23 ديسمبر، 2024 4:57 م

تقرير عن مجلس العلاقات الأجنبية
بات الصراع الطائفي متخندقاً بعدد متزايد من البلدان المسلمة ويهدد بكسر العراق وسوريا. قد تعيد الصراعات بين السنة والشيعة التي تدعمها السعودية وإيران تشكيل مستقبل خارطة الشرق أوسطية.

قد يزيد إنقسام طائفي ديني قديم وقود نار الصراعات الطائفية التي ولدت حديثاً في بلدان الشرق الأوسط الإسلامية. إن الصراع بين قوى السنية والشيعية غذت حرباً سورية والتي هددت خارطة الشرق الأوسط واشعلت النار في العنف الذي يمزق العراق ويوسع الشق بين بلدان الخليج ذات العلاقات المتوترة. إن نمو الصراعات الطائفية قد أشعل أيضاً فتيل عودة شبكات المجاهدين متععدة الجنسيات التي تهدد مناطق قد تخرج عن نطاق المنطقة بحد ذاتها.

إن الإنقسام الإسلامي الذي يغلي منذ أربعة عشر قرن مضى لا يوضح كافة العوامل السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الجيولجية التي تشكل تلك الصراعات ولكنه صار كالموشور الذي من خلالها يفهم المرء التوترات الكامنة. استغلت الدولتان اللتان تتنافسان على قيادة الإسلام (السعودية السنية وإيران الشيعية) الإنقسام الطائفي لطموحات أـكبر. وكيفما سيتم حسم هذا التنافس سيكون شكل الموازنة السياسية بين السنة والشيعة ومستقبل المنطقة وعلى وجه الخصوص سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن.

وبجانب المعركة بالنيابة تجديد مصلحة الميليشيات المسلحة التي تدفعها أهداف التصفية الطائفية أو تمهيد عودة المسيح. اليوم عشرات الألاف من الميليشيات المسلحة المنظمة في المنطقة قادرة على أشعال فتيل حرباً لا هوادة فيها. وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها الكثير من رجال الدين من السنة والشيعة على حد سواء لتقليل التوترات الطائفية عبر الحوار ونبذ العنف إلا الكثير من الخبراء عبروا عن إهتماهم في إن الإنقسام الطائفي الديني الإسلامي سيؤدي إلى تصاعد حدة العنف ونمو التهديد على السلم والأمن الدوليين.

عاش المسلمون السنة والشيعة بسلام جنباً إلى جنب على مدى قرون. وفي الكثير من البلدان بات من الشائع المصاهرة بين الطائفتين والصلاة في نفس الجامع. ويتشاركون نفس الإيمان بالقرآن وأحاديث النبي محمد وأن يقيموا صلوات مشتركة على الرغم من إختلاف شعائرهم وتأويلهم للشريعة الإسلامية.

تتجذر الهوية الشيعية بمقتل الحسين، حفيد النبي محمد، الذي صار ضحية في القرن السابع الميلادي، وعلى مدى التاريخ الطويل همست الأكثرية السنية الأقلية الشيعية. ويرى المذهب السني الذي يشكل أكبر المذاهب الإسلامية (ما يقارب 85 بالمائة من المسلمين في العالم بتعداد 1.6 مليار نسمة) الدين الإسلامي من وجهة النظر الشيعية بعين من الشك ويرسم المتطرفون السنة الشيعة على إنهم من المهرطقين والمرتدين.

اصول الإنقسام

كشف النبي محمد عن دين جديد للناس في مكة في عام 610 ميلادية. وعرف هذا الدين بأسم (الإسلام)، أو الخضوع لله، ويعتبر الدين الموحد الجديد مشابه لبعض التعاليم اليهودية والمسيحية ويتوسع إلى عدد جديد من الأحكام الشرعية التي تغطي جميع نواحي الحياة تقريباً ومن ضمنها السلطة السياسية. وعند وفاة النبي محمد عام 632 ميلادية كان النبي محمد قد فرض سيطرته على شبه الجزيرة العربية. وبنى خلفاؤه بعد ذلك امبراطورية أمتدت من آسيا الوسطى حتى أسبانيا قبل أن يمر قرن واحدة على وفاة النبي محمد. ولكن الخلاف على الخلافة قسم المجتمع، مع بعض المناظرات التي تقول إن القيادة يجب أن تكون في المؤهلين بينما يصر الأخرون على إن الخليفة الشرعي يجب أن يكون منحدر من نسل محمد فقط.

