19 ديسمبر، 2024 3:23 ص

الابتكار سلاح ذو حدّين

الابتكار سلاح ذو حدّين

-1-
القدرة على الابتكار ليست سلعةً معروضة للبيع في الأسواق ، وانما هي حصيلةُ موهبة فائقة ، وفطنة متميزة ، ومران ملحوظ …

فكما أنَّ الناس كلهم لا يستطيعون ان يكونوا شعراء ، فكذلك الأمر في أصحاب الابتكار الأفذاذ المتمرسين …

وهذه المسألة من أوضح المسائل لكلّ عاقل …

-2-

والابتكار حين يكون في مضمار تيسير صعاب الحياة للانسان، يكتسب درجة كبيرة من الأهمية ، ذلك أنه وسيلة حضارية لقطع أشواط جديدة في طريق التقدم وتحقيق الأهداف المنشودة في السعادة والرخاء والسلام.

أم حين يستخدم في قنوات الإضرار بالانسان، فانه يكون لعيناً مذموماً بكل الموازين ..

-3-

واذا للعلماء ابتكاراتُهم الرائعة في الحقول المختلفة، بما يُثري التجارب البشرية والجهود المضنية المبذولة في ميدان التطوير، فان للطغاة من الحكّام ابتكاراتُهم المنكرة في ميدان تعذيب الانسان والانتقام منه ، طبقا لأهوائهم ورغائبهم المحمومة .

وشتان بين من يكتشفُ علاجاً لمرض خطير ، وبين مَنْ يعمد الى (الإعدام) بأسلوب وحشيّ بربريّ تشمئز منه النفوس ، لم يُعرف من قبل…

اذن فليس كلُّ ابتكار بمحمود .

-4-

ولقد ابتكر شيخ الجبابرة ” الحجاج بن يوسف الثقفي ” وسيلةً للقتل لم تُعرف قَبْلَهُ .. وذلك بالقاء من يريد القضاء عليه الى (سَبُعٍ ضارٍ مجّوع)

والنتيجة معروفة سلفاً

-5-

وذلك ما صنعه بالذات مع رجل يقال له (جحدر) – من بني جُشم –

قيل انه كان :

” يُخيف السبيل بأرض اليمن ..، فأرسل الى عامله باليمن يشدّد عليه في طلبه ،

فلم يزل يجّد في أمره حتى ظَفَر به وحمله الى الحجّاج بواسط

فقال له :

ما حملك على ما صنعت ؟

فقال :

كلَبُ الزمان ،

وجرأة الجنان ،

فَأمَرَ بحبسه فحبس ،

فحنّ الى بلادِه “

وفي السجن حيث يعاني الغربة والوحشة نظم قصيدة مؤثرة من أبياتها قوله :

أليس الله يعلم أنّ قلبي يحبكَ ايها البرق اليماني

أيا أخويَّ من جُشمَ بن بكر أقلاّ اللوْم إنْ لا تنفعاني

اذا جاوزتما سعفات حجْر وأَودية اليمامة فانعياني

لفتيان اذا سمعوا بقتلي بكى شبانهم وبكى الغواني

وقولا : جحدر أمسى رهينا يحاذر وَقْعَ مصقول يماني

وبلغ عدد أبيات القصيدة ستة عشر بيتاً ، سرعان ما نُقل خبرُها الى الحجاج .

” فأحضره بين يديه وقال له :

ايما احب اليك : أن أقتلك بالسيف أو أُلقيك للسباع ؟

فقال :

أعطني سيفاً وألقني للسباع ،

فأعطاه سيفاً وألقاه الى سُبع ضار مجوّع ،

فزأر السبع وجاءه فتلّقاه بالسيف ففلق هامته “

واذا كان (جحدر) قد نجا من هذه المنازلة المرعبة فمن المؤكد أن نجاة غيره صعبة …

-6-

وبعد ما رأى الحجاج من شجاعة (جحدر) غيّر رأيه فيه ..!!

حتى قيل انه :

(خلع عليه ،

وفرض له في العطاء ،

وجَعَلَهُ من أصحابه ، ..”

أرايت كيف تحوّل القرار من الإعدام الى الإكرام ؟

إنّ الطواغيت يحكمون طبقا للهوى، ويضربون عرض الجدار بكل المعايير والموازين …

واذا كان (جحدر) قاطع طريقٍ فكيف يكون من أقربُ المقربين الى الحجّاج ؟!!

انها ” فوضى” الجبّارين ذات الألغاز والاسرار الخفية ..!!

-7-

وقبل اجراء الانتخابات النيابية في 30/4/2014 تحوّلت قرارات تجريم أحد رموز الرذيلة – وبتدخل من الحاكم بأمره – الى تبرئة كاملة من تبعات المسؤولية عن الارهاب والاختلاس …

وعلى العدل والنزاهة والاخلاق ألف تحية وسلام …

فتحققت النقلة الجديدة من الاجرام الى الاكرام ..!

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات