بعد قيام إيران الإسلامية ظهرت محاولات لكتّاب ومفكري ايران بضرورة وضع نظام سياسي يتضمن رؤيا واضحة لطريقة السياسة الخارجية لإيران الإسلامية وتعتبر نظرية الدكتور محمد جواد لاريجاني من أهم النظريات التي كتبت ضمن دراسات إستراتيجية قومية بهذا الاتجاه وأهم ما جاء في هذه النظرية أنها تعتبر إيران مركز القيادة الإسلامية في العالم وولي الفقيه الإيراني سيقوم بالإشراف على كل العالم الإسلامي لاسيما وإن رأس القيادة السياسية هو القيادة الدينية وجاءت تسمية أم القرى وهي مكة المكرمة كما ذكرها القرآن الكريم بإعتبارها مركز المسلمين في العالم وبما ان إيران الآن دولة ولاية الفقيه فلابد أن تكون هي أم القرى من خلال الموقع الستراتيجي والإمكانيات العسكرية والاقتصادية و إخضاع جميع دول المنطقة لهذه السياسة كما إن النظرية تقول إذا قامت دولة إسلامية في العالم أصبحت هي أم القرى وإن قيادتها ستكون بالتالي مسؤولة في الدفاع عن كل بلاد المسلمين ومن ناحية أخرى تكون مصالحها مقدمة بل واجبة على كل الأمة الاسلامية ؟ وهناك تفاصيل نعرض عنها لأنها لا تتماشى مع العقل السياسي المتطور والنظام السياسي الجديد في منطقة الشرق الأوسط وهنا لابد من توضيح أمور هامة حول ما ذكره الدكتور لاريجاني وهو أكبر مفكر إيراني كتب في السياسة الخارجية الإيرانية أن إيران صنعت الكثير بهذا الإتجاه منها إستغلت الفراغ في الحوزة العلمية في النجف الأشرف وبنت كياناً دينياً قوياً في مدينة قم المقدسة وحاولت تقديم كل الإمكانيات وصناعة حوزات ومدارس دينية ومن كل العالم بإستقطاب المتشيعين والشيعة من العرب والمسلمين وشحن عقولهم بنظرية أم القرى وإعادتهم الى بلادهم الأصلية لغرض الدعوة لأم القرى وتحت ظل المذهب الشيعي الإثني عشري.
وبعد سنين من إستقطاب الطلاب والأساتذة والعلماء من العراق ولبنان والخليج والحجاز واليمن وشمال افريقيا والمغرب العربي والا ان القضية تعرضت لعاصفة عصفت بولاية الفقية وهي أن المرشد الايراني علي خامنئي لم يكن هو الأعلم فلم تتحقق الولاية للفقيه بشكلها المنشود كما إن الحوزة النجفية لم تخضع لولاية الفقيه مطلقاً بل لم تؤيد النظرية الإ بمقدار المجاملات البسيطة ،إن الخطأ الفادح الذي وقع فيه الدكتور لاريجاني إنه لم يتصور الخارطة السياسية والتي رسمت للمنطقة الشرق أوسطية والتوازن الدولي والفكري في المنطقة كما رسمتها السياسة الخارجية الاميركية منذ خمسينيات القرن الماضي فالاستخبارات الاميركية من صنع التنظيمات الإسلامية في فترة الخمسينيات ودعمت بشكل واضح كما في تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين وحزب التحرير وحزب الدعوة المنشق منه كما إنها أرادت الصراع متوازناً بين الأحزاب الإسلامية والحكومات وتعميق ذلك النزاع لخلق حالات الثأر والإنتقام وأوحت للحكام العملاء بقمع الحريات جميعاً خاصة الدينية مما جعل حالة من الإحتقان الطائفي والديني وبالمقابل قسمت الاسلاميين الى سنة وشيعة والشيعة الى مؤيدي ولاية الفقيه ومعارضين لهذه الطريقة كما انها قسمت السنة الى متطرفين سلفية وتكفيرين والى سنة معتدلين بالافكار وأما ماطرحه الدكتور سياسياً فهي نظرية في عقله فقط وتسويقها