أختار الصحابة الأوائل في الإسلام (ابو بكر) وهو صاحب النبي محمد، ليكون الخليفة الأول أو قائد الأمة الإسلامية وسط العديد من الإعتراضات لمن يميلون إلى (علي بن ابي طالب)، وهو ابن عم النبي محمد وزوج أبنته. إن الخلاف في تولي الخلافة ولد نتيجة لذلك الطائفتين الإسلاميتين الرئيسيتين: يؤمن الشيعة – وهو مصطلح يشير إلى “شيعة علي”، وباللغة يعني

مصطلح الشعة “أنصار علي” – إن علياً وأبناؤه جزء من النظام الألهي. في حين يعترض السنة – وهو مصطلح يشير إل أهل السنة، أو “السيرة” المحمدية- على أن تكون الخلافة مقصورة على نسل النبي محمد فقط.

نصب علياً خليفة عام 656 ميلادية ولم يحكم إلا خمس سنوات قبل أن يتم إغتياله. وأنتقلت الخلافة التي كان مقرها في الجزيرة العربية إلى (آل أمية) في دمشق ومن ثم إلى (آل العباس) في بغداد. رفضت الشيعة حكم هؤلاء الخلفاء. في عام 680 ميلادية، قتل جنود الخليفة الأموي الثاني ابن علي (الحسين) والكثير من أتباعه في (كربلاء) التي تقع وسط العراق اليوم. صارت كربلاء قصة أخلاقية بارزة لدى الشيعة، وبات الخلفاء السنة قلقين إن يقوم الأئمة – يستعمل السنة مصطلح الإمام على من يؤم المسلمين في الصلاة- الشيعة من ابناء (الحسين) الذين يرون أنفسهم القادة الشرعيين للمسلمين بإستغلال تلك المجزرة ليحرضوا الرأي العام ويقلبوا عروش الملوك. ولد هذا القلق ما لحق من إضطهاد وتهميش للشيعة.

وحتى بعد أن كسب السنة النصر السياسية في الإمبراطورية الإسلامية واصل الشيعة التأمل في أئمتهم – من أبناء الحسين- على إنهم القادة الشرعيين سياسياً ودينياً. وحتى داخل المجتمع الشيعي، نشأت خلافات في مسار الخلافة الصحيح. فقد كان التيار الشيعي الرئيسي يؤمن إن هناك أثنا عشر إمام. في حين أنشق الشيعة الزيدية – المتواجين في اليمن فقط- عن الإيمان الشيعي من خلال الوقوف عند الإمام الخامس فقط وفرضوا حكمهم الإمامي في أجزاء من اليمن حتى ستينات القرن الماضي. وأنشق الشيعة الإسماعيلية المتمركزين في جنوب آسيا مع وجود جاليات متعددة في أنحاء العالم عن البيت الشيعي من خلال الوقوف عند الإمام السابع فقط. يبجل الكثير من أتباع الشيعة الإسماعيلية الملك (أغا خان) على إعتبار إنه السفير الحي لإمامهم. ويؤمن أغلبية الشيعة وعلى وجه الخصوص شيعة إيران وبلدان الوطن العربي الشرقية إن الإمام الثاني عشر دخل في حالة (الغيبة) منذ عام 939 ميلادية، وسيظهر في نهاية الزمان. ومنذ ذلك الحين وألبس الشيعة الإثناعشرية رجال دينهم اللباس السلطوي والذين يطلق عليهم (آيات الله).

أختار الكثير ممن دخل الإسلام من المسيح واليهود والمجوس أن يكونوا شيعة بدل من أن يكونوا سنة في القرون الأولى من الدين كإعتراض على إن الإمبراطورية العربية العرقية تميز بين الموالية (غير العرب) وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية. وأثرت دياناتهم في بزوغ المذهب الشيعي الإسلامي كتمييز عن الشعائر والمعتقدات التي كان يقيمها ويؤمن بها السنة المسلمون.

