23 ديسمبر، 2024 4:42 ص

الإيمان بفلسفة مابعد الحداثة .. وصراع عاطفي غريب !

الإيمان بفلسفة مابعد الحداثة .. وصراع عاطفي غريب !

أنا شخصيا من معتنقي فلسفة مابعد الحداثة وأرفض المبالغة في تضخيم دور العقل ، وغير مؤمن بمطلقاته وتعميماته ، وأحتج على سجنه للمشاعر والأفكار داخل جدران ( الجدية والروح العملية ) .. ومن أنصار التمرد والترفيه والضحك ( والفرفشة ) والسخرية من الحياة .

وبناءا على هذه الميول الفكرية أنا مشجع دائم لكرة القدم منذ زمن طويل ، وقد عشت صراعا قويا خلال هذا الأسبوع بين تشجيعي لفريق نادي تشلسي وخصمه مانشستر ستي .. كلاهما أنا مشجع لهما ، وقد وصلا لخوض المباراة النهائية لأندية أبطال أوربا .. وهنا الحيرة !

معجب بنادي مانشستر ستي بسبب لعبه الجماعي الهجومي ووجود المدرب غوارديولا .. وبعض اللاعبين الذين نالوا إعجابي .

فريق تشلسي يملكه ملياردير روسي ، وعادة الأثرياء الروس بعد تفكك الإتحاد السوفيتي يشبوهون الأثرياء العراقيين بعد تغيير نظام صدام .. ثرواتهم مشكوك بها ، بسبب قسوة الشخصية الروسية ووجود الحزب الشيوعي سابقا .. وبعد وصولي الى أميركا وإنتمائي لها ولتاريخها القديم والحديث بدأت أشعر بالنفور ولا أحب أي شيء يتعلق بروسيا بوصفها خصما لبلدي ، حتى أدب ديستوفسكي قرأته مرة واحدة عندما كنت في العراق ولم أستطع نفسيا إعادة قراءة رواياته البارزة بسبب كونه روسيا .

و سبب تشجيعي لفريق تشلسي هو وجود المدرب الألماني توخيل .. هذا الإنسان لم أكن أرتاح الى ملامح شخصيته وشكله وأنفر منه .. لكن حدث وان شاهدت مقابلة قصيرة له بعد ان خسر فريقه أصابني بمقتل بطريقة التعبير عن حزنه .. شعرت بالشفقة عليه (كسر خاطري ) وشاركته حزنه وأصبحت أتمنى له النجاح وأتابع أخباره وتعرفت على شخصيته أكثر فوجدته إنسان متحضر محترم درس علم الإدارة إضافة الى التدريب ، وسبق له العمل كعارض أزياء ، وهو عقل كروي مبدع ناجح .
وهذه هي طبيعتي الدائمة الشفقة على الضعيف والطرف الخاسر في كافة مجالات الحياة .. في كرة القدم عندما أجد فريقي المفضل يسجل عددا كبيرا من الأهداف تأخذني الشفقة على الفريق الخاسر وأترك فريقي وأتحول لتشجيع الخاسر وأفقد متعة المباراة .

جاء موعد المباراة النهائية يوم أمس بين تشلسي والستي .. وبعد صراع طويل تمنيت الفوز لفريق الستي ، نظرا لأن فوز تشلسي سيكون لصالح مالكه الثري الروسي وهذا لا أتمناه ، كوني على عداء مع كل ماهو روسي .. جرت المباراة وفاز فريق توخيل وتجدد تعاطفي معه حينما رأيته يلتقط الصور مع أطفاله فرحا بالمناسبة ، ورغم فوزه وأصبح بطلا لكن شفقتي وإلتزامي العاطفي نحوه لايزال باقيا وهذا من أسرار النفس البشرية !

والسؤال : ماهو فضلنا وميزتنا الأخلاقية إذا كانت مشاعر الحب والكراهية مشاعر عفوية ليست بأيدينا وخارج إرادتنا ، وهل يحق لنا وصف فلان من الناس طيب القلب ونكرمه على مواقفه النبيلة وهو في الحقيقة لم يختر شيئا بل مرغما من قبل طبيعته البشرية الخاصة ؟