن الى دائرة التأثير فيه آنذاك، منها استمرارية الضغط والسيطرة البريطانية على مقدرات الاردن السياسية من جهة والتأثير المباشر بسبب الموقع الجغرافي باحداث القضية الفلسطينية من جهة اخرى.
ولكن الاردن سرعان ما واجه في ظل قيادة الملك حسين بعد فترة وجيزة نكوصاً عن ذلك الخط القومي التحرري، فاشتد الخلاف بينه وبين حكومة سليمان النابلسي الوطنية التي تشكلت في تشرين الثاني 1956، وكان وراء ذلك حرص هذه الحكومة على تعميق التوجه القومي الاستقلالي واقامة علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي واعلانها الوقوف بوجه المشاريع الامريكية في المنطقة، ومنها مشروع ايزنهاور، امر الملك حسين في 10/ نيسان/ 1957 رئيس وزرائه بتقديم استقالته فشكلت وزارة جديدة تحبذ التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية.
لقد انعكست ظروف الصراع المصلحي القائم بين الانكليز والامريكان في السعي للسيطرة على المنطقة في تحديد طبيعة التحالفات العربية اذ شملت جبهة القوى الوطنية المطالبة بتصفية النفوذ البريطاني دولاً محافظة كالسعودية والاردن الى جانب دول تقدمية عربية كمصر وسوريا. في الوقت الذي وجدنا فيه ان النظام الهاشمي في الاردن قد استجاب لضغط القوى الوطنية والقومية في الاردن في رفض الدخول في حلف بغداد والوقوف بجانب مصر وكتلتها، بقي النظام الهاشمي في العراق مخلصاً لاهداف السياسة البريطانية في المنطقة العربية بسبب اعتقاده بان الانحياز الى بريطانيا يضمن له تحقيق اهداف وخاصة في سوريا. وعلى هذا الاساس استمر النظام العراقي في منافسة مع مصر على زعامة المشرق العربي، وقد ظهرت اصداء هذا التنافس بشكل واضح في سوريا ولبنان والاردن. وكانت جامعة الدول العربية احياناً ميداناً لهذا التنافس، وفي احيان اخرى ظهر التنافس بصيغة التأثير في احداث الانقلابات العسكرية السورية تحت ستار السعي لاقامة اتحاد بين العراق وسوريا. ولكن القوى الوطنية والقومية في سوريا اجهضت محاولات العراق للتدخل مثلما فعلت ايام الامير عبد الله ودعوته لتحقيق مشروع سوريا الكبرى وتشبثت بفكرتي الاستقلال والجمهورية لمعرفتها بطبيعة التوجيهات العراقية وارتباطاتها آنذاك بالغرب اولاً وحرصها على تحقيق طموح الامير عبد الله في ان يكون ملكاً على سوريا ثانياً.
ان نجاح قيادة الرئيس جمال عبد الناصر وحزب البعث العربي الاشتراكي في تحقيق الوحدة بين مصر وسوريا في شباط/ 1958 واقامة الجمهورية العربية المتحدة وفشل مشاريع العراق والاردن في الاتحاد مع سوريا، دفع قادة النظامين الملكيين الى اعلان رغبتهم في تحقيق الاتحاد بينهما. وقد تم ذلك في 14/ شباط/ 1958، وعلى الرغم من محاولة الهاشميين ضم بعض الاقطار العربية الى الاتحاد كلبنان والكويت، فانهم فشلوا بسبب قوة التيار العربي القومي المؤيد لمصر من جهة ولضعف الثقة بامكانية وفاعلية الاتحاد الهاشمي في تحقيق المصالح القومية العربية من جهة اخرى.
لقد ادت توجيهات النظام الهاشمي في العراق والاردن فضلاً عن سياستهما في الشؤون الداخلية الى بروز التيارات القومية التحررية الثورية داخل الجيشين العراقي والاردني، فتأسست تنظيمات الضباط الاحرار، وقد نجح تنظيم الضباط الاحرار في العراق في القيام بثورة 14/ تموز/ 1958 التي اطاحت بالنظام الملكي في العراق وانهت الاتحاد الهاشمي بانسحاب العراق منه.
الكتاب جاء في اربعة فصول. تناول الاول منها قيام النظامين الهاشميين في العراق والاردن وتطور العلاقات بينهما وتعقب اثر ذلك في السياسة العربية حتى توقيع معاهدة الاخوة والتحالف بين العراقيين والاردنيين عام 1944.
اما الفصل الثاني فقد افرد لمتابعة مساعي العراق والاردن في مجال الدعوة لتحقيق الوحدة العربية، فاشر الى مشروع الهلال الخطيب الذي دعا اليه العراق ومشروع سوريا الكبرى الذي دعا اليه الاردن. واوضح الفصل مواقف الاقطار العربية الاخرى منهما ودرس دور النظامين في تأسيس جامعة الدول العربية، وتابع سعيها في مجال الترويج لمشاريع ذات طابع وحدوي كمشروع فاضل الجمالي والاتحاد العربي الهاشمي الذي تم بين العراق والاردن في شباط/ 1958.
وفي الفصل الثالث، اوضح موقف النظامين الهاشميين من القضية الفلسطينية وانعكاساتها على ظروفهما الداخلية وعلاقاتهما الخارجية، وتطرق الى دورهما في حرب فلسطين عام 1948 وقيام الاردن بضم الضفة الغربية وموقف العراق من ذلك كله.
وقد خصص الفصل الرابع لمتابعة موقف العراق والاردن من تصاعد حركة المد القومي العربي في الخمسينات، فتناول ارتباط العراق بحلف بغداد ومحاولات جر الاردن للحلف وعزل كلوب باشا والغاء معاهد 1940 المعقودة بين الاردن وبريطانيا ومواقف العراق والاردن من تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر وموقف النظامين من مشروع ايزنهاور. ووضح الفصل في النهاية موقف النظامين الهاشميين من الانقلابات العسكرية السورية، والازمة اللبنانية 1958، وموقف الاردن من ثورة 14/ تموز/ 1958 التي انهت الاتحاد العربي بينه وبين العراق.
• الكتاب- الابعاد السياسية للحكم الهاشمي 1941- 1958، تأليف- خالدة ابلال الجبوري، ط1، النايا للدراسات والنشر ومحاكاة للدراسات والنشر، دمشق، 2012، 334 صفحة