هيمن السنة في أول تسع قرون على الحكم الإسلامي (ما عدا حكم الأسرة الفاطمية الشيعية) لغاية تأسيس الدولة الصفوية عام 1501 ميلادية في بلاد فارس. جعل الشفصوين من مذهب الشيعة الإسلامي المذهب الرئيسي وفي القرنين التاليين قاتلوا العثمانيين الذين يمثلون الخلفاء السنة. وبعد أن تلاشت تلك الإمبراطوريتان، حسمت معاركهما حدود إيران وتركيا الحديثة بحلوا القرن السابع عشر الميلادي ونتج عن تراثهم التوزيع الحالي للمذاهب الإسلامية. فقد أحتل الشيعة أغلبية غيران والعراق وأذربيجان والبحرين والأغلبية في لبنان في حين كان السنة الأغلبية في ما يقارب أربعين دولة من المغرب حتى أندونيسيا.

وفاة النبي محمد

أنقسم الصحابة الأوائل على أمر خلافة النبي محمد، الذي أنزل بالدين في الجزيرة العربية. أنتخب الصفوة الأوائل في الجزيرة العربية (أبا بكر) وهو أحد صحابة النبي محمد وسط إعتراض من يميلون إلى (علي بن ابي طالب) وهو أبن عم النبي وزوج أبنته. واختير (عليا) خليفة أو حاكم الأمة الإسلامية في عام 656 ميلادية، وأغتيل عام 661 ميلادية بعد صراع على السلطة مع والي دمشق (معاوية). طالب (معاوية) بالخلافة وأسس الخلافة الأموية والتي حكمت الإمبراطورية الإسلامية في دمشق حتى 750 ميلادية.

التوترات الحديثة

أعطت الثورة الإيرانية الإسلامية في عام 1979 للزعيم الشيعي آية الله روح الله خميني الفرصة لتنفيذ رؤيته لحكومة إسلامية يقودها مبدأ (ولاية الفقيه) وهو مبدأ مثير للخلاف بين فقهاء الشيعة ويعارضه السنة ذاحبي الإختلاف التأريخي بين القيادة الدينية والقيادة السياسية. كان آيات الله الشيعية حماة الشريعة. وبين الخميني مجادلاً إن على آيات الله ألأن يحكموا لكي ينجزوا وظائفهم بصورة سليمة: تنفيذ الإسلام كما أمر الله عبر الإئمة الشيعة.

بدأت إيران تحت حكم الخميني تجربة الحكم الإسلامي. حاول الخميني إن يبث روح إحياء الإسلام إلى حدود أبعد، داعياً إلى وحدة المسلمين ولكنه دعم في لبنان والعراق والبحرين وباكستان المجاميع ذات أجندات شيعية خاصة. استحسنت الحركات الإسلامية السنية مثل (الأخوان المسلمين) و(حماس) النجاح الذي ناله الخميني، ولكنها لم تقبل قيادته واضعين ألف خط تحت عمق الشكوك الطائفية.

في السعودية أقلية شيعية تقدر (10%) فقط من سكانها، والملايين من المعتنقين للمذهب الإسلامي التطهري السني المسمى (المذهب الواهبي). إن تحول إيران إلى قوة شيعية علنية بعد الثورة الإسلامية أغرت المملكة العربية السعودية لتعجيل الدعوة بمذهبها (الواهبي) حيث إن الدولتان أحيتا التنافس القديم الطائفي الممتد إلى قرون ماضية على حساب التأويل الصحيح للإسلام. يمكننا أن نتعقب الكثير من المجاميع المسؤولية عن العنف الطائفي والتي ظهرت في المنطقة وعبر العالم الإسلامي منذ عام 1979 ونجد إنها ذات مصادر إيرانية أو سعودية.

دعمت المملكة العربية السعودية العراق في حربه 1980-1988 مع إيران ورعت المليشيات في باكستان وإفغانستان التي حاربت أساساً الأتحاد السوفيتي أنذاك الذي غزا أفغانستان عام 1979 ولكنها كبحت الحركات الشيعية التي دعمتها إيران.

إن تحول إيران إلى الفتيل الذي أشعل المليشيات الشيعية في البلدان الملمة بدأ متطابقاً مع القرون التي شك فيها السنة إن الشيعة العرب كانوا موالين لبلاد فارس. وأشار الكثير من الخبراء مع ذلك إن الشيعة ليسوا ميالون إلى طرف واحد فقط- بالنسبة للكثير منها، بالنسبة إلى الهويات والمصالح التي تعتمد على ما يفوق إعترافاتها. شكلت الشيعو في العراق على سبيل المثال كتلة كبيرة من الجيش العراقي الذي قاتل إيران خلال الحرب العراقية- الإيرانية وتصارعت الحركات الشيعية في لبنان من أمثال (امل) و(حزب الله) في أيام الحرب الأهلية اللبنانية. وقاتلت ميليشيا (الحوثيون) ممن ينتمون إلى الطائفة الزيدية الشيعية في اليمن الرئيس(علي عبد الله صالح) في أيامه وهو زيدي أيضاً ودخلوا معارك كثيرة بين عامي 2004 و 2010. وفي عام 2014 أحتل (الحوثيون) العاصمة صنعاء بدعم من أنصار (صالح).