عالماً لم يكن له وقع الا بجزأ بسيط بينما ايران دخلت اللعبة حيث لم تشعر بانها جزء من عملية تقسيم الشرق الاوسط الاميركي الجديد وخاصة الربيع العربي والتي كانت جزءاً منه وخاصة في افغانستان وطالبان في مؤتمر مكة ودورها في اسقاط نظام صدام الدكتاتور ومع كل هذه المنجزات والتي تعتبر نفسها حققتها بذكائها وتخطيطها الا أنها لم تكن الا جزءاً بسيطاً أسهمت في تغيير الخارطة العربية والشرق أوسطية والمفاجئة الكبرى والتي قسمت ظهر البعير هي ان العراق برغم الفوضى السياسية الا ان الشعب العراقي باغلبيته الشيعية سحب البساط من النظرية اللاريجانية ليكون هو أم القرى وكعبة للشيعة بالعالم وبعد تحرك العراقيين الشيعة العرب وكرمهم بإيواء الزائرين وأخلاقهم الفريدة والنوعية وعلمائهم العقلاء والمنفتحين والغير طائفيين من امثال المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف والمرجعية العليا في كربلاء المقدسة للسادة الأجلاء آل الشيرازي الكرام ومدارسهم الدينية.
يبدو ان الشعب الايراني بدأ بدعم شيعة العراق والتلاحم معه من خلال احياء المراسم الدينية الكبيرة وكسر كل الفجوات التي رسمتها حكومة ايران لهم وانه لابد ان تكون ايران ام القرى للعالم ولم يكن الا ان خضع كل العالم لإرادة العراقيين وصارت كربلاء أماً وأباً للكل بلا منازع لان من اهم عوامل النجاح في اي مشروع هو القدرة العسكرية والسياسية وبما ان كليهما لم ينجحا في الداخل فلا شك انهما سيفشلا في الخارج كما ان الاجترار والمراوغة وفقدان القدرة وضمور اللياقة الاجتماعية بحسن معاملة الاخرين وشيوع منطق القوة والترهيب واثبات الوجود والأنا الفارسية وتشكيل مجلس الامن القومي الفارسي وضع اسفين وتعصب التشيع العربي وبالخصوص العراقي وهذا سببه عدم وجود الرؤية السياسية الصح للمفكرين الايرانيين فكان على من لايحسن السياسة بشكلها الواسع وتنقصه اللياقة الاجتماعية ولايعرف الطبيعة البشرية بشكلها الحقيقي ان لايطرح شيء قد يخسر بسببه كل مابناه، ان الحسين -ع- ثار من اجل الحرية وعدم التبعية للحاكم الاموي الجائر ولم ينفع يزيد حكومته من منع الثورة كما اننا لايمكن ان نستغل دماء شهداء العراق ولبنان وسوريا والحجاز لنبني دولة ايران ، ان العراقيين يفتخرون بالشعب الايراني والثورة الاسلامية ولكن يرفضون التبعية الدينية والسياسية لايران بما يمتلك العراق من حضارة دينية وارث حضاري عظيم تاريخياً وبدأ الشعب الايراني يفهم ويدرك ان الشعب العراقي له امتداده التاريخي وإرثه الحضاري وكرمه وضيافته لكل العالم وفعلا صار العراق ام القرى للعالم بفضل زيارة الامام الحسين-ع- من خلال دخول الملايين من الشيعة الايرانيين الأعزاء لمشاركة اخوانهم شيعة العراق العرب دعماً تاريخياً يدلل على ان العراق شعب حر حرر نفسه وقادها نحو الصلاح والاصلاح واحياء ثورة الامام الحسين-ع- لان الاحياء جمعت بين الفكر والعاطفة كما إنها جمعت بين السيف والعقل والحكمة فصارت تحارب الارهاب مع إخوتهم من سنة العراق بيد وتحارب الفكر التكفيري باليد الاخرى وهكذا صار العراق قائداً فذاً بفضل الأنفاس القدسية لسيد الشهداء-ع- لكل العالم في محاربة التطرف الديني والقومي في المنطقة.