23 ديسمبر، 2024 11:24 ص

الإنماء الاقتصادي في الدولة المسلمة وضرورةُ اكتفائها الذاتي

الإنماء الاقتصادي في الدولة المسلمة وضرورةُ اكتفائها الذاتي

تهتم الدولة بالإعداد المالي والقوة الاقتصادية وتجعلها في خدمة مواطينها، وقيمها ومبادئها، وتعمل على تطوير ميدان الصناعة، والزراعة، والعقار، والاستيراد والتصدير والتجارة …الخ
وتحرص على تنمية الاقتصاد الإسلامي الذي سيكون له آثار على المجتمعات البشرية والتي من أهمها:
أ ـ إنقاذ البشرية، من مساوئ الأنظمة الوضعية حتى أن علماء الغرب يقولون بذلك. يقول جاك أوستري: إن طريق الإنماء ليس محصوراً في المذهبين المعروفين، بل هناك مذهب اقتصادي ثالث راجح هو المذهب الإسلامي (أوستري، الإسلام والتنمية الاقتصادية، ص: 100)
وبذلك يتحرر المسلمون من التبعية الاقتصادية ويبرز للعالم هذا النظام ومن هنا تأتي أهمية طرح النظام الاقتصادي في الإسلام وبيان الأحكام الشرعية لمعالجة جميع مشاكل الحياة.
ب ـ استغلال الموارد البشرية والمادية استغلالاً اقتصادياً يؤدي إلى الرفاهية للمواطنين مما يساعدهم على قيام الصناعات الثقيلة والانتعاش التجاري ووسائل القوة المادية والمعنوية التي تحقق للدولة وشعبها القوة والمتعة كل ذلك وفق برامج تنمية متكاملة ولا تبقى الدولة مجرد سوق مالي وسلعي للشرق أو الغرب.
ج ـ وجود الاقتصاد الإسلامي في الدولة المدنية الإسلامية يؤدي إلى الوحدة السياسية بين شعوب الإسلام، حيث إن الاقتصاد يراعي أحكام الشريعة كما أن وحدة الاقتصاد تؤدي إلى وحدة السياسة، وهذا ما تسعى إليه دول غير إسلامية مثل دول السوق الأوروبية المشتركة.
د ـ تحقيق القوة الاقتصادية والسياسية يؤدي إلى قوة الدولة المدنية الإسلامية والقيام برسالتها في الحياة وتساهم في ارتقاء شعبها وأمتها وجعلها خير أمة، وأقوى قوة فكرية وحضارية ومادية في العالم.
هـ ـ إذا بنى الفكر ـ وبخاصة الفكر الاقتصادي الإسلامي على أساس سليم من العقيدة والأسس الصحيحة، فإن الطريق إلى الاكتشافات والمخترعات الحديثة سيكون مفتوحاً، وستوظف المفاهيم إلى واقع حي عملي في معترك الحياة، وبذلك نستعلي بقوة الحق، وسلامة الفكر على الأفكار الدخيلة على الأمة الإسلامية.
إن العقيدة الإسلامية ما جاءت إلا لهداية البشر إلى ما فيه السعادة في الدارين (النظام الاقتصادي في الإسلام لمحمود الخطيب، ص: 75)، والتي من ضمنها الجانب المادي الاقتصادي.
ولقد اهتم الإسلام بالموارد المالية وبيَّن طرق الكسب المشروع، كالبيوع والميراث والوصايا والهبات وغيرها، وأوضح طرق الكسب غير المشروع، كالربا والغرر والغش والاحتكار وغيرها وكانت موارد الدولة الإسلامية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده من الزكاة والغنائم والفيء، والخراج والتجارة. إن الدولة المدنية الإسلامية التي تسعى تقوية جوانبها الاقتصادية والمالية وتوظيفها في دعوة الله تعالى قد أخذت بسبب مهم من أسباب القوة والصمود ألا وهو:
الاكتفاء الذاتي:
إن الدولة المدنية الإسلامية تعمل على الاكتفاء الذاتي لمواطنيها بمعنى أنها يجب أن يكون لديها من الخبرات والوسائل والأدوات ما يجعلها قادرة على إنتاج ما يفي بحاجتها المادية والمعنوية وسد ثغراتها المدنية والعسكرية، عن طريق ما يسميه، الفقهاء: فروض الكفاية، وهي تشمل كل علم أو عمل أو صناعة أو مهارة يقوم بها أمر الناس في دينهم أو دنياهم، فالواجب عليهم حينئذ تعلمها وتعليمها وإتقانها حتى لا يكون المسلمون عالة على غيرهم، ولا يتحكم فيهم سواهم من الأمم الأخرى، وبغير هذا الاستغناء والاكتفاء، لن يتحقق لهم العزة التي كتب الله لهم في كتابه: ﴿وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون، آية: 8).
وبغيره كي يتحقق لهم الاستقلال والسيادة الحقيقية وهو ما ذكره القرآن ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء، آية: 141).
ولن يتحقق لهم مكان الأستاذية والشهادة على الأمم وهو المذكور في قوله سبحانه ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة، آية: 143).
فلا عزة لشعب يكون سلاحه من صنع غيره، يبيعها منه ما يشاء، متى شاء، بالشروط التي يشاء، ويكف يده عنها متى شاء وكيف شاء.
ولا سيادة حقيقية لشعب يعتمد على خبراء أجانب عنه، في أخص أموره، وأدق شؤونه وأخطر أسراره ولا استقلال لشعب لا يملك زراعة قوته في أرضه، ولا يجد الدواء لمرضاه، ولا يقدر على النهوض بصناعة ثقيلة، إلا باستيراد الآلة والخبرة من غيره.
المصدر:
علي محمد الصلابي، الدولة المسلمة الحديثة دعائمها ووظائفها، ص 177-180.