من جانبهم، لم يكن السنة بشقيها المعتدل والمتطرف يركزون على نحو منفرد في قمع الشيعة. فقد قاتلوا مسلمين على مر التاريخ وفي الوقت القريب قاتلوا صعود (الأخوة المسلمون) في مصر وفي إحتلال العراق للكويت عام 1990 ومعارك السعودية ضد القاعدة وبعض المليشيات السنية التابعة لها. إن مشاركة الهوية السنية ذاتها لا يصفي الصراعالسلطوي بين الملمين السنة تحت ظل حكومات سواء كانت دينية أو علمانية.

ولكن تبرز الهوية الإعترافية في الساحة من جديد كلما استد العنف الطائفي كما هو الحال في العراق بعد الاحتلال التي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 التي أزاحت فيه (صدام حسين) الدكاتور من الأقلية السنية الذي حكم بلد ذو أغلبية شيعية. إن ضرب الضريح الشيعي المقدس في سامراء عام 2006 أعطى الضوء الأخضر للعنف الطائفي الديني الذي أجبرت العراق ينقسم ويبدا عصر من الهيجان التوترات لحد يومنا هذا.

في العالم العربي، حققت المليشيات الشيعية التي تدعمها إيران مكاسب سياسية مهمة. فقد أعتمد نظام (بشار الأسد) الذي يحكم سوريا منذ 1970 على العلويين وهم طائفة شيعية مبتدعة مهرطقة تشكل 13 بالمائة من سكان سوريا على إنهم عمود السلطة. هيمن العلويين على القادة الكبار في الجيش السوري والقوات الأمنية الأخرى وكانت الأساس للقوى المتقاتلة لدعم نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية. ومنذ احتلال العراق عام 2003 الذي أطاح (بصدام حسين) وسن إنتخابات تنافسية، هيمنت الأغلبية الشيعية على مجلس النواب وأنجبت رئيس وزراء الحكومة من رحمها. وتعتبر حركة (حزب الله) وهي ميليشيا شيعية لبنانية وحركة سياسية الممثل السياسي الأقوى للشيعة في لبنان. والمليشيات الشيعية في اليمن التي ترتبط بشدة بإيران باتت اليوم القوى المسيطرة على البلاد. إن التأثير الإقليمي الإيراني انتفخ بشدة بسبب إن حلفاؤها في تلك البلدان سيطرت على القوى فيها.

إن الحكومات السنية وبالخصوص في السعودية صارت اليوم قلقة على نحو متزايد حول إمكانية تمسكها بالسلطة، وهي القصية التي تفاقمت مع إندلاع حركات المعارضة في تونس في أواخر عام 2010 . إن الصحوة العربية، التي تعرف بالربيع العربي، أنتشرت في البحرين وسوريا وهما البلدان التي تقع على خط الإنقسام الطائفي الإسلامي. وفي كل من البلدان، تتمسك

السلطة الحاكمة بالأقلية الطائفية، العلوية في سوريا حيث إن السنة هم الأغلبية، والعائلة المالكة السنية في البحرين في بلد أغلبيته من الشيعة. إن الحرب الأهلية في سوريا وهو في واقعه صراع سياسي قد كشف الصراعات الطائفية وصار ساحة الإقتتال في حرب بالنيابة لا خير فيها بين الأغلبية السنية في المنطقة وبين الشيعة الماسكين على السلطة. في اليمن، وسع الثوار الحوثيون منطقتهم حتى جنوب السعودية موفرة بذلك خط ساحلي طويل استراتيجي لمسار السفن عبر البحر الأحمر. ويرى بعض المحللون إن الصراع في سوريا الأمل الوحيد المتبقي للسنة في تقليص وعكس نشر النفوذ الإيراني والمد الشيعي في العالم العربي.

