إن الإيثار من أفضل مكارم الأخلاق، فبحسب رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق يكون إيثاره بالأمور،مثل بُغض الشُّحِّ والبخل وذلك بالتعود على الجود، ورعاية الحقوق حق رعايتها والرغبة في الجزاء على الأعمال الطيبة في الآخرة وتعويد النفس على تحمل الشدائد والصعاب وعدم الدنو والولوج في صغائر الأمور والارتفاع بالنفس الكبيرة لأعلى مراتبها إن سمة الإيثار متعلقة بسمات كثيرة أخرى كأن تكون سعة الصدر والرأفة بالناس والبعد عن الكبر وترك الغل وصفاء السريرة، فبدءاً من المجتمع الكبير فإنه لا تتوفر الطمأنينة والأمان والاستقرار إلا في مجتمعات يتوفر فيها الإيثار,والتفكير بصون مقدرات الأمة والرعية وهذا لا يتحقق الا بوجود مؤتمنين يؤثرون على أنفسهم في سبيل حماية أرواح الناس ومصائرهم .
وقد قسم العلماء الإيثار إلى مراتب ودرجات هي: أن تُؤْثِرَ الخلقَ على نفسك فيما لا يحْرُمُ عليك دِينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يُفسد عليك وقتًا، يعني أن تُقدمهم على نفسك في مصالحهم، مثل: أن تطعِمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرَى، وتسقيهم وتظمأ، بحيثُ لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلافٍ لا يجوز في الدين، وكلُّ سببٍ يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثِر به أحدًا، فإن آثرت به فإنما تُؤْثِر الشيطان على الله وأنت لا تعلم .
إن الإيثار يبدأ منذ الصغر فإشاعة الإيثار بين الأبناء واجب على الآباء وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أواصر المحبة فيهم، وتعويدهم على السخاء، والشعور بالآخرين، حتى لا ينشأ الواحد منهم فردياً وأنانياً لا هم لهم إلا أنفسهم,ثم إن تربيتهم على تلك الخصال تقضي على كثير من المشكلات التي تحدث داخل البيوت,فإذا بنينا أساس تعامل الأبناء على المؤاثرة، وإذا لاحظناهم يؤثرون بعضهم البعض فيجب الثناء عليهم ومكافأتهم، حتى ولو كان الأمر صغيراً,فالإيثار الطوعي والتعاطف الاجتماعي، يتجلّى في أخلاق كل إنسان يعرف حقوقه وواجباته الحقيقة فأن المؤمن هو ليس من يصلّي ويصوم ويؤدّي الشعائر التعبُّديّة فقط، المؤمن الحق هو من يتحلى بخلق النبي واله وهو الذي تجده في المؤاثرة والجود بنفسه كشمعة تحترق لتنير الطريق للآخرين . إن أعظم الإيثار في هذه الدنيا هو أن تؤثر مرضاة الله على مرضاة الناس، وأن تؤثر رضا
الله على رضا من سواه وأن تؤثر رضا الله على هوى نفسك، قال تعالى: {ومن يوقَ شُحَّ نفسهِ فأولئكَ هم المفلحون} وقال رسول الله (ص){لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} ولأن الحياة قصيرة فيجب ألا نعيش لأنفسنا فقط، فتفكير الإنسان في نفسه فقط يجعله صغيراً، ولكي يعيش الإنسان كبيراً وتمتد حياته بامتداد البشرية فلا بد أن يعيش لغيره كما يعيش لنفسه, ليجد سعادته في سعادة الآخرين وفرصته في فرصهم وبسمته في ابتسامهم والسعادة الكاملة عندما يجد من يدعو له برضا الله .