الثورة الإسلامية في إيران

هرب حاكم إيران (محمد رضا شاه بهلوي) من البلاد بعد أشهر من تصاعد حدة التظاهرات. عاد آية الله المنفي (الخميني) وقاد حكم إسلامي أعتمد على دستور يضمن منحه الجمع بين السلطة الدينية والسياسية تحت مبدأ (ولاية الفقيه). أطلق على (الخميني) أسم القائد الأعلى وبدأ تصدير الثورة الإسلامية والتي كان الحكام السنة ينظر إليها بعين من الشك والريبة في بلدانهم التي يشكل فيها الشيعة أغلبية مهمة مثل العراق والبحرين والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وباكستان والسعودية ولبنان.

ممارسة العقيدة

يوافق السنة والشيعة على حد سواء على الأسس الإسلامية: الإيمان بإله واحد وأن محمد رسوله ويقيمون الصلاة اليومية ويؤتون زكاتهم للفقراء ويصومون خلال شهر الإسلام المقدس (رمضان) ويؤدون شعائر الحج إلى (مكة).

هناك إنقسامات في داخل الشرائع الرئيسية الإسلامية ولكن الإختلاف الرئيسي يتعلق بالسلطة، والتي أشعل فتيل الإنقسام السياسي خلال القرن السابع الميلادي وتخلله إنقسام في تفسير الشريعة وميز بين هويات المذاهب الإسلامية.

تؤمن الشيعة إن الله خلق دليلاً: أولاً في الإئمة ثم في آيات الله، أو الفقهاء، الذي لهم السلطة الواسعة في التأويل ويعتبرون مصدر الفتوى. إن مصطلح (آية الله) يشار إليه دوماً في إيران جنباً إلى جنب مع حكام (طهران) ولكنه في الأساس لقب رجل دين عالي المنصب يسمى (بالمرجع) أو مصدر الفتوى. القائد الأعلى الإيراني (علي خامنئي) كان قد عين بالإنتخاب بواسطة مجلس من آيات الله الإيرانيين في حين (المرجعية) وهي جمع (مرجع) قائمة في المدارس الدينية في مدن (قم) و(النجف) و(كربلاء). يمكن للشيعة أن يختاروا من بين العشرات من المرجعية، وأغلبهم يسكنون في المدن المقدسة في العراق وإيران. وترجع الشيعة إلى المرجع في القضايا الدينية في حين يرجعون إلى القائد الأعلى (علي خامنئي) في إيران في القضايا السياسية. بالنسبة إلى السنة، تعتمد السلطة على القرآن والسنة النبوية الشريفة. ولم يفرض الفقهاء السنة الذين يتقيدون بالأسبقية القانونية أي نفوذ على أتباعهم كما هو الحال في أقرانهم الفقهاء من الشيعة.

كلا المذهبين فيه فرق. ناقشنا في السابق بعض من فرق الشيعة. وتشكل المدارس الفقهية الأربعة المذهب السشني: الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي. ونتج عن الأخير المذهب الوهابي والحركات السلفية في السعودية. والسنة- والمصطح واسع يغطي كافة العالم الإسلامي غير الشيعي- موحد فيما يتعلق بمبادئ القرآن والسنة المحمدية ولكنه يسمح بالتغير في الرأي الفقهي.

المليشيات الطائفية

العنف الشائع بين المذاهب الإسلامية نادر تاريخياً، معظم تلك الحوادث كانت هجمات طائفية مميتة بتوجيهات من رجال الدين أو القادة السياسيين. تلعب الجماعات المتطرفة والتي في غالبها جماعات تغذيها الدول الدور الأكبر في القتل الطائفي اليوم.

وأبرز جماعتين إرهابيتين اليوم – القاعدة السعودية وحزب الله الشيعية – لم تعرفا نفسيهما على إنهما طائفيتين وفصلت أن تستعمل المناهضة للإستعمار والمناوئة للصهيونية والمعادية لأمريكا لتعريف الغاية من جهادها أو نضالها. تتشارك تلك المجاميع في بعض القواسم المشتركة بعيدا عن استعمالها العنف. طور حزب الله جناح سياسي ناشط يتنافس في الانتخابات وجزء من الحكومة اللبنانية، وهو السبيل التي لم تشارك فيه القاعدة والتي تعمل على نشر شبكة واسعة في الظل. وظفت

الجماعتين السيارات المفخخة الانتخارية وغيرت هجماتها من التركيز على الغرب وإسرائيل إلى المسلمين مثل القاعدة التي استهدفت المدنيين الشيعة في العراق وأعضاء حزب الله المشاركين في الحرب الأهلية السورية.

لعبت الخلافات والفوضى دوراً في استرجاع الهوية الرئيسية للصراع الطائفي. في العراق على سبيل المثال، بقايا نظام البعث وظف الخطباء السنة لتهيج المقاومة ضد السلطة الشيعية القائمة بعد سقوط (صدام). والأركان الرئيسية السنية التي ألهمت القاعدة أغلبهم نادوا بمحاربة الأمريكان وهبوا من كل بلد إسلامي إلى العراق وهاجموا قوات التحالف والكثير من المدنيين الشيعة. استحضر أبو مصعب الزرقاوي الذي أسس الفرع العراقي للقاعدة الفتاوى الشيعية القديمة أو الأحكام الشرعية الدينية لغرض إشعال حرباً أهلية على أمل إن الأغلبية الشيعية تستسلم بوجه قوى التطرف السنية. أمتصت المجتمعات السنية الآف من حالات الوفيات قبل أن تقاتل مع ميليشياتها الطائفية.

وسعت الحرب الأهلية السورية التي تجاوزت حدود التوقعات من عدد الضحايا الذين وقعوا في عقد كامل خلال الحرب في العراق حخلال سنواتها الثلاث الأولى الصراعات الطائفية على مستويات غير متوقعة. أندلعت الحرب بتظاهرات سلمية عام 2011 تنادي بنهاية نظام الأسد، والذي حكمت عائلته منذ عام 1970. ابدت الأغلبية السنية السورية استيائها من عائلة الأسد والأنصار من العلويين بعد عقود من الكبت والأجندة الطائفية التي جعلت العلويين الأقلية يعتلون السلطة والقطاع الخاص. كشفت التظاهرات الوحشية في عام 2011 وقمع السلطة الحاكمة صراعات طائفية في سورية والتي ماجت حتى ملأت البلاد برمتها.

عشرات الآلاف من السوريين السنة ألتحقوا مع المجاميع الثائرة بأسم (أحرار الشام) و(الجبهة الإسلامية) و(جبهة النصرة) التابعة للقاعدة والتي وظفت جميعها خطابات مناهضة للتشيع، وعدد مماثل من الشيعة السوريين والعلوين أنخرطوا في ميليشيات تدعمها أيران تعرف (قوة الدفاع الوطني) لنصرة نظام الأسد. التحق المقاتلون السنة من البلدان العربية والغربية بالثوار مع حزب الله اللبناني ولالميليشيات الشيعية العراقية مثل (عصائب أهل الحق) و(كتائب حزب الله) لدعم النظام السوري. وكشفت الأنباء أيضاً بتوظيف إيران (الأفغان من الشيعة) اللاجئين في إيران في الحرب الدائرة في سوريا واضعينهم أمام القوى السنية الأجنبية نفسها التي أجبرت الإفغان من الهروب قبل عقود. جذبت الحرب الأهلية السورية ميليشيات من بلدان أكثر مما تورطت فيه في الصراعات في افغانستان والشيشان والبوسنة مجتمعة.

وجدت القاعدة في العراق التي قاتلتها قوات (الصحوة ) العراقية السنية التي التحقت لتقاتل المتكرفين مع الحملات العسكرية الأمريكية ووفاة أبو مصعب الزرقاوي غرضاً جديداً في توظيف المساحات المتبقية بالتراجع إلى الدولة السورية. أسست حركتها الإنتقالية الجديدة التي عرفت بأسم (الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”). توسعت المجاميع قبضتها على المحافظات السنية في العراق والمناطق الشرقية في سوريا وقبصت على ثاني أكبر مدينة عراقية (الموصل) في حزيران 2014. كانت تأخذ تعليماتها من القادة الكبار في القاعدة لتستقطع طموحاتها التوسعية الإنتقالية وتطرفها والتي جعلت القاعدة تطردها من وصابتها في شباط 2014. سمت داعش اسمها الجديد (الدولة الإسلامية) في تمو ز 2014 وأعلنت أسم خليفتها ( أبو بكر البغدادي). نشرت المجاميع بصورة واسعة صورها وهي تعدم الرهائن الغربيين ردا على الحملة الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على المنطقة بالتحالف مع كل من الأدرن وقطر والسعودية والإمارات.

صارت المجاميع المسلحة تعتمد على قنوات التلفزة الفضائية والاتصال السريع بالانترنت خلال العقدين الأخيرين لنشر الخطابات المعادية وتستجدي النصرة. أطلق الكثير من الخطباء السنة الذين تلقوا الدعم من السعودية وبعض بلدان الخليج خطابات مناهضة للشيعة. وانخرط الخطباء الشيعة في نفس الموجة وباتوا يسخرون ويلعنون الخلفاء الثلاثة الأولين وعائشة زوجة الرسول.

ترجع الخطابات الطائفية التي تنزع الإنسانية من الطرف (الأخر) إلى قرن مضى. ولكن حجمها اليوم أزداد. ومن الومعتاد اليوم زيادة الخطاب بإعلان العرب الشيعة على إنهم صفويون مصطلح اصطبغ عليهم معنى (العملاء لإيران) – المشتق من الإمبراطورية الصفوية- وإنهم خونة للقضية العربية . أستعمل السنة الإسلاميين المتطرفين مصطلحات تاريخية أقسى لوصف الشيعة مثل (الرافضة)، أي رافضي البيعة، و(المجوس)، أي أتباع زرادشت النبي الفارسي المزعوم. وصف

المسؤولون الإيرانيين ورئيس الوزراء العراقي وحسن نصر الله (قائد حزب الله) بصورة روتينية المعارضين السنة على إنهم (تكفيريين) وهو رمز يطلق على إرهابيي القاعدة والوهابية. تفاقمت تلك المظاهرات على عموم العالم الإسلامي.

ثورن المتطرفون السنة والتقنيات الجديدة ومواقع التواصل الإجتماعي الظفر بالفرص بالتعبئة. لم يعد لدى المتطرفون التفصة من خلال الجواع الرئيسية وجذب المتطوعين سراً ولكنهم باتوا ينشرون ندائاتهم بالجهاد وإنتظار المتطوعيون الجدد ليلتحقوا بهم. ولم تكن تلك القنوات تدر بالنفع على المليشيات الشيعية، التي استفادت من دعم الدولة في سوريا والعراق وإيران ، لتحظى بالمتطعوعين لصفوفها بل يمكنها علنا أن تعلن عن ندائها بالتطوع للجهاد الطائفي.

نقاط الصدام

ساهم الصراع السني الشيعي في مضاعفة نقاط الصدام في البلدان المسلمة التي ترى على إنها تضع التهديد السلم والأمن العالميين على المحك. وما يلي ما أبرز ما أثاره المحللون الأقليميون:

المليشيات المنتفضة

إزداد الإهتمام الملحوظ بالعنف الطائفي في عام 2013. فقد تغذى المتطرفون بالدوافع الطائفية في سوريا ولبنان وباكستان وفق ما صرحت به وزارة الخارجية الأمريكية. وبعد سنوات من الخسائر المتلاحقة للمجاميع التي تدعمها القاعدة، رفعت وساعدت الشبكات الممولة في الخليج وعلى وجه الخصوص الكويت تعبئة السنة المتطرفون مع توجيه حملات عنف أكثر ضد المسلمين الأخرين بدلاً من الأهداف الغربية. ونالت الميليشيات الشيعية كذلك بعض القوة من جهة لتواجه تهديد السنة المتطرفين واضعين الكثير من المجتمعات المسلمة داخل مستنقع من العنف الطائفي.

حذر مسؤولين أمريكيين كبار وأبرزهم مدير وكالة التحقيقات الفدرالية لإن الحرب في سوريا التي جذبت الألاف من المقاتلين من أوربا والولايات المتحدة تشكل تهديد طويل الأمد على المصالح الغربية. إن التدفق اللاحق لتلك المليشيات وتصاعد حدة القتال وجوازات السفر الغربية شكلت من وجهة نظر البعض “هجرة إرهابية” أساسية والتي قد تكشف شبكات الإرهاب العالمية التي تشكلت بعد حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي أنذاك في ثمانينات القرن الماضي.

التنافس السعودي الإيراني

طورت السعودية وإيران موارد ملحوظة للمعارك بالنايبة وعلى وجه الخصوص في سوريا حيث الصرع على أشده. راقبت حكومة الرياض عن كثب الاضطرابات الرئيسية في بعض من محافظاتها الشرقية الغنية بالنفطوالتي هي موطن الشيعة الأقلية ووظفت قوى بالتعاون مع دول الخليج لخمد التظاهرات الشيعية في البحرين. وشكلت كذلك تحالف من عشر بلدان ذات أغلبية سنية تدعمهم الولايات المتحدة لعكس نمو الحوثيون في اليمن. وفرت السعودية مئات الملايين من الدولارات لدعم السنة المسيطرين في سوريا مالياً في حين حظرت على مماثل تدقف الأموال إلى القاعدة والمجاهدين السنة المتطرفين التي تقاتل ضد نظام الأسد.

رضدت إيران مليارات الدولارات على شكل مساعدات وقروض لتدعم حكومة سوريا العلوية بقيادة الأسد ودربت وجهزت المعدات للمليشيات الشيعية من لبنان والعراق وسور يا وأفغانستان لتقاتل مع ميليشيات طائفية متعددة في سوريا. وفي نفس الوقت، قد تثير المعارك بالنايبة المتسعة الإهتمام بين قادة حكومتي الرياض وطهران حول نتائج تلك المعارك. أجلب الطرفان مراراً جهدوهما في تأسيس حوار لغرض حسم النزاعات دبلوماسياً. تقاتل إيران الجولة الإسلامية في العراق في حين التحقت السعودية وبلدان ذات أغلبية سنية أخرى مع الولايات المتحدة في حملات الضربات الجوية ضد المجاميع المتطرفة في العراق وسوريا.

الأزمات الإنسانية

الحرب الأهلية الدائرة في الجبهة السورية جعلت ملايين الأهالي تنزح داخلياً وما يقارب ثلاث ملايين مدني أغلبهم من السنة لاجئين اليوم في لبنان والأردن والعراق وتركيا. إن تدفق أكثر من مليون سوري إلى لبنان وهي الدولة ذات الخلفيات التاريخية المتأججة في الإختلاط الديني التي شهدت حربها الأهلية التي دامت ما يقارب خمس عشر عاما في عقدي السبيعينات والثمانينات من القرن الماضي قد وضعت تحت عبئ التقشف المالي النقدي وضغطت على المجتمعات التي تأوي النازحين. لا

زالت العراق والأردن يجاهدان لتوفير خدمات والضيافة لسكان واقعين تحت الفاقة والمرض. ولتركيا المقدرة الأكبر لتوفير المساعدات الإنسانية ولكن على حكومة أنقرة في ذات الوقت أن توازن على نحو متزايد “تعاطف الشعب وتهدأ الإنزعاج الشع من اللاجئين” وفق ما صرح به التقرير الدولي لمجموعة الأزمة.

الدول المهددة بالإنقسام

حرب سوريا الأهلية بالإضافة إلى الصراع الطائفي في العراق تهددان إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط التي أوصت بها السلطات الإستعمارية البريطانية والفرنسية للمنطقة. وضع نظام الأسد يده بقوة على ساحل البحر الأبيض المتوسط والعاصمة دمشق ومركز مدينة حمص والتي تشكل سوية دولة رديفة تتصل بقوة مع أنصار حزب الله وتهدد التكامل الأقليمي اللبناني. في حين وقعت الأجزاء الأخرى من البلد تحت قبضة وسيطرة الثوار والمجاميع المسلحة الإسلامية التي تشمل على داعش والتي تسعى إلى السيطرة على المناطق الشرقية من سوريا التي ترتبط أقليمياً مع العراق. في حين المجاميع الكردية في شمال سوريا والتي لها كابناء عمومتها في العراق الصراع الأطول من أجل الحقوق الأساسية ونكرت حكومة البعث على وشك الحصول على الإستقلال الفعلي. وتتعرض اليمن التي وتوحدت عام 1990 لخطر الإنقسام من جديد إلى دولتين وفق خطوط طائفية عريضة.

انفقت الولايات المتحدة أكثر من ترليون دولارمن أجل إستقرار العراق ولكن البلد لا زال في حالة من عدم الإستقرار. الصراعات الطائفية تتصاعد في العراق في الوقت الذي أعتلت القوى الشيعية ذات الأغلبية السيادة والسلطة على حساب تهميش السنة الأقلية وتعاملت خلاف ذلك مع حكومة كردستان الأقليمية في الشمال في الوقت التي تواجهه فيه المجاميع السنية المتطرفة. رفض الكثير من الساسة والناشطين في العراق وسوريا ولبنان المحاولة في إعادة ترسيم الخارطة في المنطقة ولكن الحدود المختفية والإندماجات في المناطق الجديدة وفق الهوية الطائفية والعرقية في حالة من النمو الوجودي الباعث للتحدي.